السياسية :

بقلم: تريتا بارسي

(مجلة “ذا ناشيونال انترست” الامريكية- ترجمة: انيسة معيض-سبأ)

شكى ترامب في خطاب حالة الاتحاد في فبراير 2019 قائلاً: “إن قواتنا الشجاعة تقاتل الآن في الشرق الأوسط منذ ما يقرب من 19 عاماً, في أفغانستان والعراق، حيث قُتل ما يقرب من 7 ألف من أبطال أمريكا, وأكثر من 52000 أخرين أصيبوا بجروح بالغة، كما أنفقنا أكثر من 7 تريليون دولار… وأنا كمرشح للرئاسة، أتعهد بإتباع نهج جديد, فالأمم العظيمة لا تخوض حروب لانهاية لها.

بهذا، ترامب على حق. فقد أنفقت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات للحفاظ على هيمنتها العسكرية في الشرق الأوسط، بينما كانت تخوض حروب لدول أخرى.

وقد فعلت ذلك باسم إرساء الاستقرار في المنطقة والأمن لأمريكا, ولم يتحقق أي من هذين الهدفين.

أدت التدخّلات الأمريكية في الشرق الأوسط إلى زعزعة استقرار المنطقة مع تحفيز حلفاء الولايات المتحدة على التخلي عن الدبلوماسية الإقليمية وبدلاً من ذلك إنفاق دولارات الاستمالة في واشنطن لإقناع الولايات المتحدة بخوض الحروب لأجلهم.

في غضون ذلك، تركت تريليونات الدولارات التي تم إنفاقها على أنظمة الأسلحة الشعب الأمريكي عارية وعرضه للتهديدات غير العسكرية الأكثر احتمالاً مثل كوفيد- 19.

وإدراكاً للأهمية المتضائلة لنفط الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة ونقص الموارد والخبرات الأمريكية “لإصلاح” الدول المختلة وظيفياً في تلك المنطقة، لم يعد تحليل التكلفة والعائد للاحتفاظ بالهيمنة العسكرية في الشرق الأوسط منطقياً. وكما قال ترامب بشكل متفق مع الواقع العام الماضي:”دع شخصاً آخر يقاتل على هذه الرمل الملطخ بالدماء”.

وكمرشح رئاسي، غالباً ما أشار ترامب إلى النفقة البديلة لحروب أمريكا في الشرق الأوسط, قائلاً: “لقد أنفقنا 4 تريليون دولار في محاولة لإسقاط العديد من ألأشخاص، وبصراحة، لو قمنا بإنفاق 4 تريليون دولار هذه في الولايات المتحدة لإصلاح طرقنا وجسورنا مطاراتنا وجميع المشاكل الأخرى التي لدينا, كنا سنكون أفضل حالا بكثير.

الجمهور الأمريكي- وقاعدة ترامب على وجه الخصوص- يواصلون مشاركة هذه الآراء.

كشفت دراسة استقصائية لمواقف ناخبي ترامب أجرتها مجموعة تارانس الشهر الماضي أن 86٪ من قاعدته تؤيد الانسحاب من سوريا، بينما يريد 58٪ من القوات مغادرة العراق أيضًا, وتفضل الغالبية العظمى 66٪ الدبلوماسية مع إيران، و 25٪ فقط يفضلون الحرب مع إيران.

هذا هو السبب في أن سياسة ترامب بشأن إيران محيرة للغاية, صحيح أن ترامب لم ينهِ أياً من الحروب التي لا تنتهي حتى الآن.

ومن المرجح أن تؤدي اتفاقيته مع طالبان إلى خفض مستويات القوات الأمريكية إلى مستويات ما قبل زيادة القوات الخاصة بواسطة ترامب.

وفي العراق، طلبت الحكومة من الولايات المتحدة المغادرة ، وبدلاً من اتخاذها كفرصة لإعادة القوات إلى الوطن، رفض ترامب الطلب بل وهدد بمعاقبة العراق.

