السياسية – رصد :

 

بينما يتحوَّل الشطرنج السياسي لمعادلات القوة في منطقة غرب آسيا بشكل متزايد إلى ساحة اصطفاف بين تركيا والإمارات، أدى التنافس الإقليمي بين البلدين إلى تشكيل سياسات وتحالفات متعارضة في غرب آسيا وشمال إفريقيا.

العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وأبو ظبي قد توترت بعد أن بدأ حزب العدالة والتنمية الترکي الحاكم بدعم الإخوان المسلمين خلال ما يسمی “الربيع العربي”، ذلك أن الإمارات تعتبر جماعة الإخوان منظمةً إرهابيةً.

وانعكس هذا التنافس خلال العام الماضي في مجموعة من القضايا والأزمات الإقليمية، من الحرب الليبية إلى القرن الإفريقي. وفي هذا الصدد، قال “إميل هوايم” الخبير في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لصحيفة “فاينانشيال تايمز”: “إنه صراع يحدد السياسات في الشرق الأوسط الآن”. وأضاف إن “هذه المنافسة مفتوحة ويتم القيام بها من خلال مجموعات تعمل بالوكالة، وهي تقود الجهات الفاعلة الدولية إلى (دعم) كل من الجانبين”.

كانت ليبيا نقطة تحول هذه القصة في الأشهر الأخيرة. قبل استخدام تركيا للمعدات العسكرية وإرهابيي الحرب السورية في ليبيا على نطاق واسع، كانت القوات المعروفة باسم الجيش الوطني التابع للخليفة حفتر تتقدم نحو طرابلس، بدعم عسكري ومالي واسع النطاق من السعودية والإمارات.

ومع ذلك، أحبطت القوات الجوية التركية التفوق الجوي لحفتر، وأنهت مساعيه للإطاحة بحكومة طرابلس، وأجبرت قواته على الانسحاب بسرعة، وعرّضت طموحات أبوظبي في ليبيا للخطر.

وعقب الغارات الجوية على القاعدة العسكرية التركية في ليبيا، حذر وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار” من أن بلاده ستنتقم من الإمارات “في الزمان والمكان المناسبين”.

الإمارات التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة باستثناء الأجانب، من أغنى الدول في المنطقة. ومنذ “الربيع العربي” في عام 2011، أنفقت مليارات الدولارات على شكل مساعدات وصفقات تجارية ودعم عسكري لدعم حلفائها في المنطقة، ومعظمها لمواجهة الإخوان المسلمين وتوسيع العمق الاستراتيجي لتركيا.

وفي هذا السياق، قال أردوغان العام الماضي إن عدد السفارات التركية في الدول الإفريقية، قد زاد من 12 إلى 42 على مدى السنوات الـ15 الماضية.

وخلال هذه الفترة، اتسع النفوذ التركي على طول الحدود الإماراتية، وفي عام 2017 أرسلت أنقرة قواتها سريعاً إلی قطر بعد الحصار السعودي الإماراتي المفروض على الدوحة.

وفي العام نفسه، افتتحت ترکيا أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في العاصمة الصومالية مقديشو، حيث تتنافس أبوظبي مع أنقرة على النفوذ في القرن الإفريقي.

وفي الوقت الذي كانت فيه السعودية تواجه أسوأ أزمة دبلوماسية لها منذ عقود، وذلك بعد اغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقشي” في القنصلية السعودية في اسطنبول، وقعت تركيا اتفاقية دفاع مشترك مع الكويت في أكتوبر 2018، وعمَّقت علاقاتها مع الفناء الخلفي للإمارات والسعودية في الخليج الفارسي.

في المقابل، سارعت الإمارات إلی مواجهة هذا الاتجاه، حيث بلغت الاستثمارات الأجنبية الإماراتية في إثيوبيا وباكستان ومصر 87 مليار دولار منذ عام 2011، وفقاً لمعهد “إنتربرايز” الأمريكي للأبحاث السياسية العامة.

