بقلم: جان كلود ألت* بونوا موراتشيول (صحيفة “لاكروا” الفرنسية – ترجمة: محمد السياري-سبأ)

منذ بداية أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد, شهد العالم الكثير من التغيرات الجذرية في مجالات استراتيجية متعددة ذات حساسية شديدة التأثير على حياة البشر، منها الاقتصاد والصحة وعلى وجه الخصوص البيئة.

وفي ظل الاقتصاد الجائر الذي أبصر النور في كنف زخم الغرب المنتصر الذي بات مبدأ عدم المساواة القاعدة الرئيسة في اندفاعه, أصبح من الحتمي أن نرفع إصبع الاتهام لننتقد تلك “التجاوزات” المشينة التي يرتكبها على الدوام النظام الرأسمالي حتى أضحت جزء لا يتجزأ من طبيعته.

وها هم اليوم أولئك الذين لطالما كان يعملون بكل جد واجتهاد لهشهشة دور وأداء منظمة الصحة العالمية على مدى أكثر من 40 عاماً، بمساعدة عملية من قبل التكنوقراط الهواة، قد أدركوا الحقيقة المتمثلة في الحاجة الماسة إلى وضع عنصر الضمان الاجتماعي في قلب الاستراتيجية الوطنية عملاً بما كان ينادي به الجنرال شارل ديغول في العام 1942.

فضلاً عن ذلك، هناك مجال آخر يحمل من الأهمية ما يمنحه بعداً استراتيجياً في غاية الحساسية، وعلى ما يبدو أنه أيضاً قد تعرض للعديد من الخروقات والتجاوزات: ذاك هو مجال تصدير الأسلحة.

وفي هذا الإطار، كثيراً ما نسمع من تلك الحفنة من التكنوقراط من يخبرنا بأن تلك التجاوزات لا تحظى بأي أهمية في ظل المنافع الجمة التي تعود على البلد، معللين بأن ذاك المجال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعظمة والقوة والأمن التي تزهو بها الدولة الفرنسية الحديثة.

وخلافاً للحقيقة التي تبدو عليها تلك الادعاءات، لم نجد تلك القضية القومية قد وُضِعت في مكانها المناسب بل وكان الهامش هو أفضل ما يمكن أن يحتويها رغم انه قد أعلن منذ ثلاثة أسابيع عن إلغاء أكبر معرض دولي للدفاع البري والجوي في العالم والذي عرف بأسم “يوروساتوري” الذي كان من المفترض أن يقام في العاصمة الفرنسي، باريس.

من زاوية أخرى، لا نستطيع حقيقة أن نجد أي توضيح عن التصريح الأخير بوقف إطلاق النار الذي كشف عنه المتحدث باسم قوات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في حربها على الأراضي اليمنية، لاسيما وأن حالة الحصار المفروضة ونقص المعلومات تحول دون تمكننا من التحقق من واقعية تلك التصريحات.

زد على ذلك، أنه ما من تصريحات رسمية تؤكد تعليق صفقات بيع ونقل المعدات والأسلحة الحربية الفرنسية التي كانت، على حد معلوماتنا، سارية المفعول منذ بضعة أيام، ومن المحال أن يتم تمرير تلك المواد عبر الحدود في ظل غياب مسؤولي الجمارك والضرائب على إثر الحظر الدولي المفروض للحيلولة دون انتشار فيروس كورونا المستجد.

ومما لا شك فيه مطلقاً أن فكرة وقف صادرات الأسلحة الفرنسية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد لها مكاناً في وعي رئيس الحكومة الفرنسية، إدوارد فيليب، ورئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون؛ ومن هنا يمكننا التأكيد على حقيقة أن استمرار الحكومة في التعاطي مع تلك الصفقات اللاإنسانية يضع فرنسا في موضع المسؤولية المشتركة عن جرائم الحرب المرتكبة باستخدام الأسلحة فرنسية الصنع على الأراضي اليمنية من قبل المملكة الوهابية؛ وكيف لا يكون ذلك في حين لا  تزال السلطات الفرنسية ماضية دون توقف في منح تراخيص التصدير اللازمة كل شهر من خلال اللجنة الوزارية التي وُجدت في الأساس، وفقاً للقانون الفرنسي، من أجل دراسة وتنظيم كل ما يتعلق بعمليات تصدير مثل تلك المواد الحربية، ثم يتم التعتيم على كل ذلك كما لو أن شيئاً لم يحدث!

فرنسا على قمة هرم مصدري الأسلحة:

كما هو حالها دوماً، لطالما كانت الحكومة الفرنسية تتفنن في تبرير تلك التجاوزات والخروقات المجحفة، في طرح الأسباب التي دفعت بها نحو إبرام مثل تلك الصفقات مع دول التحالف العربي، مستندة هذه المرة إلى مبدأ “الشراكة الاستراتيجية” للدولة الفرنسية.

ومع ذلك ما لبثت تلك الصيغة السحرية – “الشراكة الاستراتيجية” – أن أفل نجمها لتتوارى في سديم الأزمة الوبائية التي تجتاح الكوكب دون سابق إنذار وللأسف دون جدال؛ الأمر الذي يجعل من ذلك معجزة تاريخية غير قابلة للنسيان.

ومع ذلك، لم يخلُ الامر كلياً، فلا زال هناك ما يمكن إبلاغه لمنظمات المجتمع المدني والبرلمان بشأن ذلك التحول المريب في “العقيدة” الاستراتيجية الفرنسية.

وبعبارة أكثر دقة وعلى وجه التحديد فقد كانت الأسباب تتعلق بالمخاطر والتهديدات المترتبة على الأعمال الإرهابية التي تحدث على الأراضي الفرنسية، على غرار ما جاء في تغريدات كلاً من وزيرة الجيوش، فلورنس بارلي، ووزير أوروبا والشؤون الخارجية، جان إيف لودريان, حيث رأى كلاهما أن “مبيعات الأسلحة الفرنسية تلك كانت وسيلة ابتدعتها الحكومة للتعامل بالشكل المناسب مع التهديدات التي تسببت فيها هجمات تنظيم الدولة الإسلامية، أو ما يعرف بداعش، وتنظيم القاعدة الذي أتخذ من اليمن وكراً يلتجئ إليه”.

وتلك في واقع الأمر مفارقة ساخرة لا يمكن تجهلها كل ذي عقل إذا ما أدرك حقيقة أن كلا التنظيمين، الإرهابيين بلا شك، قد تضاعفت قدراتهما وإمكانياتهما إلى مستويات غير مسبوقة منذ بداية الحرب بفضل الأسلحة والمعدات العسكرية الغربية.

ولكن بالرغم من كل تلك الأكاذيب المكررة على لسان السلطة التنفيذية بشأن حقيقة استخدام الأسلحة الفرنسية في تلك الحرب الجائرة التي يتسم جميع أطرافها بالمسؤولة الكاملة عن جرائم الحرب المرتكبة، إلا أنه كانت لا تزال هنالك فرصة لإعادة بناء الروابط مع مؤسسات المجتمع المدني؛ ولكن في حال لم تتحقق تلك الأمنية، فمن البديهي ألا تكون هنالك أية مباحثات بذاك الخصوص في البرلمان الفرنسي.

الأسلحة الفرنسية على الأراضي اليمنية:

ها هي فرنسا مرة أخرى تجد نفسها أمام انفراجة كبيرة لتحترم التزاماتها الدولية، بما في ذلك معاهدة الاتجار بالأسلحة وإن كان ذلك في إطار افتراضي؛ ولكن من وجهة نظر المنظمات غير الحكومية – على غرار منظمة العمل والأمن والأخلاق، منظمة العمل المسيحية لمناهضة التعذيب، منظمة العمل ضد الجوع، منظمة أطباء العالم، منظمة السلام لليمن، منظمة العمل ضد تأجيج الحروب ومنظمة “شيربا” المتخصصة بالدفاع عن ضحايا الجرائم الاقتصادية – التي سارعت إلى تقديم عريضة إلى مجلس الدولة من أجل  الحصول على الموافقة بتعليق عمليات تصدير الأسلحة إلى جميع دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، فلا شك أن مثل ذلك الوقف الأفتراضي لصادرات الأسلحة سوف يشكل فرصة كبيرة أمام فرنسا لإعادة النظر والتفكير في خياراتها الأمنية الاستراتيجية والسلام في المستقبل.

ووفقاً لما ورد في ديباجة معاهدة الاتجار بالأسلحة فإن “السلام والأمن والتنمية وحقوق الإنسان هي ركائز رئيسية لمنظومة الأمم المتحدة وأساس متين لإحلال الأمن والسلام في كل مكان”.

فمنذ ما يربو على 20 عاماً، كنا ولازلنا نعمل بلا كلل ولا ملل لإقناع رجال الدولة المعنيين بالأمر – وزراء وبرلمانيين ومسؤولين – بوضع حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في قلب مخططات الحكومة التي تعنى بأمن البلد؛ ولكن ما من نجاحات تكلل تلك الجهود الثمينة.

ومن المفترض أن يتم استغلال الأوقات العصيبة والمأساوية التي يشهدها العالم أجمع لحث الحكومات على إعادة التفكير والنظر من زاوية أخرى أكثر أتساعاً وعلى المستوى الوطني حول ماهية أمن الدولة وعلاقته المرتبطة باحترام الحقوق الأساسية لشعوب العالم حتى تكون لديها القدرة الكافية للقيام بدورها اللازم لحماية تلك الشعوب وليس لتدميرها.

*جان كلود ألت خبير في حقوق الأطفال, مؤلف كتاب “ما هي حدود الأسلحة” الصادر في العام 2016.

* بونوا موراتشيول: رئيس منظمة العمل والأمن والأخلاق المدعومة من قبل الحزب الجمهوري “آسر”, التابعة لمنظمة العمل الدولية المعنية بالأسلحة الصغيرة.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.