بعد ستة أسابيع من تطبيع الإمارات المفاجئ مع إسرائيل، ما زال الفلسطينيون بلا إستراتيجية
آرون بوكسرمان
السياسية – رصد:
مع قيام الداعمين الإقليمي السابقين بالتخلي عن السفينة، تحتاج رام الله إلى طريق جديد للمضي قدما. بدلا من ذلك قام عباس بفتح ’دليل الأزمة’ المألوف، وهذا لم يعد يفلح.
لقد مر ما يقرب من شهر ونصف منذ الإعلان المفاجئ عن قيام الإمارات العربية المتحدة بإقامة علاقات مفتوحة مع إسرائيل لكن محللين يقولون إن السلطة الفلسطينية ما زالت في حيرة من أمرها بشأن كيفية مكافحة موجة التطبيع التي تجتاح المنطقة.
يقول جهاد حرب، المحلل السياسي الفلسطيني المقيم في نابلس، ل”تايمز أوف إسرائيل” ، “لا توجد استراتيجية في الوقت الحالي – على الأقل ليس في السياسة الخارجية”.
سارع الفلسطينيون إلى الرد، وتبديل خطابهم بسرعة كافية أصابت من يراقب الشأن الفلسطيني عن كثب بالحيرة. تم تعليق الإدانة المريرة للإمارات، بما في ذلك حرق صور ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، فجأة بعد انتقادات لاذعة من رعاة خليجيين أقوياء أجبرت مكتب عباس على الإعلان عن احترامه “للرموز السيادية” للدول الشقيقة.
بعد أن رفضت جامعة الدول العربية مشروع قرار قدمه الفلسطينيون لإدانة الإمارات لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، أعلنت السلطة الفلسطينية عن إعادة النظر في عضويتها في الجامعة العربية – قبل أن تتراجع وتعلن عن بقائها في المنظمة في نهاية الأمر.
نفضت القيادة الغبار عن “دليل الأزمة” المألوف لعشاق هذا النوع الأدبي: محادثات وحدة مع الخصمين القديمين “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، واحتجاجات ضد اتفاق التطبيع، ومحاولة لانتزاع إدانات من جامعة الدول العربية.
وقال غيث العمري، مستشار سابق لعباس وحاليا زميل بارز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى، “استندت السلطة الفلسطينية بشكل أساسي على استراتيجيتها وأدواتها التقليدية. هذه استراتيجية عملت في السابق في نواح معينة – لا سيما في صياغة إجماع عربي وإسلامي ودولي تقريبا ضد خطة ترامب للسلام”.
ولكن هذه المرة، لم يفلح هذا الأسلوب فالمظاهرات المدعومة من السلطة الفلسطينية ضد الاتفاق فشلت في تحقيق زخم، والجامعة العربية رفضت تمرير مشروع قرار يدين التطبيع الإماراتي، والأهم من ذلك كله، مضت البحرين قدما وانضمت إلى الإمارات في إقامة علاقات مفتوحة مع إسرائيل.
الحق يقال فخيارات رام الله محدودة وغير جذابة فخطة السلام التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستأخذ في الأساس الوضع الراهن – الحكم العسكري الإسرائيلي على ملايين الفلسطينيين – وتسميه دولة.
وفي الوقت الذي لا يبدو فيه أن القدس وواشنطن غير معنيتين بإقامة دولة فلسطينية، يبدو من المستبعد أن تحصل السلطة الفلسطينية على صفقة أفضل.
يقول نبيل شعث، المستشار الكبير لعباس، لتايمز أوف إسرائيل، “أنتم تقولون أنكم تريدون منا أن نتكيف مع هذه الظروف؟ هذا يعني الاستسلام. ماذا مع مطالبة إسرائيل بتنفيذ اتفاقياتنا السابقة؟”
ولكن من سيطالب بذلك؟ بين الأنظمة العربية، من الواضح أن الشعار القديم “ما يقبله الفلسطينيون نقبله وما يرفضونه، نرفضه” لم يعد قائما.
