في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هناك عدد لا يستهان به من الدول ذات السيادة والمعترف بها عل الصعيد الدولي والتي تتمتع بوجود خارطة حدود رسمية, إلا أن هذه  الحكومات ليس لها وضع فعلي, ويغلب في كثير من الأوقات، أن تسد ثغرات الحوكمة جهات فاعلة بديلة تؤدي وظائف من نوع الدولة بدلاً من المؤسسات الرسمية الضعيفة أو بجانبها, والنتيجة هي أوامر مختلطة حيث يكون التمييز بين الجهات الفاعلة الرسمية وغير الرسمية في الدولة غير واضحة الملامح، بالإضافة إلى الحدود بين فضاءات الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي وغير المشروع.

 

بقلم:د/ محمد شتاتو*

 

(موقع “أرتكل 19- article19 ” المغربي الناطق باللغة الفرنسية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

 

الفوضى في اليمن:

 

وفي حين لا يزال اهتمام العالم منصباً على الوضع الحاصل في سوريا والعراق وأفغانستان وسقوط داعش، تذللت المأساة في اليمن أسفل قائمة الجغرافيا السياسية المتنازع عليها في المنطقة.

 

تعود حيثيات الصراع الدائر في اليمن إلى العام 2011، عندما أجبر الربيع العربي الرئيس الاستبدادي للبلد، علي عبد الله صالح، على التنازل عن مقاليد الحكم لنائبه في ذلك الوقت، عبد ربه منصور هادي.

 

بدأ القتال في العام 2014 عندما تمكنت الحركة الحوثية من بسط سيطرتها على محافظة صعدة الشمالية, مستغلين ضعف حكومة هادي، ومن ثم واصلت السير صوب العاصمة صنعاء مما أجبر الرئيس هادي على الفرار إلى المنفى.

 

الحرب الأهلية المنسية

 

 

 

 

 

 

 

في أواخر مارس من العام 2015، بدأ التحالف الذي تقوده الرياض والمنضوية تحت رايته دول مجلس التعاون الخليجي بشن حملة عسكرية على اليمن لردع وكسر وهزيمة الحوثيين الذين يعتبرونهم وكيلاً إيرانياً في المنطقة الحدودية بين السعودية و اليمن.

 

ينظر إلى الصراع في اليمن بأنه واحد من أعنف الصراعات الحاصلة في العصر الحديث، حيث أسفر عن مقتل 80 ألف شخص, كما وقع البلد في شرك أسوء أزمة إنسانية خطيرة, ناهيك عن كون ما يقرب من 16 مليون شخص لا يحصلون على الغذاء الأساسي والمياه النظيفة الصالحة للشرب, بالإضافة إلى انعدام الرعاية الطبية الأساسية بسبب الحصار البحري الذي تفرضه السعودية على الموانئ اليمنية.

 

أطباق وباء الكوليرا خناقة على حوالي مليون شخص مع استمرار التدفق المتواصل للأسلحة والذخيرة في ظل تفاقم المأساة، ناهيك عن كون اليمن اليوم ممزق من قبل الجماعات المتنافسة والميليشيات والجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية أو المعروف باسم “داعش” و تنظيم القاعدة وغيرها.

 

وعلى الرغم من أن الفوضى التي يعيشها البلد هي نتيجة لموجة الربيع العربي التي جابت المنطقة في العام 2011، إلا أن بذورها قد بدأت قي ظهور منذ القدم, فقد كان جنوب اليمن مستعمرة بريطانية حتى خروج أخر جندي بريطاني منها في العام 1967، وعلى أثر ذلك تم قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في المناطق الجنوبية وعاصمتها عدن, في حين عرفت المناطق الشمالية بالجمهورية العربية اليمنية، وهي دولة عربية إسلامية عاصمتها صنعاء.

 

خلال الحرب الباردة، كان دولة اليمن الجنوبي متحالفة مع الاتحاد السوفيتي, حيث كان البلد الشيوعي الوحيد في العالم العربي, فقد تم استبدال البحرية البريطانية بالبحرية السوفيتية في عدن, كما دعم السوفييت اقتصاد اليمن الجنوبي لتشجيع الحركات الماركسية عبر سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية واليمن الشمالي.

 

ومع ذلك، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أفلست جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وتم دمجها مع شمال اليمن تحت قيادة الرجل القوي علي عبد الله صالح، المعروف باسم رجل الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية في مايو من العام 1990.

 

ارتفعت حدة التوترات الجيوسياسية عندما أختار اليمن الوقف ضد عمليات تدخل التحالف الأمريكي الذي قاد العمليات العسكرية في حرب الخليج الأولى في العام 1991, كما أختار دعم نظام الرئيس صدام حسين في العراق.

