بقلم: فيليب ألكوي

(موقع” غفليسيون باغمانونت –  revolution permanente” الفرنسي – ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

كان اليمن قد اعلن عن تسجيل أول حالة من وباء فيروس “كوفيد-19” في منطقة حضرموت الواقعة جنوب البلد, لرجل يعمل في ميناء مدينة الشحر, وهذه أخبار تعتبر سيئة للغاية بالنسبة لهذا البلد الذي دمرته خمس سنوات من الحرب الأهلية، ناهيك عن إطباق أسوأ انتشار لوباء الكوليرا في العصر الحديث مخالبه على هذا البلد الذي يكافح الآن ايضاً انتشار وباء حمى الضنك, كل هذا دون تسليط الضوء على ملايين من السكان الذين يعتمدون على المساعدات الدولية والمقدر بي  80٪ من سكانها, أو الذين يعانون من سوء التغذية.

ففي اليمن الذي دمرت الحرب نظامه الصحي الذي كان بالفعل قبل اندلاع الصراع,  البلد الأكثر فقراً في العالم العربي, حيث تشير التقديرات إلى أن نصف المرافق والمراكز الصحية أصبحت خارج نطاق الخدمة, كما يقدر متوسط العاملين في القطاع الصحي في هذا البلد 10 مهنيين صحيين لكل 10 الاف شخص و 500 جهاز تنفس اصطناعي فقط لسكانها البالغ عددهم 28 مليون شخص, وبالرغم من كون هذا لم يكن كافيا، فقد أصبح العاملون في القطاع الصحي وكذلك المستشفيات مرافق الصحية هدفا رئيسيا للهجمات التي تشنها مختلف الأطراف المنخرطة في الصراع.

كما أن خطر انتشار الفيروس بسرعة في البلد أصبح ممكن جداً مع وجود 3.6 مليون نازح، يعيشون في كثير من الأحيان في مخيمات أو في مساكن غير مهيئة للعيش, بالإضافة إلى انعدام المياه النظيفة أو منتجات النظافة الصحية الأساسية مثل الصابون.

ومن نافلة القول إنه في خضم “الحرب” المخزية على المعدات الطبية التي تشنها القوى العظمى، لا توجد فرصة لليمن الفقير لأن يصبح وجهة ذات أولوية لهذه المنتجات الأساسية, فكل هذه الظروف تجعل من اليمن “بيئة خصبة ومواتية” للانتشار القاتل لـ”كوفيد-19″.

السعودية بين النفاق والانتهازية:

وفي مواجهة هذا الاحتمال الدرامي المثير، قررت المملكة العربية السعودية، التي تقود التحالف العربي ضد تمرد الحوثي في اليمن، في 9 أبريل الجاري تنفيذ وقف لإطلاق النار من جانب واحد لمدة 14 يوماً, قابلة للتجديد, ومن جانبها, سارعت الأمم المتحدة ودول الخليج والقوى الغربية إلى الإشادة بموقف الرياض على هذه اللفتة الإنسانية “نفاق تام”, يذكر ان السعودية والإمارات العربية المتحدة هما من ابرز المسؤولين عن الدمار الذي لحق بالبلد وحصد ارواح الآلاف من اليمنيين.

والحقيقة هي أن السعودية وغيرها من بترو ملكيات في منطقة الخليج، لها مصلحة في إنهاء هذه الحرب التي أصبحت مستنقعاً بالنسبة لهم, كما أشار مقال نشر في موقع لـ”المونيتور”، فإن اليمن المزعزع للاستقرار بشكل دائم يشكل خطراً على المنطقة بأسرها، لاسيما في خضم انتشار جائحة كوفيد-19:”بالنسبة للسعودية ودول الخليج، فإن اليمن الذي يعتبر أفقر بلد في العالم العربي، أكبر من أن يتم تخلي عنه, نظراً لأن الدولة المفلسة قد توغلت في هذا البلد الذي يعاني من أزمات دائمة, سواء تلك الناجمة عن الحرب أو الإرهاب أو أزمة اللاجئين أو المرض أو جميعها في آن واحد (…) وبالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يجب حل الحرب في اليمن حتى يتسنى له التركيز على إصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية وإزالة عنصر الاحتكاك في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية.

وبالرغم من ذلك، فإن سياق الجائحة وخطر وقوع كارثة صحية في اليمن ليس السبب الوحيد الذي يجعل من السعودية تبحث عن حلاً سريعاً، وإن كان مؤقتاً: فالأزمة الاقتصادية تلوح في الأفق.

في الواقع أن الرياض التي يشكل النفط مصدر ثروتها الرئيسي، تخوض حرباً أخرى “حرب أسعار” مع روسيا ولكن أيضاً مع شركات أمريكا الشمالية العاملة في هذا القطاع.

ففي الآونة الأخيرة, توصل اعضاء الاوبك وروسيا إلى اتفاق حول خفض الانتاج لرفع اسعار النفط الخام, لكن المستقبل ما زال قاتماً بالنسبة للدول المصدرة, وان الاتفاقية, حسبما يقول خبراء الاقتصاد, ستوفر بعض الوقت ليس إلا.

وفي هذا السياق، يصبح الاستمرار في شن الحرب عبئاً مكلفاً من الناحية الاقتصادية والسياسية على حد سواء على نظام آل سعود.

