الفوضى الدائمة: لماذا شوه الوجود الأمريكي الشرق الاوسط
إذا كان هناك أي درس يمكن تعلمه من ثلاثة عقود من التدخلات الأمريكية، فهو أن سياسات الدول الأجنبية معقدة للغاية, بحيث لا يمكن للقوى العظمى الخارجية أن تتدخل ولا ينتج عن هذا التدخل عواقب مكلفة غير مقصودة.
بقلم: بريان كلارك
(مجلة “ذا ناشيونال انتريست”, الامريكية- ترجمة: انيسة معيض-سبأ)
إنك لا تعرف ذلك من خلال سلوكها، لولا أن هدف السياسة الخارجية لأميركا في الشرق الأوسط كان ترسيخ الاستقرار, ولضمان الاستقرار يجب الوصول المستمر إلى نفط المنطقة وإبقاء الإسلاميين العدائيين والمحرضين عقائدياً بعيداً من السلطة، وكلا الامرين يصبان في المصلحة الوطنية لأمريكا, مع وجود قائمة طويلة من المجموعات المتنافسة التي تتنافس على النفوذ، كما أن الشرق الأوسط يعد قابلاً للانفجار بدرجة كبيرة بحيث لا يمكن تركه لأجهزته الخاصة بها.
لذلك، تبقي الولايات المتحدة على حوالي خمسين ألف جندي في المنطقة للتأكد من أن الوضع لن يتحول إلى فوضى.
وعلى الرغم من تعهداته بالقيام بخلاف ذلك، فإن هذا العدد في تزايد، حيث أضاف الرئيس دونالد ترامب خلال فترة ولايته الأولى بشكل ملحوظ المزيد من التواجد الأمريكي في السعودية والعراق والكويت.
ولكن بعد أكثر من عشرين عاماً من الفشل الذريع في الاعمال العسكرية واحد تلو الآخر في المنطقة، يجب أن يكون واضحاً الآن أنه إذا كانت أمريكا تريد تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، فعليها أن تخرج قواتها وتنهي مسئوليها.
إن المحاولات الأمريكية لإعادة النظام إلى المنطقة عادة ما يزيد الأمور سوءاً, على عكس الحكمة العامة لمؤسسة السياسة الخارجية، هذا ليس لأن أمريكا تفتقر إلى الوجود العسكري في المنطقة، ولكن لأنها تتواجد في المنطقة بشكل هائل.
واحدة من المشاكل الرئيسية مع وجود مثل هذه القدرة العسكرية القوية هي أن أمريكا تستخدمها, فالولايات المتحدة لديها عمليات انتشار للقوات في عشر دول شرق أوسطية، ومن الصعب مقاومة إغراء استخدام القوة عندما يكون لديك شبكة عسكرية كبيرة قائمة بالفعل.
وعندما تنشأ أزمة، كما حدث في ليبيا أو سوريا أو عندما يصل الخلاف السياسي إلى طريق مسدود، كما في العراق، فمن المرجح أن تتخلى الولايات المتحدة عن الحلول الدبلوماسية لتنتقل الى الحلول العسكرية, وغالباً ما ينتج عن القوة العسكرية غطرسة، حتى لو كانت حسنة النية، وليس هناك مثال أفضل على ذلك من أمريكا في الشرق الأوسط.
لا أساس له من الصحة بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون هناك، انه غالباً يتم فصل النوايا السياسة والنتائج السياسة.
إذا كان هناك أي درس يمكن تعلمه من ثلاثة عقود من التدخلات الأمريكية، فهذا يعني أن سياسات البلدان الأجنبية معقدة للغاية بحيث لا يمكن للقوى العظمى الخارجية أن تتدخل ولا ينتج عن تدخلها عواقب مكلفة غير مقصودة.
على سبيل المثال، من الموثق جيداً أن حرب العراق هي التي أوجدت الظروف المواتية لقيام تنظيم الدولة الإسلامية, وفرت مناطق حظر الطيران التي أنشئت بعد حرب الخليج دون قصد ملاذاً لمؤسسها، أبو مصعب الزرقاوي الذي هرب من الحرب الأفغانية ولتأسيس الجماعة.
