اليمن… منطقة صراع ووباء!
في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية، يعاني 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في حين يصنف 17 مليون شخص ضمن الفئات الأشد احتياجاً إلى المساعدة الطارئة للحصول على المياه النظيفة والمستلزمات الأولية للصحة والنظافة العامة.
بقلم: جولي كيبي (صحيفة “لوريون لوجور” اللبنانية – ترجمة: محمد السياري – سبأ)
على مدى خمسة أعوام ماضية كانت اليمن إلى جانب كونها مسرحاً للصراعات الداخلية والعدوان الخارجي، مرتعاً للجوائح والأوبئة كالكوليرا وحمى الضنك والدفتيريا, وها هي اليوم تستقبل الدخيل الجديد – فيروس كورونا المستجد – الذي تسبب منذ عدة شهور في استنفار حكومات الدول في جميع انحاء العالم؛ حيث اعلنت اللجنة الوطنية للطوارئ، الجمعة 10 أبريل، عن ظهور اول حالة أصابه مؤكدة بالفيروس التاجي في محافظة حضرموت؛ وبالرغم من الكشف عن مئات الأشخاص المصابين بالفيروس في الدول المجاورة وعلى الحدود المشتركة التي يسهل اختراقها، إلا أن السلطات اليمنية لم تبلغ قبل ذلك عن أي حالات مصابة أو حتى مشتبه في إصابتها؛ ومما لا شك فيه أن هذه الحالة رغم تفردها تستلزم التحرك بكل جدية للحيلولة دون تفاقم الوضع.
وفي هذا الإطار قال أليكس نوا، الرئيس التنفيذي لمنظمة “العمل ضد الجوع” في اليمن، في مقابلة مع صحيفة “لوريون لوجور”، موضحاً: “كان لدينا كثير من المؤشرات التي تحملنا على الاعتقاد بوجود العديد من الحالات غير المؤكدة في اليمن؛ ولكن ما لبثت تلك الظنون أن صارت اكثر وضوحاً مع ظهور أولى الحالات المؤكدة, وليس ذلك بالأمر المستغرب في ظل نقص الوسائل اللازمة لتأكيد مثل تلك الاحتمالات ولا اخفيكم سراً أنه لا يوجد سوى مركزين للاختبار في اليمن بمعدل مائة اختبار لكل مركز على أبعد تقدير، أحدهما في صنعاء والآخر في عدن”.
قال يان جوسيس، المنسق العام لمنظمة “أطباء العالم” في اليمن: “في إطار المستجدات الأخيرة، أصبحت اليمن ضمن قائمة البلدان المهددة بانتشار هذا الوباء على أراضيها؛ ومن المتوقع أن تحصل السلطات الحكومية على الإمدادات اللازمة لمواجهة هذه الجائحة من منظمة الصحة العالمية بشكل طارئ وفي اقرب وقت”.
وممالا شك فيه أن اليمن تواجه بالفعل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم منذ امد ليس بقريب؛ ووفقاً للتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، فقد تعرضت هذه المنطقة من شبة الجزيرة العربية لدمار غير مسبوق على جميع الأصعدة على إثر خمس سنوات من الحرب والصراع الدموي بين القوات الحكومية المدعومة من قبل دول التحالف العربي بقيادة الرياض وأبو ظبي، والحوثيين الذي يتلقون كل ما يلزمهم من مساندة من جانب الحليف الإيراني.
ومؤخراً كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، دعا إلى “وقف فوري لإطلاق النار في جميع مناطق الصراع في العالم” لحماية المدنيين من “غضب” الفيروس التاجي؛ وبالرغم من الترحيب الكبير الذي حظيت به تلك المناشدة، إلا أن الكلمات لم تتجاوز ذلك الحد لتصل إلى الافعال: حيث شنت قوات التحالف عقب ذلك عدة ضربات جوية على العاصمة اليمنية صنعاء، التي يسيطر عليها أنصار الله، بعد يومين فقط من اعتراض الصواريخ التي أطلقها الحوثيون باتجاه اثنتين من المدن السعودية، الرياض وجيزان.
وعلى أثر ذلك جاءت تصريحات المبعوث الأممي الخاص لليمن، مارتن غريفيث، للتأكيد على “اتصاله مع الأطراف المتحاربة لإيجاد أرضية مشتركة لوقف إطلاق النار وتفعيل الدور الانساني للمنظمات غير الحكومية”, واستجابة لتلك المساعي الأممية، كانت مبادرة الرياض بإعلان هدنة احادية الجانب تفهماً للأوضاع الانسانية التي تعاني منها اليمن، قبل يوم واحد فقط من ظهور أولى حالات الاصابة بفيروس كوفيد-19.
