فقط الدول العربية المنتجة للنفط والغاز التي اعتمدت على التنويع ستحافظ على استقلاليتها
بقلم: سيباستيان بوسويس*
في مواجهة الأزمات الكبرى القادمة، أي دول في العالم العربي- الإسلامي, يمكن أن تقف في وجه حدة الصدمة على أفضل وجه ممكن؟
من المتوقع بالفعل أن تكون الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها العالم منذ بداية جائحة كوفيد -19, بمثابة أخطر أزمة يواجهها العالم منذ قترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي العديد من البلدان، يلوح خطر الانهيار في الأفق, وهذا هو الحال، ولاسيما بالنسبة للبلدان التي بنت واعتمدت على اقتصادياتها بشكلٍِ دائماً على عائدات الذهب الاسود ولم تشرع قط في عمليات عميقة وطويلة الأجل في قطاع التنوع الاقتصادي والاجتماعي.
لذا من الضروري الاعتراف بأن هناك بلدان أكثر بصيرة من غيرها وأقل فسادا، أو ببساطة مقتنعة بأنه لا يمكنها أبدا المخاطرة، كما تقول العبارة الشعبية، “لا يمكن وضع كل ما تجمعونه من البيض في سلة واحدة”, وهذا أمر يثبت صحته في العالم العربي- الإسلامي الذي يواجه تقليدياً تاريخياً لسلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية على حد سوا.
إن البلدان التي أفسدتها هبات الله لم تكن دائماً تدار بحكمة منذ نشأتها, ومن بينها، سيكون أداء بعضها أفضل في فترة ما بعد كوفيد -19، مرة أخرى، لأنها ركزت على التنويع الاقتصادي، وهي الكلمة الرئيسية والمستقبل الوحيد الممكن للبلدان المنتجة والمصدرة للهيدروكربونات, فهم يريدون أن يكون متواجدون حتى قبل النفط ونهاية الوقود الأحفوري.
بدأت هذه الأزمة الاقتصادية في قطاع الطاقة الكبرى الجديدة منذ بضعة أسابيع، ولكنها كانت قد بلغت أوجها مع بداية الوباء في الصين, حيث انخفاض الطلب التاريخي على النفط, حيث أدى قرار الرياض، باسم بقائها المشكوك فيه إلى الأبد، برفع معدل إنتاجها في ذلك الوقت إلى خفض أسعار النفط الخام, وذلك من خلال إغراق السوق العالمية في خضم الركود العالمي جراء جائحة كوفيد -19، مما ألقاء بظلاله على جميع البلدان المنتجة التي تواجه بالفعل صعوبات كبيرة.
والأسوأ من ذلك أنه تم خفض أسعار النفط إلى أقل من صفر دولار للبرميل الخام في الأيام الأخيرة, فقد سعت الرياض وواشنطن العالقتان في منافسة من شأنها إضعاف الآخر، بدلاً من دعم الاقتصاد العالمي, كما عملتا على إضعاف هاوية كبيرة في الشرق الأوسط، في حين أصبحت العواقب عالمية.
وفي حين ينبغي تثبيت النظام على أكمل وجه دون دفع الدول إلى الهاوية، يحاول البعض أن يذهب بمفرده لضمان وجوده، كما تفعل المملكة العربية السعودية اليوم, حيث دفعت بولايات المتحدة الأمريكية إلى خفض إنتاجها من النفط الصخري، من خلال زيادة إنتاجها الخاص، وذلك من أجل منع الأسعار من الانخفاض.
ولكن الوقت كان متأخراً بالفعل، كما أن بلداناً أخرى مثل الجزائر التي تعتمد بشكلٍ رسمي فقط على ريع الهيدروكربونات أو نيجيريا التي اعتمدت بشكل كبير على هذا القطاع منذ سبعينيات القرن الماضي على حساب القطاعات التقليدية، وقعت أيضاً في مهب العاصفة, ولمواجهة ذلك, لن يؤدي تخفيض إنتاجها إلى رفع أي أسعار.
لماذا يفشل هذا العدد الكبير من البلدان في مواجهة مثل هذه الحالات التي من المرجح أن تصبح متكررة أكثر وأكثر؟
لأن سمة هذه البلدان الثلاثة المذكورة أعلاه هي نفسها: لا تنوع كاف واقتصاد إيجار بسيط في كثير من الأحيان وأكثر راحة, عندما يكون كل شيء على ما يرام, لذا ففي حال أن الأمور تسير على ما يرام بالنسبة للعالم، كل شيء سيكون على ما يرام بالنسبة لهم, ولكن في حالة حدوث أزمة كبرى، سوف يجدون أنفسهم عراة وليس لديهم ما يعوضون به بلدانهم عن انخفاض الأسعار.