 

ومن جانبها, شعرت الرياض ودول التحالف الغربي بالإزعاج من هذا الاختيار والتصرف, وبالتالي عملوا على قطع المساعدات المالية عن اليمن مما مهد الطريق أمام تمرد جديد بقيادة نائب الرئيس في ذلك الوقت علي سالم البيض, حيث سعى إلى اعادة اليمن إلى حدود ما قبل مايو 1990.

 

ومع ذلك، ظل اليمن موحد تحت قيادة الرئيس صالح, حيث تم سحق الحركة الإنفصالية وحل محله – سالم البيض- وزير الدفاع آنذاك عبد ربه منصور هادي في العام 1994.

 

في منتصف التسعينات القرن الماضي، صارع اليمن تهديداً آخر من تنظيم القاعدة الإرهابي الذي نفذ الهجوم على المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في ميناء عدن في 12 أكتوبر 2000.

 

وفي وقت لاحق، أطلقت الحكومة اليمنية عملية لتعقب وإغلاق المعاقل الإرهابية للتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتي كانت مدعومة بشكل مباشر من قبل زعيم التنظيم أسامة بن لادن.

 

السيطرة الحوثية:

 

دفعت الحركة الحوثية بمقاتليها نحو ميناء عدن الجنوبي، بعد أن أجبروا الرئيس هادي على الفرار من صنعاء إلى عدن، ومن ثم إلى الرياض حيث يمثل حالياً الحكومة اليمنية في المنفى.

 

قادت محاولة الحوثيين لإسقاط جنوب اليمن المملكة العربية السعودية إلى إعلان تشكيل تحالف عربي مكون من دول مجلس التعاون الخليجي –باستثناء سلطنة عمان- حيث أخذ هذا التحالف على عاتقة مهمة ردع الحركة الحوثية في العام 2015, ومن هناء بدأت العمليات العسكرية للرياض بقصف صنعاء بمساعدة حلفاءها الإماراتيين, كما يتلقى التحالف الذي تقوده السعودية الدعم من مصر وتشاد ودول إسلامية أخرى في شمال أفريقيا, حيث أرسلت قوات لمحاربة الحوثيين في اليمن.

 

شهد اليمن مطلع ديسمبر من العام 2017، تصفية الرئيس السابق صالح، الرجل الذي وحّد اليمن والذي من خلال مباركة المملكة العربية السعودية بالأطاحة به في وقت لاحق, فالبرغم من كونه كان في السابق مدعوم من الحوثيين ضد هادي, إلا أن الحركة اختارت تصفيته عندما حاول فتح قناة للتواصل مع السعودية والإمارات من أجل إعادة توحيد اليمن.

 

بعد سنوات من الصراع الدائر في اليمن, أصبحت الحرب عبارة عن وباء صديدي متقيح في شبه الجزيرة العربية التي بدأت تقوض الدفاع السعودي من خلال القتال المنتظم على المناطق الحدودية وإطلاق صواريخ سكود والمضادات الجوية ضد دول التحالف.

 

ومع استمرار إيران في تمويل وتسليح الحركة الحوثية ضد دول التحالف الذي تقوده الرياض، كشفت التقارير الأخيرة الواردة من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عن كيفية تزود هذه الدول الأوروبية والولايات المتحدة أيضاً بالأسلحة لدول العدوان التي تستخدم تلك الأسلحة الفتاكة بشكل عشوائي ضد السكان المدنيين في اليمن.

 

ويظهر تقرير حديث صادر عن ادارة الأمن الفرنسية والاستخبارات العسكرية أن التحالف الذي تقوده الرياض يعتمد في المقام الأول على الأسلحة الأمريكية الصنع, بالإضافة إلى أسلحة من دول حلف شمال الأطلسي، مثل طائرات  F-15 الأمريكية، وطائرات التورنادو البريطانية وأنظمة محاكي الطيران القتالي  EF-2000.

 

سرب من الدبابات السعودية في اليمن

 

 

 

 

 

 

 

كما قامت وزارة الدفاع السعودية بتحصين حدودها الجنوبية المتاخمة للأراضي اليمنية بدبابات أبرامز الأمريكية و دبابات أي أم أكس – 30 الفرنسية, كما تستخدم مدافع غربية الصنع, كما يضم الأسطول البحري السعودي سفن حربية أمريكية وفرنسية, حيث يتم استخدامها في فرض الحرص البحري على البلد, بالإضافة إلى طائرات الهليكوبتر, فجميع هذه الأسلحة والمعدات ساعدت في تحويل هذا البلد إلى محتضن أسوء كارثة إنسانية على مستوى العالم, بحسب التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة.

 

مثل إيران، غضت القوى الغربية الطرف عن دعمها للحرب الوحشية في اليمن, في حين أبدت المملكة المتحدة المزيد من التعاطف حول ملف إمداد المملكة السعودية بالأسلحة، ومن جانبه, استخدم الرئيس الأمريكي ترامب حق النقض ضد قرار تبناه الكونغرس لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن, حيث صرح بشكل قاطع بأنه لا يمكنه التخلي عن صفقات بقيمة 110 مليارات دولار مع الرياض جراء حربها في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران.

 

ومع أن القت الحرب في اليمن بظلالها على الاقتصاد السعودي وسط تراجع في  أرباح النفط، تولى ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان مسؤولية السياسة الخارجية السعودية وأقام علاقات مع ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد الذي كان حريصاً جداً على إيجاد حل لضعف ووهن حكومة هادي.

 

وبالنظر إلى أن تصريحات القادة المقيمين في الرياض, لا يتم تقدم بديلاً موثوقاً لليمن، فقد أيد صناع القرار الإماراتي صعود المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو من العام  2017 في عدن، الذي يسعى لإنشاء دولة منفصلة في جنوب اليمن على غرار ما كانت السعودية تريده عقب حرب الخليج.

 

الإماراتيون غير متأكدين من دور الذي سيلعبه هادي في مستقبل اليمن مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين اليمنية التي سيطرت على عدن والمناطق المحيطة بها بعد معركة عنيفة.

 

فقد قام الإماراتيون بنشر عدد كبير من العسكريين المتعاقدين وقرابة 450 من المرتزقة من تشيلي والسلفادور وبنما وكولومبيا في اليمن, حيث أكدت مصادر من السلفادور أن ما يقرب من 100 شخص من مرتزقتها  قد تم نشرهم في اليمن وكذلك العديد من المكسيكيين, في الحروب الممولة من المخدرات والتي تربط أمريكا اللاتينية بالشرق الأوسط.

 

هل هناك طريقة للخروج؟

 

مع اقتراب الصراع في اليمن من عامه السادس، يبدو أن سلسلة الأحداث الدامية تزداد حدة مع مرور كل يوم, فقد تعرضت البلد المقسمة بين السلطتين المتوازيتين – الحركة الحوثية في الشمال وحكومة عبد ربه منصور هادي في الجنوب – للدمار في الوقت الذي يحاول فيه الجانبان السيطرة على الطرف الآخر.

 

وقد ازداد الوضع تعقيداً بسبب ظهور أحزاب أخرى ذات أيديولوجيات متباينة، بما في ذلك تنظيم القاعدة والمجلس الانتقال الجنوبي المدعوم من إماراتياً.

 

وبالنظر إلى أن الصراع قد تحول من حرب أهلية إلى حرب بالوكالة بفضل تدخل قوى أجنبية، فإن النهاية الفورية لهذه الكارثة تبدو غير محتملة, وعلى أية حال، يبقى العبء الأكبر على كاهل الشعب اليمني.

 

عدن، عاصمة جنوب اليمن

 

إن القصف السعودي لليمن المراد منه سحق حركة انصار الله ومواجهة المد الإيراني في البلد لم يلحق ضرر لا يمكن إصلاحه فحسب، بل جعل المملكة العربية السعودية نفسها عرضة لهجمات الحوثيين, فقد كان الهجوم على شركة أرامكو السعودية في 14 سبتمبر 2019، الذي تبناه الحوثيون، أكثر الأعمال العسكرية ضرراً على الإطلاق بالنسبة للسعودية.

 

بالإضافة إلى ذلك، يزعم الحوثيون أنهم قتلوا 500 جندي سعودي في سبتمبر2019, في حين اعتقلوا 2000 آخرين، كما غنموا مجموعة كبيرة من المعدات العسكرية، وهي حقائق لا تزال مهينة بالنسبة للمملكة, وليس هذا فحسب, بل أظهر القدرات العسكرية الكبيرة التي تتمتع بها الحركة الحوثية والتي رفضتها السعودية في السابق.

 

إن حجم الهجمات يعني مدى يأس الحركة الحوثية بعد ست سنوات من القتال العنيف دون وصول المساعدات الإنسانية بسبب الحصار, حيث يُظهر الهجوم أن الحوثيين قرروا إنهاء الحرب بأي وسيلة من الوسائل المتاحة: الإكراه أو التفاوض, وبعد أن تراجعت الرياض عن خطة سلام انصار الله الحوثية، قد يجبر الهجوم على أرامكو القادة السعوديين في نهاية المطاف على التفكير في إجراء مفاوضات.

 

تغير الموقف التفاوضي من كلا الجانبين، مع اكتساب الحوثيين المزيد من السلطة في الوقت الذي يواجه فيه التحالف الذي تقوده السعودية انقسامات داخلية عملت على إضعافه.

 

تحالفت الحركة الانفصالية الجنوبية في بادي الأمر مع حكومة هادي, غير أن الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه كل طرف من الأطراف يختلف اختلافا جذرياً, إذ لطالما ناضل المجلس الانتقالي الجنوبي من أجل استقلال اليمن الجنوبي عن الحكومة المركزية في صنعاء، في حين يسعى هادي إلى السلطة الكاملة على البلد بأكمله.

 

وفي الآونة الأخيرة، انفصل المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل نهائي عن حكومة هادي وبسط سيطرته الآن على عدن, وبهذا، فقد هادي العاصمتين، صنعاء وعدن.

 

وعلى الرغم من أن المفاوضات الجارية بين حكومة هادي، المدعومة من المملكة العربية السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، إلا أنه من غير المرجح أن يتخلى المجلس الانتقالي الجنوبي عن مطلبه بحكم اليمن الجنوبي كدولة منفصلة.

 

إن مدى الدعم السعودي لحكومة هادي أصبح مشكوك فيه بعد الهجوم الذي استهدف عصب صناعة النفط السعودي “شركة أرامكو”, بالإضافة إلى ذلك, العملية العسكرية التي نتج عنها سقوط عدد كبير من القتلى والمئات من الأسر في صفوف الجنود السعوديين (على الرغم من أن عدد وجنسية الجنود لا يزالان موضع خلاف) في صيف عام 2019.

 

وفي مثل هذه الظروف، يكون الخيار المنطقي هو تقسيم اليمن إلى قسمين ولهذا سابقة تاريخية، حيث لم يكن اليمن الحديث موجوداً كدولة واحدة حتى العام 1990, فقبل ذلك، كان اليمن دائماً منفصلاً عن الشمال والجنوب.

 

كان الشمال موجوداً أولاً كدولة منفصلة (حديثة) في ظل الحكم الزيدي الثيوقراطي، ثم في ظل حكومة قومية عربية استبدادية في النصف الثاني من القرن العشرين, غير أن وضع الدولة الجنوبية ظل موضع شك لسببين أساسيين:

 

الأول: هو الواقع الديمغرافي في المنطقة, على الرغم من أن الجنوب يمثل حوالي 70% من الأراضي اليمنية الموحدة، إلا أن قلة عدد سكانه تعني أنه ظل تحت سلطة السلطات القبلية، دون أن تتمكن أي سلطة مركزية من بسط سيطرتها.

 

والثاني: يكمن في وصول البريطانيين في نهاية القرن التاسع عشر إلى المنطقة, بمعني أن جنوب اليمن أصبح محمية بريطانية حتى العام 1963.

 

ونتيجة لذلك، لم تشهد المنطقة الجنوبية سيطرة مركزية, حيث تم انتقال سلطة السياسيّة إلى السكان أصليين فقط في العام 1967 بعد كفاح مسلحة ضد الاستعمار بريطانية.

 

ومن الأدلة الأخرى التي تدعم مفهوم الانقسام في اليمن غياب الإجماع السياسي بعد وقت قصير من الوحدة في العام 1990.

 

وبما أن الشمال، بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح، أراد تعزيز أقصى قدر من السلطة، لم يتمكن قادة الجنوب من الاندماج في جهاز الدولة الجديد وسرعان ما أدى ذلك إلى إعلان دولة جنوبية منفصلة في العام 1994.

 

ونتيجة لذلك، أدى القتال بين الحكومة والانفصاليين إلى تفاقم وتدهور الوضع  في البلد, وقد أدت ثورة الحوثيين التي تهدف ضمان مشاركتهم في الساحة السياسية إلى زيادة تفاقم الوضع.

 

وهكذا، لم يتمكن اليمن منذ توحيده من تعزيز مجتمع تعددي، مع تغليب الخلافات على القومية الموحدة دون نتيجة طبيعية ديمقراطية وتعددية.

 

يبقى التقسيم الخيار الوحيد:

 

ولذلك، يظل التقسيم الخيار الوحيد الذي يمكن أن يضمن السلام لجميع الأطراف ويضمن مصالح جميع الأطراف المشاركة والفاعلة في الصراع, فعلى الصعيد الداخلي، لا يمكن للحركة الحوثية التقدم إلى ما وراء الشمال لأنهم سيواجهون معارضة قوية في الجنوب بسبب التوترات الطائفية.