مأساة صحية وغذائية:
تحت طائلة الصراع والدمار وعمليات القصف الجوية، يعاني المدنيون من الشعب اليمني أسوأ الظروف الانسانية على مر التأريخ: حيث يفتقر ما يقرب من 20 مليون شخص للأمن الغذائي، في حين يصنف 17 مليون يمني ضمن الفئات الأشد احتياجا للمساعدة الطارئة للحصول على المياه الصالحة للشرب والمواد الأساسية اللازمة للصحة والنظافة العامة؛ وفضلاً عن ذلك فإن 19.7 مليون شخص بحاجة ماسة للرعاية الصحية العاجلة.
ووفقاً لتقارير البرنامج الإنمائي الذي أقرته الامم المتحد لمساعدة اليمن، سوف يكون لانتشار الفيروس التاجي في هذه المنطقة المنكوبة من التبعات المأساوية والمدمرة ما لا يمكن تخيله، لاسيما في ظل الافتقار الحاد للمعدات والمستلزمات الطبية والعلاجية الضرورية لمواجهة هكذا كارثة، مع عدم اغفال حقيقة أن أقل من 50% فقط من اجمال المنشآت الصحية هي التي تعمل وبكامل قدرتها.
وفي ذلك يقول يان جوسيس: “ليس هنالك ما يكفي من المواد العلاجية، كما أن امكانيات التشخيص والعزل تكاد تكون منعدمة؛ الأمر الذي لا يسمح بالتعامل المناسب والكافي مع حالات الإصابة المحتملة بفيروس كورونا المستجد”.
وفي ضوء الصراع القائم، من المعلوم للجميع أن مؤسسات الدولة تعتمد إلى حد كبير على المساعدات الخارجية؛ وهذا حقيقة ما يجعل الاوضاع أكثر مأساوية؛ حيث أن “هناك عدد قليل جدا من الماسحات الضوئية، وعدد أقل بكثير من أجهزة قياس الحرارة، فضلاً عن أن أجهزة التنفس الصناعية تكاد تكون معدومة؛ وفوق كل ذلك، يتم تداول ميزان قياس الحرارة بالأشعة تحت الحمراء اليوم بقيمة تتراوح بين 400 و500 دولار للقطعة الواحدة، ويعود السبب في ذلك إلى أن السلطات المحلية تعجز تماماً عن تنظيم وإدارة السوق المحلية”، على حد قول يان جوسيس.
في منتصف الشهر الماضي، كانت الحكومة اليمنية أعلنت قرارها بإغلاق المدارس لمدة أسبوع واحد وكذلك إلغاء جميع الرحلات الجوية سواء القادمة إلى المطارات الداخلية أو المغادرة منها، حتى نهاية الشهر الحالي، بما في ذلك طائرات الإغاثة الأممية.
ولعل الأمر كان غريباً في بداية تحرك الجهات الحكومية لاتخاذ التدابير اللازمة ولا سيما في اليومين الأولين حيث كان “كل شيء مغلق” على حد قول العديد من سكان المناطق الجنوبية؛ وقد تم إنشاء مراكز الحجر الصحي في جميع أنحاء البلد, بينما تم نشر فرق صحية في نقاط الدخول المختلفة لإجراء الاختبارات التشخيصية.
وفي ذلك قال أليكس نوا: “من المعروف أن اليمن تمثل نقطة عبور – حتى في وقت الحرب – لآلاف المهاجرين القادمين من الدول الإفريقية والذين يحاولون الوصول إلى المملكة العربية السعودية بحثاً عن العمل”.
وفي محافظة حضرموت، كانت السلطات المحلية فرضت حظر التجول من الساعة 4 مساءً وحتى 4 صباحاً.
ووفقاً لمصادر مسؤولة، فقد تم الإفراج عن المعتقلين الذين قضوا معظم مدة عقوبتهم أو التي تعتبر منخفضة الخطورة في محافظات حضرموت والمهرة وشبوة والضالع بهدف التخفيف من الضغط على السجون ومنع انتشار الفيروس في حال تواجدت حالات أصابه بين المساجين.
ومن زاوية أخرى، هناك جزء كبير من السكان لم يتقبلوا الإجراءات الضرورية للحجر الصحي؛ وتشكل العناصر القبلية عقبة حقيقية امام الجهات المعنية، حيث تسعى لكسر القيود في تحدٍ صارخ منها للمخاطر المترتبة على ذلك.
وبالرغم من القلق الشديد الذي يسيطر على سكان المنطقة إلا أن حالة الحرب السائدة تدفع بهم إلى عدم الاكتراث وخوض الغمار.