ولکن لم يكن هذا هو الحال من قبل، فبعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، سعت الدول الخليجية إلى تعميق العلاقات مع تركيا كقطب آخر للتوازن الإقليمي ضد محور المقاومة بقيادة إيران.

ولکن تغيرت الأمور بعدما دعمت أنقرة الرئيس المصري المنتخب “محمد مرسي”. وفي هذا السياق، ذكر مسؤول تركي کان يعمل في الإمارات لصحيفة فاينانشيال تايمز: “كنت كالأمير، حيث کنت أدعی إلى جميع الاجتماعات وکانت جميع الأبواب مفتوحة … ثم عندما دعمنا مرسي، بدأ خوف أبو ظبي وأصبحوا غاضبين”.

كان “الربيع العربي” نقطة تحوّل في علاقات تركيا مع مصر والسعودية والإمارات. وبالنسبة لمحمد بن زايد، شكلت التطورات تهديداً، بينما اعتبرها أردوغان فرصةً لزيادة العمق الاستراتيجي لتركيا.

کما كان ابن زايد مقتنعاً بأن أمريكا لا تستطيع منع سقوط حليفها حسني مبارك، وأن جماعة الإخوان المسلمين ستستولي على السلطة، ما دفع ابن زايد إلى استخدام النفوذ المالي لحماية مصالحه مع حلفائه.

 

وعندما وصل اللواء عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2013، تم قمع جماعة الإخوان المسلمين وحظرهم، وانضمت مصر إلى معسكر ابن زايد.

رأی أردوغان في الإطاحة بمرسي تهديداً، وکان يخشی محاولات مماثلة للإطاحة بحكومته. کما يعتبر المسؤولون الأتراك أبو ظبي أحد المشتبه بهم الرئيسيين في محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016. وقال أردوغان في عام 2017: “عندما كان هناك انقلاب في تركيا، كنا نعرف جيداً من كان راضياً عنه في الدول الخليجية”.

وفي هذه الظروف، يحاول محمد بن زايد تعزيز تحالفه ضد تركيا في المنطقة وخارجها. فمن ناحية، يعتقد المسؤولون الأتراك أن التطبيع مع الکيان الإسرائيلي جزء من تعميق التحالف ضد أنقرة. ومن ناحية أخرى، في المجال العابر للحدود الإقليمية أيضاً، فإن الإجراءات المناهضة لتركيا من قبل الإمارات والسعودية واضحة تماماً.

في الأسابيع التي سبقت الاتفاق مع الکيان الإسرائيلي، أرسلت الإمارات طائرات مقاتلة من طراز “إف 16” إلى البحر الأبيض المتوسط ​​للمشاركة في مناورة مع اليونان، وسط التوترات الشديدة مع تركيا. ويُذکر أن الإمارات تشارك في مناورات عسكرية مع اليونان منذ عام 2017.

وعلى الرغم من أن الإمارات والسعودية ليس لديهما مصالح جيوسياسية ملموسة في أزمة “ناغورنو كاراباخ”، ولکن نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” عن مسؤول سعودي قوله: إن “تورط أردوغان في ناغورنو كاراباخ أمر مقلق، ليس لأن الصراع يهمنا، بل لأنه يمثِّل الطريق الذي يسلكه أردوغان”. کما فرضت السعودية الأسبوع الماضي عقوبات على المنتجات التركية، لإظهار أن الضغط على تركيا سيستمر بأبعاد مختلفة.

في غضون ذلك، يعتقد المسؤولون الأتراك أن محمد بن زايد وقدراته محدودان. وتستشهد أنقرة بما حدث في ليبيا كمثال جيد لإثبات أن الإمارات وابن زايد لا يستطيعان فعل شيء سوى سحب صكوك بمليارات الدولارات وشراء الأسلحة.

ومع ذلك، يری الكثيرون أيضاً أن دولارات ابن زايد وابن سلمان استطاعت أن تخلق لوبياً واسعاً في الدول الغربية، وتأثيراً في مناطق الوجود التركي في المنطقة وإفريقيا، وهو ما قد يجلب متاعب لأردوغان في المستقبل.