بقلم: طائر الفينيق*

(موقع “ huffingtonpost -هافينغتون بوست” الفرنسي, ترجمة:أسماء بجاش – سبأ)

وصف توماس إدوارد لورنس* البدو في كتابه “المراسلات السرية من شبه الجزيرة العربية :(البرقيات الدبلوماسية السرية المنشورة عام 1939) إن قوة القبائل تكمن في أسلوب العصابات وإن كان استراتيجياً فهو أسلوب دفاعي”.

يمتاز العرب كونهم أذكياء أصحاب نظرة ثاقبة, تملئ حياتهم الحيوية والنشاط, بيد أنهم غير مبالين نوعاً ما, ولا ينصاعون وراء أولي الأمر منهم، كما أنهم لا يقاتلون في الصفوف الأولى أو يساعدون بعضهم البعض.

غزا عبد العزيز بن سعود في الفترة  ما بين 1920 و 1932, معظم أراضي منطقة شبه الجزيرة العربية وأسس على أثر ذلك ما يعرف اليوم باسم المملكة العربية السعودية وأصبح ملكاً عليها, جعل وجود النفط من أراضي هذه المملكة بلداً ثرياً، كما زرع المذهب الوهابي في شبه الجزيرة العربية مع السيطرة على منطقة شبة الجزيرة العربية للتمهيد لاحتلال البلاد الإسلامية والعربية فكرياً والتي ترتكز على مبدأ عدم استقرار الدول العربية والإسلامية أولا, ومن ثم خوض حروب عليها.

وبفضل هذه الطفرة النفطية غير المتوقعة، أصبح الجيش السعودي الآن يملك ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم، متقدماً على فرنسا أو بريطانيا العظمى أو حتى روسيا.

ومع ذلك، ومع موارد أكبر بحوالي 100 مرة, أثبت هذا الجيش -السعودي-  عدم  قدره على هزيمة المتمردين الحوثيين في اليمن.

وبعد استثمار مليارات الدولارات في أزمة إنسانية زجت بثلثي السكان في اليمن إلى شفا مستنقع الموت جوعاً, ينتقل الجيش السعودي من هزيمة إلى اخرى ولا يستطيع حتى حماية عاصمته الرياض من الصواريخ الحوثية – هجوم مارس 2018-  فما كان من المفترض أن يستمر “ليومين” أصبح اليوم بعد أكثر من أربع سنوات “فيتنام” آل سعود.

إن الحرب في اليمن ما هي إلا إرادة الأمير محمد بن سلمان الذي حقق فوزاً سريعاً في تلطيخ سمعته في الشرق الأوسط بعد أربع سنوات من الحرب والتي أثبت أنه كان على رأس جيش غير قادر على كسب هذه الحرب.

الأمير محمد في ثلاث شخصيات: 

يتربع الأمير محمد بن سلمان على قاعدة قوية وثابتة على حد سواء, فهو نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع, لكن محمد بن سلمان يمتاز أيضاً بثلاث شخصيات.

أولاً: فهو “المصلح”, فمنذ أن أصبح ولياً للعهد في يونيو من العام 2017,  قام بالحد من صلاحيات الشرطة الدينية في جميع ارجاء المملكة، كما قام بمنح تأشيرات للسياح الأجانب لزيارة المملكة، ناهيك عن رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة وأذن بأحياء أول حفل موسيقي قدمته امرأة وفتح أبواب الملاعب أمام النساء, فقد أُجرى العديد من المقابلات موضحاً أنه يريد الخروج عن التفسير المحافظ جداً للإسلام الذي تبنته البلد منذ العام 1979.

وفي الفترة من يونيو 2017 إلى أكتوبر 2018, تم تصوير الأمير محمد بن سلمان مع السياسيين والنجوم ورواد الأعمال في سيليكون فالي, فقد تم تصوره على أنه المصلح الذي طال انتظاره في سلالة آل سعود.

فوراء وجه هذا المصلح يختبئ وجه أخر أكثر أستبداداً, ففي أكتوبر من العام 2018, تم تصفية الصحفي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية, ولم يتم العثور على جثه مطلقاً.