نتائج مباشرة وغير المباشرة:
هناك الكثير من الجهود المبذولة للحيلولة دون انتشار ذلك الوباء؛ ومن ذلك ما تقوم به المنظمات غير الحكومية إلى جانب الأمم المتحدة, حيث تعمل كلاً منها على تكثيف حملات التوعية بطرق الوقاية من الفيروس المستجد على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تكافح الفرق الإنسانية المتواجدة في قلب المنطقة الموبوءة مع المجتمعات المحلية لضمان إدراك الناس للإجراءات الاحترازية الضرورية لتجنب انتشار الوباء مثل غسل اليدين والحفاظ على المسافة الآمنة بين الأفراد والابتعاد عن الاختلاط والأماكن المزدحمة وغيرها.
ورغم كل ذلك لا تزال هنالك التدابير التي يصعب تنفيذها حينما لا تكون المياه النظيفة ومواد التعقيم اللازمة في متناول جميع السكان.
وفي هذا الصدد يقول يان جوسيس: “علينا هنا ألا نغفل حقيقة أن اليمن يعاني منذ عدة سنوات من الحصار الجوي والبحري الذي فرضته قوات التحالف بقيادة السعودية، الامر الذي أدى إلى نقص حاد في الإمدادات الغذائية والطبية؛ ومما لا شك فيه أن ذلك لا بد وأن يتسبب في إضعاف الجهاز المناعي لدى العديد من السكان ليصبح أكثر هشاشة من المعتاد خلافاً لما تكون عليه الحال في بلدان أخرى.
وفوق كل ذلك، هناك العديد من المعوقات الاخرى التي تقف دون تطبيق إجراءات الاحتواء بينما تشهد المواد الغذائية والطبية ارتفاعا مخيفاً في الأسعار”.
من جانب أخر، من الممكن ان تزداد الأوضاع سوء على إثر المعاناة التي يعيشها الناس يوماً بعد يوم، في حين انه لا خيار أمامهم سوى الخروج للعمل حتى يتمكنوا من توفير ضرورات الحياة لعائلاتهم؛ زد على ذلك الارتفاع الكبير في قيمة المستلزمات الطبية إن وجدت؛ ولعل اقنعة الوجه تكون خير دليل على ذلك، حيث كانت من قبل تعادل 4 دولارات بينما اصبحت اليوم تصل إلى ما يقرب من 12 دولاراً.
من الواضح أن المنظمات غير الحكومية قد تنبهت لتلك الظروف التي باتت تستلزم سرعة التحرك لزيادة الدعم والمساندة الاممية؛ ولكن في ضوء الوضع الصحي المتدني الذي تشهده جميع دول العالم، لن يكون بالأمر الغريب إذا ما قلنا بأن تلك الظروف سوف تزداد سوءً في نهاية المطاف؛ وتأكيداً على ذلك، قال أليكس نوا: “لا تقتصر أزمة فيروس كورونا على النتائج المباشرة فحسب، بل من الوارد ان تكون هناك نتائج غير مباشرة, فعلى سبيل المثال من الممكن أن يتم تأجيل مؤتمر جمع التبرعات لليمن الذي من المقرر أن ينعقد في الرياض بالشراكة مع الأمم المتحدة؛ كذلك سوف تتوقف العديد من البرامج الإقليمية الكبيرة بما في ذلك المساعدات الغذائية والصحية المهولة وغيرها من المساعدات المتعلقة بالمياه والصرف الصحي, أضف إلى ذلك التبعات التي ترتبت على الخطوة الأخيرة التي اقدمت عليها الولايات المتحدة الأميركية, فقد أعلنت الشهر الماضي تعليق جزء من مساهماتها المالية التي كانت تقدمها لدعم المناطق الشمالية من البلد، وذلك على إثر اتهامها الحوثيين باتخاذ إجراءات من شأنها أن تحول دون وصول المساعدات الإغاثية إلى الفئات المستهدفة.
من زاوية أخرى، كانت الفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة في العاصمة المؤقتة، عدن، في نهاية مارس الماضي بمثابة موجة تدق ناقوس الخطر مهددة بتفاقم الاوضاع في المرحلة القادمة؛ ولعل تلك الكوارث الطبيعية، في ظل تركيز الاهتمام على منع انتشار فيروس كوفيد-19، تحمل في جوفها مؤشراً قوياً بأن خطر انتشار وباء الكوليرا لا زال قائم؛ ووفقا للتقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، فقد تم تحديد أكثر من 2.7 مليون حالة مشتبه في إصابتها بالكوليرا منذ العام 2017.
ومع بدء موسم الأمطار هذا الشهر، تقدر منظمة “أوكسفام” غير الحكومية أن “عام 2020 قد يتمخض عن مليون حالة إضافية بالنظر إلى الاوضاع المأساوية التي تشهدها هذه المنطقة”.
خلاصة القول، تبقى النتائج الحقيقية مرهونة بالمستجدات التي ستكشف عنها الأيام القادمة، مع ضرورة التحرك الجاد من قبل السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية والأممية.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع