هل ستتعلم دول الخليج من النجاح في التعامل مع الوباء؟
بقلم: جيمس م. دورسي*
السياسية:
ترجمة: جواهر الوادعي-سبأ
إن التداعيات الاقتصادية لوباء الفيروس التاجي كورونا على دول الخليج قد فعل ما هو أكثر بكثير من إلحاق الدمار بقاعدة الإيرادات واقتصاد الأسر.
وقد دفع ذلك إلى تغيير هيكلي هائل في قمة جدول أعمالهم بطرق لم تأخذها خطط التنويع الاقتصادي في الحسبان.
دعكم الان عن ما إذا كانت دول الخليج يمكن أن تواصل التركيز على المشاريع البارزة التي تلفت الانتباه مثل نيوم، مدينة المملكة العربية السعودية المستقبلية التي تبلغ تكلفتها خمسمائة مليار دولار في القرن الحادي والعشرين على البحر الأحمر.
قائمة مهام حكام الخليج، إذا أرادوا تصحيح الأمور، طويلة ومكلفة ناهيك عن عبء مشاريع الكأس, وهي تنطوي على تغيير اقتصادي واجتماعي وسياسي في نهاية المطاف, والشفافية والتقارير العامة الدقيقة والمفصلة تأتي ضمن صميم هذه التغييرات.
كما أنها أساسية لقرارات المستثمرين والاقتصاديين وشركات التصنيف الائتماني في وقت تكون فيه التوقعات الاقتصادية لدول الخليج موضع شك.
يشكو الكثير من أن التأخير في إعداد تقارير الناتج المحلي الإجمالي وعدم سهولة الوصول إلى الإحصاءات يعقد عملية صنع القرار
ومع ذلك، إذا كان هناك شيء واحد تسير عليه الحكومات الخليجية الأوتوقراطية من اجل نفسها، بخلاف الاحتياطيات المالية الكبيرة، فهو ثقة الجمهور بالطريقة التي تعاملوا بها مع الوباء، على الرغم من حقيقة أنهم فشلوا في الاعتراف في البداية بالظروف المعيشية المزدحمة للعمال المهاجرين على أنها الناشر الأعظم.
تصرفت معظم الحكومات في وقت مبكر وبشكل حاسم مع عمليات الإغلاق وحظر التجول، والاختبار، وإغلاق الحدود، وإعادة المواطنين في الخارج، وفي المملكة العربية السعودية تم تعليق الحج.
من المؤكد أن دول الخليج، وخاصة السعودية التي تستقبل ملايين الحجاج المسلمين من جميع أنحاء العالم كل عام، لديها تاريخ طويل في التعامل مع الأوبئة, مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، كانوا أفضل استعداداً من الدول الغربية.
أقنع التاريخ المملكة بمنع العمرة، وهي حج أقل عددا إلى مكة المكرمة في أواخر فبراير، قبل أيام من ظهور أول حالة إصابة بـكوفيد19 على الأراضي السعودية.
بالإضافة إلى مخاوف الصحة العامة، كان لدى السعودية سبب إضافي للتعامل مع الوباء بشكل صحيح.
لم تقدم المملكة فرصة فقط لتلميع صورتها على الصعيد العالمي التي شوهتها انتهاكات حقوق الإنسان، والاستيلاء على السلطة، وقتل الصحفي جمال خاشقجي، ولكن أيضاً للاحتفاظ بالنفوذ الديني على الرغم من انقطاع تدفق الحجاج إلى المملكة.
قالت ياسمين فاروق، باحثة سعودية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “لا تزال السعودية مرجعاً للعديد من الجاليات المسلمة حول العالم”.
كما سمحت للمملكة بتحقيق الرقم القياسي بعد انتقادات لمعالجتها لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) في عام 2012 عندما أصبحت المملكة بؤرة الوباء وفي عام 2009 عندما أصيب بفيروس انفلونزا الخنازير .
كما أن السعودية مسؤولة عن المساهمة في كارثة الصحة العامة في اليمن بقصفها العشوائي المتكرر.
البلد في حالة خراب نتيجة للتدخل العسكري، حيث واجه اليمن على مدى السنوات الأربع الماضية وباء الكوليرا على حدود المملكة.
وقد تعززت الثقة في معالجة دول الخليج للوباء الحالي بدرجات من الشفافية حول تطور المرض في التحديثات اليومية لعدد الضحايا والوفيات.
وقد عزز ذلك خطاب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود بمجرد أن ضرب الوباء المملكة وأعلن فيه مجموعة من الإجراءات لمكافحة المرض ودعم الاقتصاد وكذلك تأكيدات وزير الزراعة عبد الرحمن الفضلي, أن الأزمة لن تؤثر على الإمدادات الغذائية.
اقترحت السيدة فاروق أن التعليمات الحكومية خلال الوباء اتبعت بسبب “الثقة في الحكومة، وخبرة الحكومة وتجربتها [و] الثقة في المؤسسة الدينية التي كانت في الواقع تتبع القرارات الفنية للحكومة”.
من المؤكد أن السيدة فاروق اعترفت بأن الطبيعة القسرية للنظام لم تمنح الجمهور خياراً يذكر.
كانت حدود شفافية الحكومة واضحة في حقيقة أن السلطات كانت أقل وضوحا مع تفاصيل الإنفاق العام على الوباء والتبصر في المعدات الطبية المتاحة مثل أجهزة التهوية والإمدادات الأخرى مثل مجموعات الاختبار.