وعندما نجد أن الجزائر، بالمليارات التي حققتها لعقود من الزمان، لا تملك حتى صندوق ثروة سيادية، وأن نيجيريا تحتل المرتبة الـ 136 في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، فمن الواضح أن قادتها لم يجعلوا من التنمية المستدامة ذات أولوية في سلم اجنداتهم.
فمنذ سنوات، لم تكن الرياض أفضل حالاً, حيث عانت من فضيحة إلى فضيحة، ومن حرب إلى حرب، ومن اغتيال إلى تطهير: فالتنويع الاقتصادي لم يكن أبداً ذو أولوية بالنسبة لها.
ما هي الدول في العالم العربي -الإسلامي التي يمكن أن تخفف من الصدمة على أفضل وجه؟
قبل كل شيء وعلى وجه التحديد أولئك الذين ليسوا بالتأكيد كبار جدا، ولكن الذين راهنوا لسنوات على إستراتيجية وطنية حقيقية للتنويع والتحديث والاستثمار والانفتاح على السياحة وبناء قوة صلبة حقيقية وقوة ناعمة وذكية في نفس الوقت.
ومرة أخرى, يجب علينا تحويل ناظرينا إلى الخليج, حيث تمكنت دولة قطر، بعد الحصار الذي أثاره جيرانها ضدها في 5 يونيو 2017، من الحد من الأزمة وفقدان الاستثمارات وهروب رأس المال الإقليمي وإعادة الاستثمار بشكل كبير في الأشهر الأولى للحصار بنسبة 10% من خلال صندوق الثروة السيادية للتعويض, ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أن البلد فقدت المليارات، إلا أنها صمدت أمام هذه الأزمة كما أنها ستصمد أمام الأزمة القادمة.
ومثال على ذلك تثبت الخطوط الجوية القطرية التي استفادت من جائحة كوفيد -19, بالرغم من كونها شركة طيران بسيطة، فقد أصبحت الخطوط الجوية القطرية منذ ما يقرب من ثلاث سنوات المثال الأفضل لمرونة الدولة، ولكن أيضا الشركة ذات الخبرة في أوقات الأزمات كما كان منذ بداية جائحة كوفيد- 19, من خلال تغطية واسعة النطاق لعودة الأجانب ونقل المواد الغذائية والطبية في جميع أنحاء العالم.
وعلى عكس منافسيها المباشرين، شركة الاتحاد وطيران الإمارات، اللتين أوقفت معظم طائراتهما منذ أكثر من شهر، سعت الخطوط الجوية القطرية بسرعة إلى الالتفاف حول الصعوبات التي واجهتها، كما هو الحال عندما بدأ الحصار من قبل السعودية والإمارات للتعويض عن الخسائر المالية الهائلة في كل من الأحداث التي واجهتها, وقد يكون هذا ما يميز قطر عن منافستها المباشرة: الإمارات.
وبعد أن هزتهم الأزمة المصرفية والمالية في العام 2008، دفعوا ثمناً باهظاً، لاسيما دبي، التي كانت بالفعل جنة عقارية وغسيل أموال في هذا القطاع.
فمن جانبها, وضعت الدوحة منذ العام 1995، وبعد استغلال حقل غاز بارس الجنوبي مباشرة، استراتيجية تنموية حقيقية تقوم على الاستقلال في مجال الطاقة، وتصدير الغاز، والاستثمار في العديد من المجالات في جميع أنحاء العالم، وتطوير القطاعات المستقبلية للقطاع الثالث (الحدث، والتعليم، والرياضة، والثقافة، والبحوث).
ومن المرجح أن تتأثر دولة الإمارات العربية المتحدة بسرعة جراء الأزمة الاقتصادية والمالية والعقارية والسياحية على حد سواء، ولكنها تتمتع بميزة التنويع, مثل معرض دبي العالمي 2020 الذي سيتم تأجيله بالتأكيد لمدة عام, ولكن أياً كانت هذه الحالة، فإن هذين البلدين سوف يتمكنان من المقاومة.
وفي حين أن السعودية التي هي أصل هذه الهزة العالمية في خضم الوباء، لا تزال تبحث عن آثار رؤيتها “2030”، التي كافحت دائماً من أجل إظهارها، في وقت متأخر جداً وخاص وبدون الوسائل اللازمة الآن.
والواقع أن الحرب في اليمن على مدى خمس سنوات أفسدتها، تماماً كما أدى تكاثر الأخطاء الاستراتيجية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى إضعاف صورته وقتل أي أمل في تحرير الحقوق الأساسية على نطاق واسع، وفعل كل شيء لإبعاد المستثمرين الأجانب.
*سيباستيان بوسويس، الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والباحث في العلوم السياسية وقضايا الشرق الأوسط في العلاقات الأوروبية العربية/الإرهاب والتطرف.
باريس, 17 مايو 2020(صحيفة”لا تخبين latribune-” الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.