الصراعات العسكرية في زمن الفيروس التاجي
(الموقع الرسمي لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية “تي أر تي”, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)
فيما يلي دراسة للبرفيسيور والمحاضر مراد يسيلتاس ، مدير المؤسسة التركية للبحوث السياسية والاقتصادية ” سيتا”.
أصبح وباء الفيروس التاجي أزمة عالمية يلقي بظلاله على جميع الجهات الفاعلة العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية؛ ومع ذلك، لا تزال الصراعات في الشرق الأوسط مستعرة, وبرغم من دعوة الأمم المتحدة إلى هدنة في المناطق المتضررة من الصراعات، ولا يزال الدم ينزف في كلاً من ليبيا وسوريا واليمن.
في لبنان، استؤنفت الاحتجاجات جراء تفشي المشاكل الاقتصادية وتفشي الفساد، وفي بعداد، تعكف الحكومة العراقية على إصلاح القطاع الاقتصادي المعتمد على النفط.
ومن بين هذه البلدان، تعاني ليبيا وسوريا واليمن على وجه الخصوص من صراعات داخلية بدلاً من تكريس جهودها في مكافحة وباء الفيروس التاجي.
لا يمكن الحصول على بيانات حقيقية عن حجم الوباء في هذه البلدان, حيث أن في مناطق الصراع المعنية، يتشابك فيها ضحايا الوباء مع ضحايا الصراعات الداخلية, أما بالنسبة للمنظمات الدولية، فلا يبدو أنها تفعل أكثر من التحذير.
في سوريا، تحاول أربع مناطق مختلفة على الأقل السيطرة على الفيروس التاجي, وفي المناطق التي يسيطر عليها النظام، لم يتم الإبلاغ إلا عن 45 حالة من حالات تلوث بالفيروس التاجي, ومحافظة إدلب، يخيم الاختلاط على المنطقة أثناء تأدية الشعائر الدينية, وهذا لا يعني أنه لا يوجد وباء في إدلب.
ومع وجود عدد كبير من سكان إدلب، وديناميات الصراعات المستمرة، وكثافة السكان في مخيمات اللاجئين، فإن وضع تقييم مرعب للوضع القائم ما هو إلا مسألة وقت.
أما في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري، تُبذل جهود مكثفة لاحتواء الوباء بمساعدة الحكومة التركية, وفي المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب- وهي فصائل مسلحة كردية غير معترف بها من قبل الحكومة السورية، وتشكل قواتها العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، وهي قوات شُكلت وحظيت بدعم عسكري أمريكي- فإن عدد الحالات المسجلة منخفض جداً, ومن يدري، ربما من نعمة القدر أن تتجنب سوريا التي انجرفت إلى مستنقع حرب أهلية لمدة عشر سنوات هذه الجائحة.
يسود القلق بشأن الفيروس التاجي في جميع أنحاء المنطقة، لكن الصراعات لا تزال مستمرة في سوريا ومن أكثر المناطق دينامية “منطقة إدلب” التي كانت أيضا منطقة صراع شديد قبل انتشار الوباء.
إن محافظة إدلب مهمة، ليس فقط من حيث استمرار الصراعات واستئنافه، ولكن أيضا من حيث الوباء المحتمل الذي من شأنه أن ينتشر بسرعة بين صفوف الكثير من الناس, وفي أعقاب الاتفاق مع روسيا، يبدو أن تركيا تواصل تعزيز وجودها العسكري في شمال الطريقين السريعين M4 وM5.
ويبدو أن هذا الإجراء هو الإجراء الذي اتخذ لمنع الأمر الواقع بعد انتشار الفيروس التاجي، ولكن أنقرة يمكن أن تفعل المزيد, ولا يزال إنشاء منطقة آمنة على جدول أعمالها, ومع ذلك، كان هناك تشدد كبير في موقف نشطاء “تحرير الشام” تجاه تركيا, حيث أن بعض الجماعات داخل “تحرير الشام” لم تقبل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في موسكو, وبالتالي تبذل كل ما في وسعها لحله, ونتيجة لذلك, شن مقاتلو “تحرير الشام” هجوماً استهدف تركيا وأسفر عن مقتل جندي تركي.
وبطبيعة الحال، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى تصلب موقف تركيا من قوات”تحرير الشام” بعد تفشي الفيروس التاجي.
تقطعت السبل بما يقرب من مليون شخص نزحوا في إدلب بسبب هجمات النظام في شمالها, وبالنظر إلى استمرار عمليات القصف الجوي للنظام، فليس من المنطقي كثيراً أن يبقى سكان إدلب في منازلهم لحماية أنفسهم من انتشار جائحة الفيروس التاجي.
