تقرير – نجيب هبة :

 في الوقت الذي أظهرت أبواق سعودية وإماراتية تبريراً ودعماً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حملته المسيئة لنبي الإسلام محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.. خرج اليمنيون بالملايين يحيون ذكرى مولده صلى الله عليه وآله في مشهد انتصار عظيم للرسول الكريم وفي رد عملي على أولئك المسيئين له وكذلك على أذيالهم من مبرري الإساءة ومؤيدي الإنحناء والذل لليهود والأعداء تحت مسمى “التطبيع”.

خرج اليمنيون بالملايين في ميدان السبعين وملعب الثورة بالعاصمة صنعاء وفي الساحات في مختلف المحافظات كما أحيوا هذه المناسبة العظيمة بفعاليات احتفالية ودينية وثقافية قبل ذلك بأسابيع ورفعوا اللافتات المعبرة عن ابتهاجهم بالمناسبة، في صورة ناصعة البياض أثبتوا من خلالها أنهم خير من ينتصر للرسول الكريم.

بينما استقبل مسؤولون سعوديون قبل أيام السفير الفرنسي .. حيث استقبل كل من أمير مكة المكرمة “خالد الفيصل”، ومحافظ جدة “مشعل بن ماجد بن عبد العزيز”، السفير الفرنسي بالسعودية “لودفيك بوي”، وحسب وكالة الأنباء السعودية فإن الجانبين “تبادلا الأحاديث الودية وناقشا الموضوعات ذات الاهتمام المشترك” دون أن تشير إلى موضوع الرسوم المسيئة للرسول التي تفاعلت في الآونة الأخيرة وأخذت صدى واسعا في العالم الإسلامي، وكأن شيئا لم يكن.. بينما لم تشر السلطات السعودية إلى سبب المقابلة وما إذا كانت على صلة بموضوع دعم ماكرون للرسوم المسيئة أم لا.

“أحاديث ودية” حسب وصف السلطات السعودية لها بينما تتبنى فرنسا موقفا رسمياً مؤيدا وداعماً لتلك الإساءة المتعمدة لرسول الإسلام.

وفي الوقت الذي تفاعلت قضية الرسوم وأثارت غضبا شعبيا واسعا في مختلف دول العالم الإسلامي وأدت إلى خروج مظاهرات منددة وحملات مقاطعة اقتصادية وثقافية لفرنسا.. كان عداء الإمارات والسعودية الرسمي لقضايا الأمة العربية والإسلامية قد انتقل إلى النخب السياسية والإعلامية، وبدت هذه النخب أو بالأحرى “الأبواق” مدافعاً وناطقاً باسم أعداء الأمة من اليهود والأمريكان ، حيث تصدر  المثقفون والإعلاميون السعوديون والإماراتيون المشهد دفاعاً عن فرنسا، ووجهوا الهجوم باتجاه تركيا متهمين إياها بالوقوف وراء افتعال أزمة بين المسلمين وباريس على ضوء الحوادث الأخيرة في فرنسا.

تجاهل الإماراتيون والسعوديون ومن يسير في فلكهم (من عصبة التطبيع) الإساءة المتعمدة للنبي محمد صلى الله عليه وآله سلم من قبل فرنسا، بل ووجهوا سهام إعلامهم للدفاع عن تلك الإساءات.

لم يكن التبرير الذي قام به إعلام السعودية والإمارات لتصريحات ماكرون أمراً غريباً، فقد اعتادت تلك الأبواق على الدفاع عن كل من يسيء إلى الإسلام أو من يرتكب جرائم بحق المسلمين.

ففي سياق تلك التبريرات .. كتب الصحفي السعودي عضوان الأحمري، رئيس تحرير صحيفة “إندبندنت” عربية، قائلاً إن “تركيا هي العدو الأول للسعودية وأمنها وليست فرنسا”.. معتبراً أن الرسوم المسيئة للنبي “تصرف فردي إدانته هو ما يمكن فعله”، متجاهلاً سماح السلطات الفرنسية بنشر تلك الرسومات بشكل واسع.

كما اعتبر هجوم ماكرون وتصريحاته “رد فعل طبيعي على جريمة وحشية ارتكبها إرهابي أهوج”.. مضيفاً “مقاطعة تركيا مستمرة، والذين يحاولون صرف النظر عنها وتخفيف أثرها بحرف البوصلة نحو باريس لن ينجحوا”.