وفي الواقع، كانت هناك طيلة عدة أشهر بعض المؤشرات على أن الاستراتيجية السعودية قد تطورت على ما يبدو في الصراع، حيث رضخت بشكلٍ تدريجي “فك الارتباط” ويبدو أن تهديد كوفيد -19, أصبح بمثابة فرصة مثالية لمحاولة التوصل إلى نتيجة عن طريق التفاوض دون أن يبدو أنها تستسلم للعدو.

وعلى جانب الحوثيين المدعومين من إيران، لم يردوا بعد على وقف إطلاق النار الذي اعلنه التحالف العربي, لكن السعوديين وحلفائهم الغربيين يخططون للضغط على إيران لفرض وقف دائم لإطلاق النار, الأمر الذي قد يساعد طهران في نهاية المطاف, ففي الواقع أنه على الرغم من أن هذه الحرب “بالوكالة” تخدم مصالح النظام الإيراني، إلا أن اليمن ليس بأي حال من الأحوال بلداً استراتيجياً بالنسبة لها, وبعبارة أخرى، في حين تدعم إيران حرباً رجعية تماماً على مدى السنوات الخمس الماضية، قد تكون مهتمة الآن باستخدام ما يسمى بوقف إطلاق النار “الإنساني” لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي, لكن هذا لا يعني أنهم سيتمكنون من إقناع الحركة الحوثية التي قد ترى بعض القطاعات منهم بعض الفائدة في استمرار العمل العسكري.

القوى الغربية هي المسؤول المباشر:

هذا الوضع المأساوي الدرامي الذي تعيشه اليمن لا يسقط من السماء, فهو نتيجة للحرب الأهلية ولكن أيضا نتيجة لسنوات من الهيمنة الإمبريالية في المنطقة, لأن اليمن كان بالفعل واحدة من أفقر دول العالم قبل وقت طويل من بدء الصراع الذي بدأ في سرد فصوله منذ أواخر مارس من العام 2015.

كما أن الحكم الاستعماري البريطاني لجنوب اليمن، والمقاطعة الاقتصادية، والحروب الأهلية بشتى انواعها المختلفة، والحروب بين شمال وجنوب اليمن منذ اعلان الاستقلال، والتدخل السعودي والقوى الإقليمية الأخرى، والتوحيد الكارثي لليمن بين شماله وجنوبه بقيادة زمرة من البيروقراطية الفاسدة، من بين عناصر أخرى، ليست سوى بعض العناصر التي أعدت هذا الوضع على مر السنين.

ولكن المسؤولية التي تتحملها القوى الإمبريالية في الحرب الحالية مباشرة أيضاً, دعونا لا ننسى أن أصل الصراع الدائر يكمن في الاتفاق بين الحكومة اليمنية وصندوق النقد الدولي على خفض الدعم النفطي من أجل سداد ديون البلد, الأمر الذي أثار موجة عارمة من الاحتجاجات الشعبية التي تم اختطفها فيما بعد من قبل بعض الفصائل المختلفة من الطبقات الحاكمة مما أدى إلى اندلاع  حرب رجعية تماماً, تدخلت فيها قوى اقليمية خلفت وراءها أكثر من 100 ألف قتيل.

ومن جانبها, دعمت جميع القوى الغربية سياسياً وعسكرياً الملفات المثيرة للجدل فيما يخص مبيعات الأسلحة, للنظام السعودية الذي يقود التحالف العربي الداعم لحكومة عبد ربه منصور هادي, فهذا التحالف ليس مسؤولاً فقط عن آلاف القتلى في البلد، بل فهو المسؤول عن الحصار الإجرامي الاقتصادي والإنساني.

وعلى أية حال، فإن الوضع في اليمن مأساوي, حيث يطرق كوفيد-19 على ابواب البلد, مهدداً بإزهاق أرواح الآلاف, وللأسف، من وجهة نظر التهديد الصحي، لا يسعنا إلا أن نأمل في أن لا ينتشر الفيروس في البلد، حتى لو كانت جميع الدلائل تشير إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت قبل أن يغرق البلد في الكارثة, حيث كنا قد أشرنا بالفعل إلى هذا الخطر من قبل.

وبهذا المعنى، فإن كفاح العمال في البلدان الإمبريالية مثل فرنسا من أجل إعادة تحويل الإنتاج من أجل مكافحة الوباء سيكون أيضا أفضل طريقة لمساعدة الشعوب الأكثر عرضة للإصابة بجائحة كوفيد-19.

وفي الواقع، إذا نجح العمال في البلدان الإمبريالية في فرض الإنتاج الضخم تحت سيطرتهم، للأقنعة وأجهزة التنفس والأسرة والمواد الهيدروكحولي، وما إلى ذلك، فإن هذا الإنتاج يمكن أن يكون موجهاً أيضاً إلى أفقر البلدان في العالم مثل اليمن الأكثر عرضة للخطر.

يتطلب هذا الوباء استجابة عالمية، ويبدو أن الرأسماليون غير قادرين على القيام بذلك وأنهم يفضلون إدانة الآلاف و الآلاف من الأشخاص المعرضين لخطر الفيروس.

وفي البلدان الإمبريالية، يجب أن تدفع الدروس المستفادة من هذه الأزمة الصحية حركة العمال إلى وضع حد للسياسة الإجرامية التي تقودها “البرجوازية ” في جميع أنحاء العالم.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع