بقلم: جاري جرابو

موقع” فاير أبسيفر- “Fair Observer الأمريكي, ترجمة: نجاة نور-سبأ)

في 9 أبريل، اعلنت الحكومة السعودية وقف إطلاق النار من جانبها لمدة أسبوعين في الحرب الدائرة منذ خمس سنوات في اليمن التي تعتبر أفقر دولة في الشرق الأوسط.

لطالما دعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكونجرس الأمريكي إلى تعليق الأعمال العدائية والعودة إلى طاولة المفاوضات.

ففي يونيو 2019, صوت الكونجرس على تعليق جميع مبيعات الأسلحة للسعودية التي تسعى إلى إخضاع الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن, الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومعظم المناطق الشمالية من البلد، وكان الاجراء المقابل هو اعترض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مشروع القانون.

حتى وقتاً قريب كان السعوديون يرفضون بقوة الدعوات لإنهاء التورط في حرب اليمن, لذ ، لماذا اقترحوا وقف إطلاق النار الآن؟ يتعلق الأمر بالتكلفة التي تحتاجها الحرب وانهيار أسعار النفط وتفشي وباء الفيروس التاجي, أي ان استمرار ارتفاع تكاليف مشاركتها التي تُقدَّر بحوالي ما بين 5 إلى 7 مليارات دولار شهرياً وارتفاع أسعار النفط يعني أن المملكة لا يمكنها الاستمرار في حربها على اليمن وايضاً تلبية احتياجاتها المحلية الكثيرة المدرجة ضمن ميزانيتها.

كما يؤكد تراجع احتياطي السعودية من النقد الأجنبي على الحاجة إلى اتخاذ خطوة طارئة لوقف النزيف المالي للمملكة في اليمن.

علاوة على ذلك، فإن الحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد محمد بن سلمان، في حاجة ماسة إلى تغيير صورة المملكة في الولايات المتحدة، وخاصة في الكونغرس, وكلما أسرع في تخليص بلادة من الحرب، كلما اصبح بإمكانه بدء رحلته الطويلة مرة أخرى إلى كسب الاحترام في الولايات المتحدة والبدء في إعادة بناء دعم الحزبين مرة أخرى للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية.

سيكون هذا التصرف مهما بشكل خاص إذا فشل الرئيس ترامب، وهو الداعم الرئيسي للرياض في واشنطن، في محاولة إعادة انتخابه في نوفمبر المقبل.

لكن الأمل الحقيقي أن الدافع بوقف فعلي لإطلاق النار قد يكون بسبب الخوف من ظهور وتفشي فيروس كورونا القاتل في اليمن, وقد تأثرت بالفعل المملكة وعمان المجاورة بالفيروس, بينما شهدت اليمن ظهور أول حالة مؤكدة لها في 10 أبريل الجاري.

في الواقع لا تملك البلد عمليا القدرة على التعامل مع تفشي الفيروس, حيث اصبح النظام الصحي فعلياً إلى ما بعد نقطة الانهيار جراء الحرب، فيما اصبح السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد ونقص مياه الشرب وتفشي الاوبئة مثل الكوليرا وتدهور المعايير الصحية التي اصبحت غاية في السوء, كما أن بنيتها التحتية والتي كانت تعتبر الأقل تطوراً في الشرق الأوسط قبل دخولها الحرب، تراجعت بنسبة 50٪ عما كانت علية.

في اليمن سيتفشى الفيروس بشكل أسرع من حرائق الغابات, حيث تعتمد اليمن بشكل كامل على المساعدة الأجنبية من الدول نفسها التي تكافح من أجل التعامل مع الفيروس.

من المرجح أن يعجل مثل هذا التفشي في اليمن الهجرة الجماعية إلى السعودية، مما سيؤدي إلى تفاقم مشكلة انتشار الفيروس بها.

وقد تشهد الدول المجاورة، بما في ذلك عمان والإمارات والصومال ومصر تدفقا للاجئين الذين سيفرون خشية الاصابة بالفيروس.

عندما لا يكون الوباء كافياً:

من الواضح أن السعودية قد تكون أكثر حماساً من أي وقت مضى لإيقاف الحرب, لكن هل إعلان وقف إطلاق النار كافٍ؟

إن إنهاء هذا الصراع المأساوي سيتطلب مشاركة وموافقة أطراف كثيرة وتقديم تنازلات منهم لم يتم التفكير فيها من قبل.