وفي محاولة للعب وخلط الأوراق .. غرّد الكاتب السعودي تركي الحمد قائلاً “‏نعم.. ماكرون شن حملة على الإسلام السياسي وليس الإسلام، ولكن الإخوان يريدونها حملة على الإسلام ككل، في خلط واضح بين الاسلام وفكر البنا وقطب، وهذا غير صحيح.. الإخوان يريدون احتكار الإسلام ففرنسا فتحت لهم أبواب الهجرة، فكيف تتنكر لهم.. قليل من العقل”.

ينما قال الإماراتي عبد الخالق عبدالله، في تغريدة على تويتر “‏حملة الإخوان ضد حرب فرنسا المحقة على الغلو والتطرف ليست مخلصة لوجه الله وليست دفاعا عن الإسلام بل هي متاجرة بالدين”.

وفي تغريدة أخرى قال الكاتب السعودي إبراهيم المنيف “# ماكرون_يسيء_للنبي المستائين الذين يطالبون بالمقاطعة وتدخل المسلمين بسبب رسم كاريكاتير! هل نسوا الدعاء العلني على النصارى واليهود ومخالفيهم في الدين والملل! ماذا كانت ردة فعلهم؟ هل طالبوا بالتدخل؟ لا كل دولة مسؤولة عن ما يحدث داخل حدودها، وليس لكائن من كان حق التدخل في شؤونها”.

وفيما ظهر الموقف اليمني رسمياً وشعبياً بوضوح مدافعاً عن النبي صلى الله عليه وآله ومديناً ومستنكراً لموقف الحاقد ماكرون ولأي اساءة للنبي أو للإسلام أو للمسلمين.. بدا الموقف السعودي متخاذلا ومتذبذبا بل ومبررا.. حيث أصدرت السعودية بياناً دعت فيه على لسان “الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء”، إلى إدانة الإساءة للأنبياء والرسل، وأكدت أنّ الإساءة لن تضر أنبياء الله ورسله، وإنما تخدم أصحاب الدعوات المُتطرّفة..

فيما لم يتطرّق البيان إلى أي إدانة صريحة ومُباشرة لفرنسا ورئيسها، وإنما دعا “العقلاء إلى إدانة الإساءات التي لا تمت إلى حريّة التعبير والتفكير بصلة”.

وفي كلمة حق يراد بها باطل.. ورد في نص البيان عبارة أنّ الإسلام “أمر بالإعراض عن الجاهلين”، وسيرة الأنبياء محفوظة وسامية وواجب كل مسلم كما قال بيان الأمانة ، وهي أعلى هيئة دينية في السعوديّة ، “نشر سيرة النبي بما اشتملت عليه من الرحمة”.

  ولا نستغرب تلك المواقف من هذه الدول التي تسعى اليوم بقوة إلى خدمة العدو الصهيوني والأمريكي من خلال الحملة القوية الجارية هذه الأيام للتطبيع مع اسرائيل ومحاربة كل من يقف ضد اليهود وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني حيث لم يعد الإسلام ونبيه خطاً أحمر بالنسبة لهم ولم تعد القضية الفلسطينية تعنيهم..

فقد كان لافتاً ما قاله الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن، في 5 أكتوبر الجاري، بأن حديث القيادات الفلسطينية بعد اتفاق الإمارات والبحرين مع “إسرائيل” كان “مؤلماً ومتدنياً”.

وأشار إلى أن “تجرؤ القيادات الفلسطينية على دول الخليج غير مقبول ومرفوض”.. مضيفاً إن “القيادات الفلسطينية تستخدم مصطلحات التخوين بسهولة، وهذه سُنَّتهم في تعامل بعضهم مع بعض” على حد زعمه.

 انقلبت المفاهيم إذن في شرع أولئك المنبطحين لأعداء الأمة وهم يعتقدون أنهم يخدمون مصالحهم وشعوبهم بهذه المواقف حيث استطاع الأعداء تجنيد هؤلاء لخدمة أهدافهم.. لكن الأيام كفيلة بأن تثبت لهم عكس ذلك وأنهم سائرون في الطريق الخطأ الذي ستكون نهايته وخيمة عليهم وعلى شعوبهم كما سيثبت لهم الوقت أن موقف محور المقاومة هو المؤدي إلى النهاية المشرفة للإسلام والمسلمين وهو مايخشاه أعداء الأمة ويعملون بكل ما أوتو من قوة لإحباطه.