السياسية- تقرير: مرزاح العسل
تحتفل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم غدٍ الخميس، بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بأمواج “تسونامي” 2020م تحت شعار (تعزيز الخطة الوطنية والمحلية للحد من المخاطر).

ويأتي احتفال المنظمة لهذا العام بهدف الحث على تطوير خطط محلية ووطنية للحد من مخاطر الكوارث وإنقاذ الأنفس، وتعزيز الهدف من (حملة سِنداي السُباعية: 7 غايات في 7 سنوات) الاتفاق الدولي لمدة 15 عاما الذي أُعتمد في مارس 2015 خلفا لإطار عمل هيوغو، التي توضح لنا الكيفية التي يمكن أن نُسهم بها جميعا في الحد من خسائر الكوارث.
وكشفت تقارير دولية حديثة أنه بحلول عام 2030م، سيعيش ما يقدر بنحو 50% من سكان العالم في المناطق الساحلية المهددة بالفيضانات والعواصف وأمواج تسونامي وهو ما يحتم وجود خطط وسياسات للحد من آثار “تسونامي” لحماية السكان المهددين بتلك المخاطر.
وعلى مدى العقدين الماضيين، تسببت أمواج “تسونامي” فيما يقارب الـ10% من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث في العالم، ما أدى إلى تراجع مكاسب التنمية، لا سيما في البلدان المتاخمة للمحيطين الهندي والهادئ.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في ديسمبر 2015 جعل يوم 5 نوفمبر ليكون (اليوم العالمي للتوعية بأمواج تسونامي) كرمزية إلى المخاطر التي تهدد بعض المناطق الساحلية في العالم بأعاصير مشابهة لإعصار “تسونامي” الشهير في المحيط الهندي.
وفي رسالة له بهذه المناسبة قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “إننا نعيش في عالم تتعدد فيه المخاطر ويندرج فيه عنصر الخطر بشكل منهجي وعضوي في نسيج التطور البشري ذاته.. ونعمل حاليا على مكافحة ما يصفه البعض بأنه أمواج من الموت والمرض تخلفها جائحة كوفيد-19 أشبه ما تكون بأمواج تسونامي”.
وذكر بأسوأ تسونامي قائلاً: “لا يزال مشهد أسوأ كارثة وقعت دون سابق إنذار خلال هذا القرن عالقاً بشدة في الذاكرة، ألا وهي أمواج تسونامي التي اجتاحت المحيط الهندي في عام 2004 وأودت بحياة أكثر من 227 ألف شخص”.

وأشار إلى أنه يمكن الاستفادة كثيرا في التأهب للجوائح من التقدم الذي تم إحرازه في الحد من وقوع الخسائر في الأرواح على نطاق واسع من جراء أمواج تسونامي.. مؤكداً وجود نظم للإنذار المبكر في الوقت الحاضر تدق ناقوس الخطر كلما كانت السواحل معرضة للخطر.
وتابع قائلاً: إن “منظومة الأمم المتحدة تعمل مع الشركاء في جميع أنحاء العالم لتوعية الجمهور وتنظيم التمارين وفتح طرق للإجلاء والقيام بكل ما في وسعها لتجنب وقوع خسائر فادحة في الأرواح عندما تضرب أمواج تسونامي القادمة”.
وجدد تأكيده أن هذه الأمواج قادمة شأنها في ذلك تماما شأن الجائحة أو العاصفة أو الفيضانات أو موجة الجفاف أو موجة الحر القادمة.. مضيفاً “كلما ضربت أمواج تسونامي، إلا وشكل ذلك أشد اختبار للإدارة والمؤسسات التي أنشئت لإدارة مخاطر الكوارث”.
كما أكد أمين عام الأمم المتحدة في ختام رسالته، أنه تم اختيار تعزيز سبل إدارة مخاطر الكوارث موضوعا لليوم العالمي للتوعية بأمواج تسونامي لهذا العام، وأوضح أنه من شأن ذلك أن يساعد على بناء القدرة على الصمود أمام جميع المخاطر، الطبيعية منها والناجمة عن الأنشطة البشرية.
هذا وتسهل منظمة الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث الاحتفال بهذا اليوم العالمي بالتعاون مع بقية منظومة الأمم المتحدة.
ودعت المنظمة الدولية البلدان والهيئات الدولية والمجتمع المدني لإذكاء الوعي بأمواج تسونامي وتبادل الأساليب المبتكرة للحد من مخاطرها.. حيث يعيش أكثر من 700 مليون شخص في المناطق الساحلية المنخفضة والدول الجزرية الصغيرة النامية المهددة بكوارث قاسية بما في ذلك أعاصير “تسونامي”.
وكان اليوم العالمي للتوعية بأمواج تسونامي من أفكار اليابان التي اكتسبت على مر السنين خبرة كبيرة -بسبب تجربتها المتكررة والمريرة- في مجالات من مثل الإنذار المبكر من وقوع تسونامي والعمل العام وإعادة البناء بشكل أفضل بعد وقوع الكوارث بما يضمن الحد من الآثار المستقبلية، فالعاصمة اليابانية طوكيو لديها تجربة مروعة تتكرر على مر السنين.
ويكفي هنا الإشارة إلى أن اختيار موعد التوعية السنوي كان تكريما لقصة يابانية قديمة تسمى “حرق حزم الأرز”، والتي تدور حول قيام قروي بحرق محصوله من الأرز عام 1854، من أجل إعلام أهل قريته والقرى المجاورة بقدوم موجة كبيرة حتى يتقوها ويتجنبوا مخاطرها.
وتعتبر موجات تسونامي من الوقائع النادرة، لكنها الأشد فتكا والأكثر كلفة من بين جميع المخاطر.. فقد كلف زلزال توهوكو في اليابان عام 2011 أكثر من 235 مليار دولار أمريكي، فكان بذلك الكارثة الأكثر كلفة في تاريخ العالم.