ولتنفيذ العملية الاغتيال, تم إرسال فريق مكون من خمسة عشر رجلاً، من بينهم حرس شخصيون لولي العهد السعودي, حيث تم تقطيع جسده إلى أجزاء وتم تذوبيها في حمض, وبهذا يكتشف العالم مدى الرعب الذي يستطيع الأمير الإصلاحي القيام به.

ومنذ ذلك الحين، تضاعفت الشكوك حول ولي العهد السعودي, إذ يشتبه في كونه من يقف وراء اختراق هاتف الملياردير جيف بيزوس ومالك صحيفة واشنطن بوست التي كان خاشقجي يعمل كاتب عمود فيها، والاعتداء على المعارض السعودي الذي يتمتع بحق اللجوء السياسي في بريطانيا منذ العام 2003, غانم الدوسري وصديقه الكندي الان بندر من قبل عملاء سعوديين في لندن، بالإضافة إلى خطط التجسس على خديجة جنكيز, خطيبة خاشقجي خلال زيارتها إلى لندن في شهر مايو الماضي وخطة خطف المعارض عبد الرحمن المطيري في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من حالات التعذيب والإعدام وانتهاكات حقوق الإنسان.

ومع الدعم غير المشروط من الرئيس الأمريكي الحالي والمتأثر بصهره جاريد كوشنر الذي يقود السياسة السعودية في البيت الابيض، وفقاً لمايكل وولف، هل يعتقد محمد بن سلمان أن كل شيء على ما يرام؟

وأخيرا، فهناك أمير “حرب”, ففي يناير من العام  2015, في سن التاسعة والعشرين، أصبح محمد بن سلمان، أصغر وزير دفاع في العالم, وفي مارس من العام ذاته، أطلق العنان للعملية العسكرية في اليمن تحت مسمى “عاصفة الحزم”، وهي الحرب التي من المفترض أن تستمر “يومين”, حيث سعت السعودية التي تترأس تحالف من عشر دول سنية لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، وهذا الأخير قد تم الإطاحة به من قبل الحوثيون أصحاب العقيدة “الزيدية الشيعية”.

 الموارد التي يمتلكها التحالف العربي للغاية:

–         100 طائرة مقاتلة سعودية من طراز F15 ، وطائرات تورنادو وتيفون.

–         150 ألف مقتل ، تدعمهم 86 طائرة مقاتلة من دول التحالف الأخرى بالإضافة إلى العديد من الجنود، بما في ذلك المرتزقة السودانيين الذين زجت بهم دولة الإمارات العربية المتحدة في الحرب, وبعد أربع سنوات تعثر الصراع الدائر في اليمن.

نكاد نغفل الذكر عن الهدف الاساسي: سعت الرياض إلى تجنب نشوب حرب أهلية على أعتابها واحتواء النفوذ الإيراني، ومعاقبة الشيعة، وتوسيع مد النفوذ السعودي، وتطوير خط أنابيب النفط عبر اليمن من أجل تحرير نفسها من تهديدات طهران في منطقة مضيق هرمز, وذلك لضمان الاستمرارية البحرية بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي, وانتهز فرصة النصر ليصبح الزعيم الإسلامي الأوحد بدون منازع ؟

الميزانية العسكرية الثالثة على مستوى العالم:

وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، تُقدر ميزانية الدفاع السعودي 67 مليار دولار, في حين أشار المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره في  لندن, أن ميزانية الدفاع السعودي بلغت 82 مليار دولار, ففي كلتا الحالتين، فإن هذه الميزانية تعتبر ثالث أكبر ميزانية في العالم بعد الولايات المتحدة والصين وقبل روسيا أو فرنسا أو بريطانيا العظمى أو الهند.

فمنذ عقود مضت، اقتنت مملكة آل سعود معدات أمريكية وبريطانية وفرنسية الصنع, حيث  أصبحت المملكة المستورد الثاني للمعدات العسكرية في العام 2015, وفي ظل هذا الزخم يستمر الأمير محمد بن سلمان في الإنفاق بوتيرة متسارعة  بنسبة أكثر من 200٪  خلال السنوات الست الماضية!

ووفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية تجاوزت الميزانية السعودية في العام 2017 الميزانية الروسية, مع 227000 جندي وأكثر من 1000 دبابة و 300 طائرة مقاتلة، مع وجود أكثر من 150 مركز قيادة عسكرية, دون احتساب القوة البحرية لنظام الدفاع باتريوت المضاد للصواريخ، والصواريخ الصينية الصنع، فبهذه القوة كان من المفترض على الجيش السعودي فرض الهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط.

الجيش الأكثر فعالية؟

في سبعينيات القرن الماضي، ومن خلال إجراء تحليل كمي للقوات المشاركة خلال الحرب العالمية الثانية، طور المؤرخ والعسكري الأمريكي تريفور دوبوي فهرساً أطلق عليه اسم “درجة فاعلية القتال”, فمن خلال هذه الفكرة، أظهر فاعلية أكبر للجيش الألماني ضد الجيش الأمريكي.

ما يهم ليس عدد الرجال، ولا المعدات, أو الوسائل المالية  والمجالات التي كان الأمريكيون متفوقين فيها، ولكن ما يهم, يكمن الأمر في أكثر العوامل “النوعية” التي يبدو أنها  تفسر قدرة الفيرماخت* على المقاومة لأكثر من عام في تحالف عظيم.

ولو تم تطبيق هذا المؤشر على الصراعات الأخيرة، لوجدنا على الأرجح مستوى عالي من الضعف في جيش الدفاع الإسرائيلي أو الجيش الروسي، ولكن الجيش السعودي ربما يكون واحداً من أضعف القوى على مستوى العالم.

يصف تقرير فرنسي سري تم تقدميه إلى مجلس الدفاع في أكتوبر من العام 2018 عدم كفاءة القوات السعودية، ولاسيما من حيث التنقل أو الدعم الجوي المباشر أو عدم خبرة طياريها, مقارنة بالإماراتيين, فكيف تفسر ذلك؟

الدافع:

السعوديون يعيشون في مجتمع غير متكافئ جداً, فالآلف من “أفراد الاسرة المالكة” لا يؤدون خدمة التجنيد الإجباري, في حين لا ترغب الطبقة الوسطى السعودية في شن الحرب ( في سبتمبر الماضي، بعد الهجوم الحوثي على محور (نجران), حيث استسلمت ثلاثة ألوية سعودية, كما تم أخذ المئات من المعدات والمركبات القتالية…).

الهيكل التشغيلي:

يشير يوئيل جوزانسكي, من المعهد الوطني للإحصاء في تل أبيب، أن المجتمع السعودي هو واحد من أكثر المجتمعات الهرمية في العالم ذو البنية العسكرية المفرطة في المركزية, حيث لا أحد يتخذ قراراً دون الإشارة أولاً إلى الأعلى, خلافا لمبادئ اللامركزية المستخدمة في الاستراتيجية العسكرية الحديثة.

التجربة:

لم يشارك الجيش السعودي في أي حرب منذ العام 1991, على عكس دولة الإمارات العربية المتحدة أو الأردن.

التدريب: بحسب الجيش الأمريكي المتواجد في الأراضي السعودية, يتمتع السعوديون بصفة عامة بالقصور في مجال العمل العسكري.

صيانة المعدات:

ينفق الجيش السعودي ثروات طائلة, يتم دفعها للمقاولين الأمريكيين, وذلك من أجل صيانة الطائرات والدبابات وإعادة تزويدها بالوقود ….

القيادة العسكرية:

غامر الأمير  محمد بن سلمان بسمعته في منطقة الشرق الأوسط بسبب الصراع اليمني, ومع ذلك، فقد خسر بالفعل هذه الحرب, حيث ستكون اليمن “فيتنام” طموحاته في المنطقة.

*طائر الفينيق روائي، متخصص في الحرب السوريه ووحدات حماية الشعب والدولة الإسلامية والجيش والمخابرات.

* الفيرماخت: قوة الدفاع, هو اسم القوات المسلحة الموحدة لألمانيا وتشمل كلاً من الجيش والبحرية وسلاح الجو.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.