 

وبالمثل، وفي حين أن حجم سلطة الحوثيين في الشمال قد ازداد، فمن غير الوارد أن تتمكن حكومة هادي من السيطرة على تلك المناطق وحتى لو عادت إلى الأرض، فإن حركة الحوثيين ستستمر.

 

ومن خلال منح الحوثيين السيطرة على شمال اليمن وترك جنوب اليمن لتحالف بين حكومة هادي و”المجلس الانتقالي الجنوبي”، لن يكون احتمال السلام مضموناً فحسب، بل سيكون القتال ضد تنظيم القاعدة وداعش أكثر فعالية أيضاً.

 

فمن الناحية الأيديولوجية، يعارض الحوثيون الفصائل المتطرفة مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.

 

وبالمثل، وبسبب طابعها العلماني، يعارض المجلس الانتقالي الجنوبي أيضاً مثل هذه الجماعات العقائدية والعنيفة.

 

تضم حكومة هادي بعض الفصائل الإسلامية مثل حزب الإصلاح، على الرغم من أن أي تعاون مع تنظيم القاعدة وداعش أمر لا يجول في خاطر احد, بالإضافة إلى ذلك، يواجه هادي وضعاً صعباً بسبب الغياب الفعلي للعاصمة، إذ يحكم أنصار الله والمجلس الانتقالي الجنوبي كلا العاصمتين  صنعاء وعدن على التوالي.

 

وبهذا المعنى، فإن التقسيم اضحى واقعاً ضروريا أيضاً لمكافحة الفقر والتطرف، اللذين يسيران بمحاذاة بعضهما البعض.

 

وفي الاخير، تشجع البيئة الجيوستراتيجية كذلك على تقسيم اليمن, ومن شأن حل النزاع في اليمن أن يوفر فرصة للتقارب بين إيران والسعودية، وبالتالي التقليل من عدم الاستقرار الإقليمي، لاسيما بعد تصفية الجنرال الإيراني قاسم سليماني في أوائل يناير من هذا العام من قبل الأمريكيين.

 

وعلاوة على ذلك، وبما أن اليمن الشمالي سيوافق عليه المجتمع الدولي كدولة منفصلة تحت حكم انصار الله ، يمكن البدء باتصالات دبلوماسية بين السعودية والحوثيين.

 

ومن شأن ذلك أن يسفر عن نتيجتين إيجابيتين:

 

الأولى: حماية الحدود السعودية والمرافق الواسعة النطاق مثل المطارات ومصافي النفط من هجمات الحوثيين.

 

الثانية: الوقف النهائي للغارات الجوية السعودية، التي حصدت أرواح آلاف  الأشخاص, وبالإضافة إلى ذلك، سيتم رفع الحصار وستنهال بذلك المعونة الدولية,  وبالتالي، يمكن أن يكون تقسيم اليمن، على الصعيدين الوطني والإقليمي، الخطوة الرئيسية نحو السلام في المنطقة التي لطالما خيمت عليها التقلبات والتوترات.

 

*1 الدكتور محمد شتاتو: أستاذ العلوم التربوية بجامعة الرباط, يعمل حالياً محلل سياسي في الإعلام المغربي والخليجي والفرنسي والإيطالي والبريطاني حول السياسة والثقافة في الشرق الأوسط والإسلام وكذلك الإرهاب وهو أيضاً متخصص في الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يهتم بجذور الإرهاب والتطرف الديني, يدرس التعلم القائم على المجتمع، التراث اليهودي المغربي والتاريخ والثقافة الأمازيغية للطلاب الأميركيين في أمديست المغرب بالرباط ، وتاريخ شمال إفريقيا لطلاب برنامج IES (شيكاغو) في الخارج، ومقدمة للثقافة المغربية والربيع العربي في CIEE لطلاب الأمريكان, كما يقوم بتدريس الاتصالات الشخصية والتجارية وكذلك الترجمة التحريرية والشفوية في معهد دراسات القيادة والاتصال (ILCS) في الرباط.

 

*2 مؤسسة بروكينغز: مؤسسة فكرية أمريكية مقرها واشنطن تعتبر  واحدة من أقدم مؤسسات الفكر والرأي، حيث  تقوم بإجراء الأبحاث والتعليم في مجال العلوم الاجتماعية، وفي المقام الأول تهتم بالاقتصاد، والسياسة الحضرية، والحكم، والسياسة الخارجية، والاقتصاد والتنمية في العالم.

 

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.

الفوضى في اليمن، إلى متى؟تحليل ( الجزء الأول )

الجزء الاول :