كانت حرب العراق والتغيير اللاحق للنظام بعدها هو الذي أعطى داعش ساحة لخوض المعركة وتمكن من جمع انصاره وتجنيدهم من جميع أنحاء العالم.
وفي أوج التنظيم، تم السيطرة على ما مساحته مائة ألف كيلومتر مربع وكان تحت امرته ما بين عشرين ألف إلى ثلاثين ألف مقاتل، متحدياً نظام الحكم في الحكومة السورية والعراقية وكذلك في الفلبين ونيجيريا.
هل هذا يعني أن أمريكا “اوجدت” داعش؟ بالطبع لا, لكن لا يسع المرء إلا أن يلاحظ أن التدخلات الأمريكية هي التي أوجدت عن غير قصد مثل هذه الظروف المواتية للجماعة لكي تصل إلى السلطة، فلولاهم لكان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سيظل على الأرجح حلم غير محقق للمجاهد الأردني الوحيد.
ليست الأعمال العسكرية الأمريكية وحدها هي التي زعزعت استقرار المنطقة, كما أن سلوك من يحمونهم هو الذي ساهم في زعزعت الاستقرار.
يشهد الشرق الأوسط حالياً ما يسميه الكثيرون “حرباً باردة”، حيث تتنافس إيران والسعودية على النفوذ من خلال قواتهما بالوكالة.
تدعم الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية في جميع الظروف تقريباً، الأمر الذي شجع البلد وسمح لها باتخاذ مواقع عدوانية في أماكن مثل اليمن وقطر ولبنان.
كان العدوان السعودي مأساوياً بشكل خاص في اليمن, حيث تفادت قيادته الدبلوماسية لصالح السياسات التي أنتجت ما وصفته الأمم المتحدة بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وعلى الرغم من أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود بشكل واضح، فقد واصل النظام السعودي قصف المستشفيات وحفلات الزفاف والمنشآت المائية والأراضي الزراعية، كل ذلك في محاولات شديدة لترجح كفة الميزان لصالحها.
تم تحفيز هذا السلوك المتهور من خلال الغطاء الأمني الضمني المتمركز في نشر القوات الأمريكية داخل السعودية, ويمكن للنظام أن يتحلى بالعناد عندما يتمتع بحماية القوة العظمى الوحيدة في العالم.
إن قيام أمريكا بإضافة المزيد من الأفراد العسكريين داخل المملكة لن يؤدي إلا إلى تشجيع القيادة السعودية في المستقبل, وبالنظر إلى أن الكثير من الاضطرابات قد نشأت عن وجود القوات الأمريكية، فقد يتوقع المرء أن تخفض الولايات المتحدة معدلات تواجد قواتها، وليس إضافة المزيد بعد عشرين سنة من الخطط العسكرية المنهارة، هذا ما يدرك معظم الناس أنه يجب أن يحدث.
ومع ذلك، لم تغادر أمريكا المنطقة على الرغم من أن الإدارتين ركزت على سياسة الخارجية حول الانفصال عنها فقط للانزلاق إلى صراعات لم ترغب أي منهما في أن تكون جزءاً منها.
وبدلاً من تحقيق الاستقرار في المنطقة والسماح لأميركا بالتركيز على أولويات أخرى، فإن شبكة الأصول العسكرية الأمريكية الضخمة مقيدة بسياساتها.
تتدخل أمريكا حتماً عندما تتكشف المشاكل وغالباً ما تستخدم جيشها بطرق تؤدي إلى نتائج عكسية, وبالتالي يجب على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك إخراج جيشها من المعادلة حتى تطرح الحلول الأخرى نفسها.
*براين كلارك: محلل للسياسة الخارجية وله اهتمامات بحثية في الاستراتيجية الأمريكية الكبرى, تنشر اعماله في مجلة American conservative” ” الأمريكية.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.