يقول حسين إبيش، الزميل البارز في معهد دول الخليج العربي، “لقد توهم الفلسطينيون بالرد على خطة [ترامب] للسلام. كل ما كان على عباس فعله هو أن يقول ’لا، لا، لا’، ووقف العالم العربي والإسلامي كله وراءه. في هذا الصدد، سارت الأمور على ما يرام حقا. لكن فجأة ، انهار ذلك”.
منذ “الربيع العربي”، برز تحالف جديد من الحكام المستبدين القمعيين إلى الواجهة. من المملكة العربية السعودية إلى مصر، يعتقد هؤلاء القادة أن مصالحهم تكمن مع إسرائيل القوية وليس مع الفلسطينيين الضعفاء والمنقسمين.
في الوقت نفسه، لم تضع القيادة الفلسطينية في رام الله استراتيجية لمواجهة التطبيع. لقد صُدمت باستمرار بأحداث الشهر الماضي، واستجابت متأخرة – ولم يكن تحت تصرفها سوى القليل من الإدانات.
وقال ابيش، “تعلم [رام الله] أن هذه كارثة لكنهم يسمحون لرفضهم للمجازفة بأن يملي عليهم استراتيجيتهم الوطنية بطريقة مدمرة حقا. إنهم مشلولون، وهم يستمتعون بشللهم. هذا أمر مأساوي”.
أشار بعض المحللين إلى أن قيادة السلطة الفلسطينية تنتظر ببساطة نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، على أمل أن يفوز الديمقراطي جو بايدن. لكن من غير الواضح على الإطلاق إن كان بايدن سيقوم كرئيس بتغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين فيما يتعلق بالتطبيع بصورة مجدية.
فلقد أشاد المرشح الديمقراطي للرئاسة بالاتفاقات بين إسرائيل والدول العربية – بل وسعى إلى نسب من الفضل إلى نفسه، وقال للصحافة إن التطبيع “مبني على جهود الإدارات المتعددة لتعزيز الانفتاح العربي الإسرائيلي الأوسع”.
وقال إبيش، “بايدن لن يفعل أي شيء لمنع السودان وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية من المضي قدما وفعل الشيء نفسه”، مشيرا إلى الدول التي قيل إنها تقف في الطابور للتطبيع مع إسرائيل.
غياب موقف موحد
في أوقات الأزمات، غالبا ما تميل السلطة الفلسطينية نحو إنهاء الخلاف الذي حدد السياسة الفلسطينية منذ عام 2007: الانقسام بين حركتي فتح وحماس. على الرغم من أن هذه الخطوة تحظى بشعبية بين الفلسطينيين، إلا أن انعدام الثقة العميق والاختلافات الأيديولوجية الحادة قد نسفت كل محاولة سابقة للمصالحة.
وقد حظي اجتماع حظي بتغطية إعلامية واسعة وحضرته شخصيات بارزة من 14 فصيلا فلسطينيا رئيسيا بقدر هائل من التغطية الإعلامية في وسائل الإعلام الفلسطينية الحكومية. لمدة ثلاث ساعات، ألقى القادة – بمن فيهم كل من عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية – خطابات ضد التطبيع.
ولكن الدفء العام في العلاقات – الذي بدأ بالفعل منذ شهر يونيو – فشل في إحداث أي تغييرات ملموسة على الأرض.
يقول خالد الجندي، زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، “اللهجة كانت مختلفة، لكن حتى الآن لم يتم اتخاذ أي خطوات. ليس هناك العداء التقليدي الذي رأيناه في السابق، ولكن لا يوجد تحرك حقيقي على الأرض نحو المصالحة الفعلية، نحو الانتخابات، نحو الإصلاح في السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية”.
تتفق الفصائل الفلسطينية العديدة على ثلاثة أمور فقط: لا للتطبيع ولا للضم ولا للقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل. في كل قضية أخرى – من رؤاهم للدولة الفلسطينية إلى من يجب أن يسيطر على المؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة – لا تزال هناك فجوات هائلة وربما لا يمكن التغلب عليها بين الأطراف.