وبالإضافة إلى ذلك، تستمر الهجمات الإرهابية بين «حزب العمال الكردستاني» ووحدات حماية الشعب في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا, وغالباً ما تسفر عناصر من وحدات حماية الشعب، الذين يحاولون التسلل إلى منطقتي “الرسولين وتل أبيض” المعروفة باسم عملية مصدر السلام، عن وقوع خسائر.
تنتهج وحدات حماية الشعب حرباً إرهابية ريفية في هذه المناطق، وتستهدف المدنيين وتحاول عرقلة إقامة الاستقرار من خلال خلق انطباع بأن المدينة غير آمنة.
وفي عفرين، يبدو أن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب قد لجأ إلى أسلوب مختلف, بعد أن قُتل أكثر من 50 مدنيا في هجوم بسيارة مفخخة في 28/أبريل, حيث يواجه تنظيم “حزب العمال الكردستاني” الإرهابي، الذي يواصل هجماته الإرهابية في المناطق التي تسيطر عليها تركيا، مشكلة في شمال شرق سوريا.
وفي الواقع، كانت هناك زيادة حادة في مستوى هجمات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الإرهابية في المنطقة, حيث يواصل التنظيم هجماته بالانسحاب إلى مناطق صحراوية على طول الحدود السورية والعراقية.
وبالتالي, فهذا يدفع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم المزيد من المساعدات لوحدات حماية الشعب.
كما يواجه النظام السوري، الذي يخفي وباء الفيروس التاجي، حالة ضيقاً اقتصادية, حيث وقد أدى انخفاض أسعار النفط والعقوبات التي يعيشها الاقتصاد الروسي والإيراني إلى استنزافه.
لا نعرف ما إذا كان هناك عملية جديدة ستبدأ في الأراضي السورية في فترة ما بعد الفيروس التاجي، ولكن يبدو أن جميع الأطراف ستغتنم هذه الفرصة – ما بعد كورونا- كفرصة لاستعادة نفوذها ومواقعها.
وفي ليبيا، فإن الحالة أكثر خطورة, بالرغم من دعوة الأمم المتحدة إلى هدنة في 22 مارس, إلا أن قائد الانقلاب الجنرال حفتر اختار مواصلة الهجمات وعدم احترام وقف إطلاق النار, وفي طرابلس تم استهداف المرافق الطبية عمداً, وبالتالي, أصبح من الصعب مكافحة الوباء.
ومع ذلك، لم يسمح الجيش الليبي الموالي للحكومة الوفاق الوطني للجنرال حفتر الذي يتلقى الدعم من الإمارات العربية المتحدة، بإسقاط العاصمة طرابلس.
والأهم من ذلك، اضطر الجنرال حفتر إلى الانسحاب من بعض المناطق الهامة بعد أن تكبد خسائر فادحة, إلا أنه, لا يزال يحتفظ بالسيطرة على الأحياء الجنوبية في طرابلس, كما حاول حفتر، الذي فشل في الحصول على ما يريد، من خلال استراتيجية جديدة في 28 أبريل, والمتمثلة : حل الجمعية المركزية في طبرق وإعلان نفسه رئيساً للدولة في جميع أنحاء ليبيا.
ومع ذلك، أشار الجنرال حفتر، بعد تصريح موسكو، إلى أن نهجه لن ينجح, في حين قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف, أن نهج حفتر “ليس عادلا”, كما اعترض الشعب وجمعية بنغازي على عدم رضاهما عن الوضع.
وفي النهاية، أصبح الجنرال حفتر عامل فشل في الحصول على ما أراد, كما أصبح في ضعف بشكل متزايد، ولكن هذا لا يعني أن الأعمال تسير على ما يرام في ليبيا, فمع الفيروس التاجي، والصراعات، وأسعار النفط، وأزمة النفايات ومشاكل الكهرباء، بدأ المجتمع يفقد مقاومته في جميع أنحاء ليبيا.
وقد خلق هذا ضغطا من شأنه أن يؤدي بوتيرة عالية إلى سوء المعاملة الاجتماعية, في حين لم يتم تنفذ أي خارطة طريق بموجب الاتفاقات الدولية, ونتيجة لذلك، أصبحت الحالة العامة في ليبيا معقدة بشكل متزايد.
لا يزال اليمن أحد أكثر مناطق الصراع هشاشة قبل انتشار الوباء, وهو حاليا واحد من أقل بلدان العالم تأثرا بالوباء.
ومن جانبها أعطت المملكة العربية السعودية الأولوية لمكافحة “كوفيد-19″، حيث جمدت لبعض الوقت النشاط العسكري في اليمن ولكن هذا لا يعني أن الصراعات العسكرية قد انتهت.
إن وباء الفيروس التاجي لم ينهي الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، بل يجب أن ينظر إليه على أنه تطور قادر على تغيير اتجاه الصراع.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.