بدأت بعض دول الخليج في نشر العدد اليومي والإجمالي للمسحات، ولكن لم توضح بعد ما إذا كانت هذه الأرقام تتضمن مسحات متعددة لنفس الشخص.
قال العالم السياسي ناثان براون “من المرجح أن يعيد الناس في الشرق الأوسط النظر إلى من أعطاهم معلومات موثوقة ومن كان موجودا من أجلهم”.
والسؤال هو ما إذا كانت الحكومات ستخلص إلى أن الشفافية ستكون ضرورية للحفاظ على ثقة الجمهور لأنها مضطرة إلى إعادة كتابة العقود الاجتماعية التي كانت متجذرة في مفاهيم دولة الرفاهية من المهد إلى اللحد ولكن يجب أن تنطوي على المزيد من تقاسم العبء.
ولم تقل حكومات الخليج حتى الآن سوى القليل عن توزيع الأعباء بشكل عادل عبر الطبقات الاجتماعية، كما لم تكن هناك شفافية بشأن العوامل التي تدفع قرارات الاستثمار من قبل صناديق الثروة السيادية في وقت الأزمة وتغير التوقعات الاقتصادية.
وفي حديث مع الفاينانشيال تايمز، حذر مصرفي خليجي من أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “يحتاج إلى توخي الحذر بشأن ما ينفقه … سيراقبه الجمهور العام”.
برئاسة الأمير محمد، ذهب صندوق الثروة السيادية في المملكة إلى موجة تسوق بقيمة 7.7 مليار دولار لشراء حصص في كبرى الشركات الغربية، بما في ذلك بوينغ وسيتي جروب وديزني وفيس بوك, كما يمول صندوق الاستثمار العام عرضاً لشراء نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم.
واقترح المصرفي أن المواطنين السعوديين لن يقدروا “رواتب لاعب كرة القدم المليونير التي تدفعها ضريبة القيمة المضافة على البقالة”, وكان يشير إلى زيادة ضرائب المبيعات في المملكة هذا الشهر من 5٪ إلى 15٪.
كان هشاشة وتقلب الثقة العامة معروضين للعالم ليراه في ضجة بريطانيا بشأن دومينيك كامينغز، وهو مساعد مقرب لرئيس الوزراء بوريس جونسون الذي انتهك تعليمات الإغلاق لأسباب شخصية, جونسون يكافح لمحاربة المطالب بإقالة كامينغز.
من المؤكد أن كبار المسؤولين الحكوميين ومديري الأعمال في الخليج حذروا من الأوقات الصعبة القادمة.
توقعت دراسة حديثة أجرتها غرفة التجارة والصناعة في دبي على المدراء التنفيذيين أن 70٪ من شركات الإمارات ستفقد أعمالها في الأشهر الستة المقبلة، بما في ذلك نصف مطاعمها وفنادقها وثلاثة أرباع شركات السفر والسياحة, وحذر وزير المالية السعودي محمد الجدعان في وقت سابق من الشهر الماضي من أن المملكة ستحتاج إلى اتخاذ إجراءات “مؤلمة” والبحث عن تخفيضات عميقة في الإنفاق نتيجة انهيار أسعار النفط وانخفاض الطلب بشكل كبير على النفط.
وإدراكا بالحساسيات، أكد الجدعان أنه “طالما لم نلمس الحاجات الأساسية للناس، فإن جميع الخيارات مفتوحة”.
كان هناك القليل من الشفافية في تصريحات الجدعان حول تأثير ذلك على المواطنين السعوديين الباحثين عن عمل في سوق العمل, حيث سيكون هناك عدد أقل من العمال المهاجرين متاحين للوظائف التي طالما كان السعوديون غير راغبين في قبولها.
لقد كانت فرصة ضائعة بالنظر إلى زيادة عدد السعوديين الذين يتدفقون للعمل في خدمات التوصيل بنسبة 286٪.
وجاءت هذه الزيادة مدفوعة بعرض قدمه صندوق تنمية الموارد البشرية السعودي لدفع السائقين مبلغ ثمانمائة دولار شهرياً، فضلاً عن احتضان التطوع الموجود حديثاً في منطقة الخليج.
قدمت الزيادة للسلطات اللبنات الأساسية لوضع التوقعات في وقت من المرجح أن يرتفع معدل البطالة الرسمي في المملكة البالغ اثني عشر %.
واقترح اعترافاً عاماً بحقيقة أن المناصب الحكومية ذات الأجور الجيدة والمريحة قد لا تكون متاحة كما كانت في الماضي وكذلك حقيقة أن الوظائف الأقل ليست أشكالاً أقل شرفاً للتوظيف.
قد يكون هذا هو الجانب الفضي حيث تشعر دول الخليج بالضغوط لإعادة اكتشاف نفسها في عالم يخرج من جائحة قد يعيد رسم الخرائط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
* جيمس م. دورسي (jmd@jmdonline.org) صحفي حائز على العديد من الجوائز وكبير زملاء للدراسات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة, وهو أيضاً زميل أبحاث مساعد في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية والمدير المشارك لمعهد ثقافة المعجبين بجامعة فورتسبورج بألمانيا.
* صحيفة “كوريا تايمز” الإنجليزية،
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.