وقال العمري، “الوضع الراهن مريح لكل من حماس وفتح. كلاهما آمن حيث يقف، وكلاهما لديه الكثير للتنازل عنه، وأي منهما ليس في عجلة من أمره للوحدة. قد يكونان يفكران في الأمر، وقد يرسلان إشارات – لكن في الحقيقة ليس لديهما طريق للمضي قدما هنا”.
ويبدو أن الجمهور الفلسطيني، الذي شهد جولات لا حصر لها من محادثات الوحدة تأتي وتذهب، يتفق مع هذا الرأي.
بحسب استطلاع جديد صدر أمس الثلاثاء الماضي عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فإن 11٪ فقط يعتقدون أن “الوحدة ستعود قريبا” في القيادة الفلسطينية.
إن مدى اللامبالاة وانعدام الثقة في القيادة مذهل في الواقع. عندما تم التوقيع على ما يسمى ب”اتفاقية إبراهيم” يوم الثلاثاء الماضي، لم يكن بوسع السلطة الفلسطينية سوى حشد عدد قليل من التجمعات المتفرقة حول الضفة الغربية. تجمع بضع عشرات من المتظاهرين في جنين، وربما 100 في الخليل، بالإضافة إلى عدة مظاهرات صغيرة أخرى.
التناقض مع المظاهرات الحاشدة التي نُظمت بعد أن قرر ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا: اشتبك آلاف الفلسطينيين في ذلك الوقت مع قوات الأمن الإسرائيلية في احتجاجات عنيفة في أنحاء الضفة الغربية وغزة.
يرى العمري أن أزمة الثقة في القيادة الآن عميقة لدرجة أن قلة من الناس يرغبون في الخروج للمشاركة في احتجاج رسمي.
وقال، “الرسالة التي أسمعها هي ’لماذا علينا أن نخرج ونعرض أنفسنا للخطر من أجل قيادة لن تترجم مشاركتنا إلى رأس مال سياسي؟’”
ربما يكون هذا الشعور هو السبب وراء الحضور الضئيل بعد التوقيع على الاتفاقين يوم الثلاثاء في واشنطن، حيث تجمع 200 شخص في مظاهرة مركزية في ميدان “المنارة” في رام الله لإدانة الصفقة. ملأ المتظاهرون ربما نصف التقاطع، مع استمرار حركة المرور بشكل أو بآخر كالمعتاد حيث دارت الدراجات النارية وسيارات الأجرة الصغيرة حول المظاهرة.
وأكدت جولة سريعة في شارع “فلسطين” المجاور أن المحلات والأسواق كانت مكتظة، حتى مع قيام المتظاهرين بترديد هتافات وشعارات والاندفاع والتقاط بعض الصور، بعد حوالي ساعة من بدء المظاهرة، لم يتبق سوى عدد قليل من المتظاهرين في الميدان.
لا وجود لأصدقاء
قد يفسر هذا الموقف الداخلي الضعيف التذبذب الذي تمارسه السلطة الفلسطينية في سياستها الخارجية.
من المؤكد أن القيادة الفلسطينية كانت تدرك أن جامعة الدول العربية سترفض قرارها بإدانة دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر قوة.
و أشادت مصر وعُمان والبحرين ودول أخرى بالاتفاق علنا، وكانت الجامعة العربية قد رفضت بالفعل طلب السلطة الفلسطينية بعقد قمة طارئة.
أظهرت مسودة مشروع قرار تصالحي سابقة تم تسريبها للصحافة محاولة فلسطينية لتحقيق فوز كلامي دون أن تدوس بحدة على أصابع أقدام دول أكبر وأكثر قوة يعتمد عليها الفلسطينيون للحصول على الدعم المالي والدبلوماسي.
لكن في الجلسة، ألقى وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي كلمة لاذعة ندد فيها بالجامعة العربية ووصفها بأنها نمر منافق من ورق.
واختتم مالكي كلمته بالقول، “نجد أنفسنا في موقف محرج عندما نسمع دولا أخرى تشرح لنا أن قرارات جامعة الدول العربية لم تكن أكثر من حبر على ورق لتهدئة الفلسطينيين”.
وأقر شعث بأن مسؤولي السلطة الفلسطينية لم يتوقعوا تمرير القرار، لكنه أضاف: “من المهم بالنسبة لنا أن نظهر للعالم العربي ما كان يحدث بالفعل. كان من المهم بالنسبة لنا أن نجعل العالم العربي ينظر إلى نفسه ويرى ما تبقى من وعوده”.
لماذا الإصرار إذا في مواجهة دليل قاطع على رفضه؟
عدم شعبية عباس – يعتقد 62٪ من الفلسطينيين في استطلاع نُشر يوم الثلاثاء أن على رئيس السلطة الفلسطينية تقديم استقالته – يجعل من اتخاذ موقف متشدد ضد الإمارات خيارا سياسيا منطقيا.
يقول حرب، “هناك غضب هائل بين الجمهور الفلسطيني. وبهذا المعنى، اضطرت السلطة الفلسطينية إلى طرح القرار الذي قامت به، حتى تتمكن من إرضاء جمهورها، بقدر ما أرادت أيضا منع المزيد من التطبيع”.
حاول المالكي الظهور بوجه شجاع بعد فشل مشروع القرار وقال إن السلطة الفلسطينية تخرج من الجامعة العربية أقوى، ولكن يبدو أن ذلك لم يقنع الكثيرين.
وقال إبيش، “يقولون أن لدينا الصمود ومخيمات اللاجئين وما إلى ذلك، وهذا يكفي. حسنا، إذا كان هذا كافيا، فهنيئا لكم. لكن بالطبع هذا لا يكفي، هذه أكثر شعارات جوفاء يمكن تخيلها”.
نشرت صحيفة “القدس” الفلسطينية البارزة افتتاحية مطولة يوم الأربعاء الماضي بدا أنها تشير إلى أن البعض على الأقل يريدون رؤية طريق ملموس للمضي قدما.
وخلصت الافتتاحية إلى أن “الاحتجاج والإدانة ليسا ردا على التطبيع”. ماذا هو الرد المناسب؟ تركت الصحيفة الأمر لتخمين قرائها.
لطالما كانت السلطة الفلسطينية واقعة في فخ التناقض السياسي: فمن ناحية، فإن أي حل وسط يمثل مخاطرة سياسية، ويفتقر إلى الشرعية الشعبية لتحقيقه. من ناحية أخرى، فإن عدم استعدادها لتحمل مخاطر سياسية يساعد في إدامة الواقع البائس للسيطرة الإسرائيلية على ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة – وفي المقابل يساهم ذلك أيضا في عدم شعبية استمرار حكمها.
يقول الجندي، “من المرجح أن تكون الانتفاضة القادمة موجهة ضد القادة [الفلسطينيين] بقدر ما ستكون موجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي”.
من المقرر أن يلقي عباس كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق هذا الأسبوع، ويشير العمري إلى أن الخطاب قد يشير إلى الاتجاه الذي تهب فيه الرياح السياسية في المعسكر الفلسطيني.
إذا قدمت القيادة الفلسطينية اقتراح تسوية جدي، فسوف تتعرض لانتقادات من القوميين والإسلاميين، ومن اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين العاديين في الضفة الغربية وغزة. لكن إذا اتجهت إلى الخلف واعتمدت على شتم الخليج فقط، فسوف تستمر في استنزاف الدعم على أي حال.
وقال إبيش، “لم يفت الأوان بعد لطرح مبادرتهم على الطاولة. كان يمكن أن يكون ذلك أكثر قوة وفعالية لو حصل في شهر مارس، لكن الوقت لم يفت بعد”.
المصدر : تايمز أوف إسرائيل
* المقالة تم نقلها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.