ربما يعتقد الحوثيون الآن أنهم سيصعدون على ظهور خصومهم السعوديين وقد يختارون الضغط من أجل الحصول على تنازلات من اجل الحكم المستقبلي لليمن وهو الشيء الذي يرفضه السعوديون حتى الآن.

لقد تطوروا من حركة لا حيلة لها إلى منظمة حاكمة -وإن كانت غير فعالة إلى حد كبير- وقفت بنجاح أمام إحدى اقوى الدول في المنطقة, يا ترى ماذا يريدون؟

على الرغم من مكاسب الحوثيين الصعبة، يجب أيضا استرضاء أغلبية حزب الاصلاح في البلد, هل يمكنهم قبول دور كبير للحوثيين في الحكومة الجديدة؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فهل يمكنهم مواصلة حربهم ضد الحوثيين دون دعم عسكري سعودي مباشر؟

بالنسبة للحوثيين وحزب الاصلاح في اليمن، فإن سحابة فيروس كورونا تحوم على رؤوسهم جميعاً.

الاستمرار في متابعة الصراع وسط تفشي الوباء بين السكان المدنيين والمقاتلين أمر لا يمكن السكوت عنه, بغض النظر عن مدى التزامهم بقضاياهم السياسية، لا يمكنهم تجاهل مرض لا يعترف بأي مقاتل أو أجندة سياسية أو حزب أو مصلحة.

أسئلة أخرى لا تعد ولا تحصى تدور حول هذا الصراع, فهذه ليست حرب أهلية فقط.

السلطات التي تعيش خارج البلد وخاصة تلك التي في السعودية وإيران، ولكن الإمارات، سيكون لديها الكثير لتقوله.

علاوة على ذلك، إذا أراد اليمن التعافي، فسوف يحتاج إلى إعادة البناء بمساعدة أجنبية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وربما حتى الصين, حيث سيحتاج اليمنيون إلى مقعد على الطاولة أيضا.

هناك أيضا الفيروس السياسي الذي ابتلي به اليمن لأكثر من عقد ونصف: القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والمعروفة باسم أنصار الشريعة في اليمن.

كيف يتعامل الطرفان مع العدو القادم؟ وفي حين أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يستطيع تجاهل الفيروس، تأتي إيديولوجية فكر القاعدة التي يقودها مبدأ الشهادة ليطرح تحديات خاصة للسلام النهائي في هذه الزاوية الدامية من شبه الجزيرة.

الطبيب في المنزل:

إذا كانت مبادرة وقف القتال والبدء في جهد فعلي لحل النزاعات هي المغزى الحقيقي التي تدفعه للنجاح، فإن السعودية ستحتاج إلى قوة دفع كبيرة خلفها.

وهنا يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دوراً بناءً, نظراً لما تتمتع به من نفوذ كبير على السعودية والإمارات والتأثير مع الحكومات التي تعتبر مشاركتها في إعادة بناء اليمن أمرا حيويا وبعض القدرات المحفزة لإيران.

حتى الآن في عهد ترامب ، كانت الولايات المتحدة لا تميل إلى الانخراط في صنع السلام في اليمن، باستثناء المواقف الشاذة من وزارة الخارجية والدعم العكسي لصانعة الحرب في السعودية.

والآن سيكون الوقت المناسب لتعيين مبعوث خاص لفرض قوة الولايات المتحدة لجهود حقيقية لصنع السلام، بما في ذلك مبادرات تهدئة إيران والانخراط مع الحوثيين في حوار, أي أن أمريكا بحاجة إلى استعراض عضلاتها الدبلوماسية الصعبة للمساعدة في إنهاء الصراع الذي لم يسفر عن منتصرين في الحرب، بل ملايين الضحايا فقط.

يمكن لفيروس كورونا الذي يطارد الكوكب اليوم أن يبعث الأمل في إنهاء صراع مروع.

المبدأ الأساسي للحرب هو تجنب قتال الأعداء في جبهات منفصلة, أي ان الاستمرار في هذه الحرب العقيمة التي لم ثبتت جدواها، ومحاولة صد الفيروس هي مهمة مستحيلة.

فهذا العدو منيع ضد اي سلاح تمتلكه الأطراف المتنازعة, إنه بلا رحمة وسيخترق أقوى قوة مسلحة بغض النظر عن أعداد القوات أو الأسلحة أو الإيديولوجية السياسية أو الدينية أو الحماسة الثورية التي تمتلكها, لذا يجب أن يكون الهدف الآن هو إنهاء الحرب، وتوفير احتياجات الشعب اليمني لهزيمة العدو الفيروسي.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.