وهنا ينبغي الإشارة إلى أن كلمتا (نادرة، قاتلة) تلخص ظاهرة أمواج تسونامي التي تضرب العالم من فترة لأخرى، لذا خصص يوم 5 نوفمبر للتوعية بها.. “وإن كانت نادرة، إلا أنها قاتلة، وبما أنها قاتلة لا بد من التوعية بشأنها”.
وأمواج تسونامي نادرة الحدوث، ولكن يمكن أن تكون قاتلة للغاية.. ففي السنوات الـ100 الماضية، أدى حدوث نحو 58 كارثة للتسونامي إلى وفاة أكثر من 260 ألف شخص، أو ما معدله 4600 شخص لكل كارثة، وهذا يتجاوز المخاطر الطبيعية الأخرى.
وأدى التسونامي في المحيط الهندي لوحده في ديسمبر 2004 إلى أكبر عدد من الوفيات في تلك الفترة وتسبب ما يقدر ب 227 ألف حالة وفاة في 14 بلداً، حيث كانت اندونيسيا وسريلانكا والهند وتايلاند الأكثر تضرراً.
وبعد 3 أسابيع فقط من هذه الكارثة، اجتمع المجتمع الدولي في “كوبي، هيوغو” في اليابان، واعتمدت الحكومات “إطار عمل هيوغو” لمدة 10 سنوات، وهو أول اتفاق عالمي شامل بشأن الحد من مخاطر الكوارث.
وبعد ذلك أيضاً تم إنشاء نظام المحيط الهندي للتحذير والتخفيف من التسونامي، حيث يضم العشرات من محطات الرصد وتسجيل الزلازل ومستوى سطح البحر ونشر التنبيهات إلى مراكز معلومات التسونامي الوطنية.
ولأن التوسع الحضري السريع والسياحة المتنامية في المناطق المعرضة للتسونامي يضع باستمرار المزيد من الناس في الأذى، فإن جعل الحد من المخاطر عاملاً أساسياً إذا كان العالم يريد تحقيق تخفيضات كبيرة في معدل الوفيات الناتجة عن الكارثة، وهو الهدف الأساسي لإطار سينداي.
وتتألف كلمة “تسونامي” من الكلمات اليابانية “تسو” (بمعنى الميناء) و”نامي” (بمعنى موجة).. وهو عبارة عن سلسلة من الموجات الضخمة التي أنشأتها اضطرابات تحت الماء ولها عادة علاقة مع الزلازل التي تحدث في الأسفل أو بالقرب من المحيط.
ومن أسباب التسونامي.. الزلازل التي تولد عن طريق تحركات على طول الصدوع المرتبطة بحدود الصفائح، وتحدث معظم الزلازل القوية في مناطق الاندساس حيث تنزلق شرائح لوحة المحيط تحت الصفيحة القارية أو لوحة محيط أصغر.. ومن أسبابها أيضاً الانهيارات الأرضية، والثورات البركانية، والإصطدامات بأجسام من خارج الأرض، لأنها تنشأ نتيجة الحركة العمودية في قاع البحر والتي تتسبب في نزوح الكتلة المائية.
وتمر موجات تسونامي بـ3 مراحل هي التولد ثم الانتشار ثم الإغراق، وتختلف عن الأمواج البحرية العادية من حيث السرعة والتي تتراوح ما بين 500 إلى 700 كيلومتر في الساعة، وأيضا الحجم.
وجاءت دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الدول والهيئات الدولية والمجتمع المدني للاحتفال بهذا اليوم، من أجل رفع مستوى الوعي بأمواج التسونامي وتبادل الطرق المبتكرة للتقليل من المخاطرة.
وتماشياً مع هذا اليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث، فقد قدم مكتب “اليونسكو” في العاصمة الأندونيسية جاكرتا مشروعه الجاري لتوثيق روايات شهود عيان وقصص الناجين من الزلازل وأمواج تسونامي التي ضربت سولاويزي الوسطى في الأعوام 1927 و1938 و1968 و2018.. ونشرها في هذه المناسبة.
وكذلك قصة عارضة الأزياء التشيكية ورائدة الأعمال بترا نيمكوفا وهي المناصرة الأممية الرسمية لمسألة التوعية بأمواج التسونامي للحد من مخاطر الكوارث.. لم تنج نيمكوفا من تسونامي المحيط الهندي عام 2004 في تايلاند فحسب، بل وجدت كذلك طريقة لمواصلة العيش ومشاركة تجربتها في خدمة المتضررين من الكوارث.
ومن الشهادات التاريخية أيضاً للأشخاص الذين نجوا عبر القرون، نعلم أن أمواج تسونامي الكارثية قد ضربت قبرص في تاريخها، وتسببت في خسائر في الأرواح ودمرت مدنها وموانئها الساحلية آنذاك.. ومع ذلك، فإن كل تسونامي يترك وراءه أدلة جيولوجية: عندما يضرب السواحل، فإنه يحمل معه مواد مختلفة من قاع البحر ترسبه على الأرض، ثم يصبح فيما بعد دليلًا جيولوجيًا على هذه الظاهرة.
تاريخياً وفي اليونان.. وقع في 21 يوليو 365م، في القوس الغربي اليوناني، أقوى زلزال ضرب البحر الأبيض المتوسط بأكمله على الإطلاق.. وسوى بالأرض جزيرة كريت وألحق أضرارا واسعة النطاق.. ويعتقد اليوم أنه تسبب في ارتفاع جزيرة كريت بمقدار 10 أمتار.. وأعقب الزلزال موجة مد مدمرة ضربت شرق البحر المتوسط، ما أسفر عن مقتل 50 ألف شخص في الإسكندرية وحدها.

وفي 20 مايو 1202م، تسبب زلزال أرضي قوي للغاية في صدع البحر الميت، في حدوث انهيار أرضي تحت سطح البحر قبالة الساحل السوري، مما تسبب في سلسلة من الانهيارات الأرضية.. وضرب تسونامي مدمر شرق البحر الأبيض المتوسط.
وفي 11 مايو 1222م، تسبب زلزال قوي للغاية تحت سطح البحر في قوس قبرص، في واحدة من أكثر موجات تسونامي كارثية التي ضربت قبرص في التاريخ.. وتسبب الزلزال والتسونامي في خسائر فادحة في الأرواح وأضرار جسيمة في بافوس وليماسول.. تم تسوية مدينة وقلعة بافوس، بينما ترك مينائها بدون ماء مع انتقال الساحل إلى البحر.
وفي 8 أغسطس 1303م، تسبب زلزال قوي جدًا تحت سطح البحر في الجزء الشرقي من القوس الهيليني، في واحدة من أكثر أحداث تسونامي تدميراً وتوثيقًا في البحر الأبيض المتوسط.. تسبب الزلزال والتسونامي في أضرار جسيمة في جزيرة كريت ومصر مع خسائر فادحة في الأرواح. ضرب تسونامي تركيا وقبرص وساحل الشام بدرجة أقل.
أما في 26 أغسطس 1883م، فقد تم تسجيل أكبر تسونامي وأكثرها تدميرا على الإطلاق بعد انفجار وانهيار بركان كراكاتوا في إندونيسيا.. حيث ولد هذا الانفجار موجات وصلت طولها إلى 135 قدما، ودمرت المدن والقرى الساحلية على طول مضيق سوندا في كل من جزيرتي جاوة وسومطرة، مما أسفر عن مقتل 36 ألف و417 شخصا.
وتسببت الزلازل الأخيرة في قبرص في حدوث موجات تسونامي صغيرة غير مدمرة: في عام 1941م، تسبب زلزال بقوة 6.5 درجة في فاماغوستا في حدوث تسونامي صغير.. وفي عام 1953م، تسبب زلزال بقوة 6.5 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل بافوس في حدوث تسونامي صغير قبالة سواحل بافوس.

سبأ