فيما يتعلق بإيران، لم يفشل ترامب في إنهاء سياسات المواجهة فحسب، بل لقد اتبع بتصميم مساراً يضع الولايات المتحدة على حافة حرب جديدة في الشرق الأوسط وتسببت سياسة الضغط الأقصى بمعاناة شديدة في الاقتصاد الإيراني, فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 15 ٪ حتى قبل جائحة كوفيد- 19.

ومع ذلك، بعد ثلاث سنوات من إعادة فرض العقوبات، لم يفشل ترامب في تحقيق هدف واحد فقط من أهدافه، وفي معظم الحالات، كثفت طهران السياسات ذاتها التي سعت واشنطن إلى تغييرها.

ان ممارسة الضغط الأقصى لم يجبر إيران على إنهاء تخصيب اليورانيوم, وبدلاً من ذلك، وسعت إيران أنشطتها النووية, فهي لم تنته من برنامجها للصواريخ الباليستية، بل واصلت طهران اختباراتها الصاروخية الباليستية وكثفتها ووصلت دعمها للجماعات المتحالفة معها في العراق وفلسطين ولبنان واليمن, كما أن اغتيال الجنرال قاسم سليماني الذي يمكن القول أنه أهم قائد عسكري إيراني، “لم يردع إيران عن شن أو دعم المزيد من الهجمات ضد قوات الولايات المتحدة ومصالحها”.

في الأسابيع القليلة الماضية، شهدنا المزيد من الهجمات ضد القوات الأمريكية في العراق، وأسفر عنها العديد من القتلى، ودفع ترامب إلى التهديد بالحرب على تويتر في 1 أبريل 2020.

ليس من المستغرب أن الاستنتاج المنطقي للحرب الاقتصادية هو الحرب العسكرية.

وبدلاً من العمل على استسلام إيران، لقد أدى ممارسة أقصى الضغط من قبل الولايات المتحدة إلى دنو أجل حرب أخرى في منطقة وعد ترامب بمغادرتها.

لا شيء من هذا ينكر أن إيران تضع نفسها كعدو للولايات المتحدة، أو أنها استهدفت القوات الأمريكية، أو أنها متورطة في تنافس معها على النفوذ في الشرق الأوسط, لكن الأمر كذلك بالنسبة لطالبان.

ومن أجل الهدف الأعلى المتمثل في اخراج الولايات المتحدة من مستنقع الشرق الأوسط، خطى ترامب خطوة ملائمة لدفن الأحقاد مع طالبان من أجل إعادة الجنود الأمريكيين والنساء إلى الوطن.

فيما يتعلق بإيران، قام ترامب بالعكس على الرغم من أن التخلص من التنافس المتهور مع طهران هو خطوة حاسمة نحو الانسحاب من الشرق الأوسط.

وفي الواقع، لماذا الانخراط في منافسة للسيطرة على منطقة لا تريد السيطرة عليها- لاسيما عندما تكون اتهامات إيران التي تسعى للهيمنة في الشرق الأوسط موضع تساؤل في أفضل الأحوال من قبل نفس “حلفاء” الولايات المتحدة الذين يشكون من طهران ويحتاجون  إلى أن تنغمس الولايات المتحدة في المنطقة حتى تضطر إلى محاربة الإيرانيين, وكما قال وزير الدفاع السابق بوب جيتس، فإن السعوديين يريدون محاربة الإيرانيين حتى آخر أميركي.

في الواقع فإن كل وعود ترامب بتحرير أمريكا من مغامراتها في الشرق الأوسط لن تنجح إذا استمر في حربه الاقتصادية ضد إيران, ويمكنه إما مغادرة المنطقة أو شن حرب مع إيران, فهو لا يمكنه الحصول على كليهما.

*تريتا بارسي النائب التنفيذي لرئيس معهد كوينسي

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع