السياسية: نجيب هبة

“لا يبدو أن التدخل الأمريكي الذي عوّلت عليه القاهرة قادرٌ على ايقاف عجلة الهروب إلى الأمام التي باتت الوسيلة الأثيوبية الوحيدة لفرض أديس أبابا لـ”سدّ النهضة” كأمرٍ واقعٍ على دول المصب”.

عند استكمال بنائه سيصبح سد النهضة الذي بدأت أثيوبيا في انشائه على النيل الأزرق عام 2011 أضخم مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.. حيث ستتدفق اليه نحو 85 % من مياه النيل.. “الامر الذي ترى فيه القاهرة تهديداً حقيقياً لأمنها المائي والقومي”.

وتخطط أثيوبيا للبدء في ملء السد بحلول يوليو المقبل بل وأعلنت عن ذلك ودشنت حملة شعبية لجمع التبرعات لاستكمال المشروع البالغ تكلفته 5 مليارات دولار والذي تسبب في إثارة التوتر في المنطقة.

تعتبر مصر والسودان أن المشروع يمثل تهديداً اقتصاديا بل ووجوديا لهما ويمس حقهما في الحصول على مياه النيل وبالتالي فهو مسألة حياة أو موت.. وتعتمد مصر على مياه النيل للحصول على 90 % من احتياجاتها من الماء.

وفي نهاية فبراير الماضي، رفضت أديس أبابا التوقيع على الاتفاق حول السد الذي توسطت فيه واشنطن مع مصر والسودان والذي أستغرق أشهرا من المفاوضات.. وهو ما يضفي مزيدا من التعقيد على الأزمة التي تزداد حدتها كلما مضت أثيوبيا في خطواتها العملية في هذا الإطار والتي لا يمكن أن توصف إلا أنها هروب إلى الأمام ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع في القارة الأفريقيه وتحديداً على القاهرة والخرطوم.

وقعت القاهرة بالأحرف الأولى على اتفاقية صاغتها واشنطن وحاولت الضغط على أديس أبابا من أجل حثها على التوقيع بينما وصف الجانب الأثيوبي الموقف الأمريكي بأنه “غير مقبول على الإطلاق”.

الموقف الأمريكي من أديس أبابا جاء على لسان وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين الذي قال في تصريحات نقلتها وكالة رويترز إن ” الولايات المتحدة شعرت بخيبة أمل شديدة لغياب أثيوبيا” عن اجتماع توقيع اتفاق سد النهضة.. وجاءت تصريحات الوزير الأمريكي عقب تصريحات لوزير الخارجية الأثيوبي غيدو أندرجاتشاو قال فيها أن بلاده تبني سد النهضة “لأنها تملك الحق الكامل في ذلك مع التزامها بالحفاظ على مصالح دول المصب وعدم إلحاق أي ضرر بها”.

واستمرارا للتجاذبات اتهمت الخارجية المصرية أثيوبيا بتوجيه “إهانة غير مقبولة لجامعة الدول العربية” عندما ردت على قرار الجامعة بشأن سد النهضة.. رافضة جملة وتفصيلا بيان الخارجية الأثيوبية حول قرار الجامعة العربية الذي رفضت فيه المساس بحقوق مصر في مياه النيل واعتبار الأمن المائي لها جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.

الموقف المصري الرافض للانسحاب الأثيوبي من المفاوضات يعتبر أن هذا الانسحاب يؤكد سياسة المماطلة الأثيوبية التي تسعى من خلالها إلى كسب الوقت وصولا إلى بدء عملية ملء السد من جانب واحد قبل أن تضطر للتوقيع على اتفاق لا ترغب فيه وقبل الانتخابات العامة استغلالا منها لهذه القضية من أجل كسب التأييد الشعبي في الانتخابات.

ومضيا في هذا الاتجاه.. دعا رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد الأثيوبيين إلى الوحدة لإنهاء مشروع السد.. وقال في تصريح لوكالة الأنباء الأثيوبية إن “شجاعة الشعوب الأثيوبية تتمثل في إكمال سد النهضة الأثيوبي الكبير وجعل أثيوبيا مصدراً للطاقة لجيرانها”.

إصرار أثيوبي على المضي قدماً في استكمال المشروع – الذي يكتمل بناؤه رسميا في 2023- ووضع الجميع أمام الأمر الواقع ضارباً عرض الحائط بمواقف الدول المجاورة وهو ما يزيد الوضع تعقيداً ويمكن أن يضر بالأمن والسلم الدولي في هذه المنطقة.

فهل نقترب أكثر مما يمكن أن توصف بحرب المياه والوجود بسبب هذه الأزمة المتفاقمة..؟ خاصة في ظل تأكيد مصر على احتفاظها بحقها في استخدام كل الخيارات – بما فيها العسكرية – دفاعاً عن مصالحها الحيوية في مياه النيل.

وتأكيداً على ذلك، أعلنت اللجنة العليا المصرية لمياه النيل انعقادها الدائم لتقييم الموقف الحالي لمفاوضات السد على ضوء المواقف الأثيوبية الأخيرة وما يمكن أن تكون عليه خطة التحرك المصري لتأمين مصالح مصر المائية وحقوقها في مياه النيل.

ويعتبر الموقف السوداني أن تدخل الأطراف الأخرى – في إشارة إلى الولايات المتحدة – سيعقد الأمور بدلاً من حلها، حيث قال أمين عام هيئة الطاقة والتعدين السودانية المهندس تيجاني آدم في تصريح لوكالة الأنباء الأثيوبية إن “تدويل قضية سد النهضة لا يمكن أن يوقف المشروع، ولا يزيد ذلك إلا تعقيد الأمور وتأخير الحلول المتوقعة”.

لكن ومن جهة أخرى، تحفظت السودان على قرار الجامعة العربية وهو ما أثار استياءً وغضباً مصرياً حيث اعتبرت القاهرة أن التحفظ السوداني أفرغ القرار العربي من محتواه.

ورغم رعاية واشنطن للمفاوضات التي استمرت نحو 5 أشهر وللاتفاق الذي جاء نتاجا لها، إلا أن الموقف الأمريكي يأتي ملتبساً كعادته ومتسما بالغموض مابين سعي ترامب لأن يكون راعيا للسلام ومحاولة واشنطن لتحقيق مصالحها دون إغضاب أي طرف حيث يوحي لكل منهما بأنه في الطريق الصحيح، وبالتالي فإن كل طرف يعتقد بصواب موقفه استنادا إلى هذا الموقف الأمريكي، الذي لا يمكن أن يوصف إلا بأنه سلبي ومن الممكن أن يكون واحدا من الأسباب الرئيسية التي ستؤدي إلى نشوب الصراع.

لطالما أكدت مراكز الأبحاث الدولية والتقارير الأممية أن حروب المستقبل ستكون بسبب “الحرب على المياه”.. وهو الطريق الذي تتجه أكبر دولتين أفريقيتين نحو السير فيه لأن كلّاً من القاهرة وأديس أبابا تعتبران “معركة سد النهضة معركة وجودية”..!