اليمن… بين مصالحة وتمرد!
بالرغم من توقيع اتفاقية مصالحة في 5 نوفمبر الماضي بين اثنين من أهم الأطراف الفاعلة في الصراع الحاصل على الأراضي اليمنية، إلا أننا لا نجد آثاراً ملموسة على أرض الواقع حتى اللحظة، في حين يفترض أن يقف كلاهما صفاً واحداً في وجه العدو المشترك المتمثل في المتمردين الحوثيين وخلافاً لذلك فهناك العديد من المؤشرات التي توحى بإمكانية انهيارها.
بقلم: آن بينيديكت هوفنر
باريس، 29 يناير 2020 (صحيفة “لا كروا” الفرنسية, ترجمة: محمد السياري –سبأ(
هل كان اتفاق السلام المبرم بين الحكومة الشرعي في اليمن والعناصر الانفصالية المسيطرة على العاصمة المؤقتة للبلد عدن، مدفوعاً بمصداقية البحث الجاد عن مخرج حقيقي يقود إلى بر الأمان؟
من الجلي للعيان أن مصفوفة الصراع القائم على الأراضي اليمنية لا تزال تحمل في أحشائها ما يجعل كافة التوقعات والرهانات تتساقط في ظل التناقضات والمصالح المتعارضة التي تعصف بالبلد شمالاً وجنوباً:
ففي مطلع نوفمبر الماضي، احتفت هذه المنطقة – التي مزقتها حرب أهلية دامية منذ أوائل العام 2014 – بالتوصل إلى اتفاق مشترك كان من المفترض أن يضع حداً حاسماً لإحدى الصراعات الداخلية التي زعزعت أمنها واستقرارها ودفعت بها إلى حافت الهاوية وبالرغم من انقضاء ما يزيد على شهرين، إلا أن الجهود لازالت “قيد الاستعداد” ولم يتم الوفاء بأي من الالتزامات التي جرى التعهد بها؛ وفي اتجاه مخالف لذلك، تحلق في الافق العديد من المؤشرات التي تنبئ بالانهيار الوشيك للصالحة.
وفي السياق ذاته، هناك العديد من الدلالات التي بالإمكان الاستناد إليها لنستشف أمكانية انهيار تلك الاتفاقية على غرار ما جاء على لسان زعيم الحركة الانفصالية المسيطرة في جنوب البلد “عيدروس الزبيدي” وفي إطار لقاء صحافي مع وكالة الأنباء الفرنسية في 16 يناير الجاري، أكد هذا الأخير على “جدية الالتزام من جانبه بما تم الاتفاق عليه في العاصمة السعودية الرياض، وتفاني وإخلاص أنصاره تحت قيادة المملكة العربية السعودية، في بذل كل ما يلزم من جهود لضمان نجاح الاتفاقية وإحلال السلام في المنطقة”.
وتعقيباً على ذلك، قال الزبيدي: “ولكن علينا هنا أن ندرك جيداً بأن هنالك العديد والعديد من المخاطر والتحديات والمعوقات التي تهدف إلى الحد من استمرارية ذلك المشروع ولاسيما الممارسات المشبوهة والمساعي الحثيثة التي تستميت فيها المنظمات الإرهابية وعلى وجه الخصوص تلك التي تنتمي إليها جماعة الإخوان المسلمين”.
من زاوية أخرى، لا شك أن تلك حقيقة لا يمكن انكارها ولا بد حتماً أن يفضي التدهور المتسارع في الأوضاع الاقتصادية في جنوب البلد، ولاسيما في ظل السلوكيات غير المسؤولة التي تنتهجها الجماعات والطوائف الإسلامية المدفوعة من قبل الاطراف الاجنبية التي تبحث لها عن موضع قدم في المنطقة، إلى انهيار تلك المعاهدة على حد قول رئيس المجلس الانتقالي في الجنوب, وعلى ذلك يصبح من الوارد بشدة أن تتسبب تلك النتيجة في احداث تداعيات وعواقب قد تهدد أمن واستقرار المنطقة ككل.
وفي اتجاه مضاد لذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والباحث والمختص في الشؤون اليمنية في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي والمدير السابق لمشروع “المساعدة الانتقالية في اليمن”، فرانسوا فريسون روش، “أن توقيت ودلالات تصريحات رجل الانفصاليين القوي تحمل في طياتها كثيراً من الغموض كما تستدعي العديد من التساؤلات”، وفي هذا يقول: ” اليس من الواضح بجلاء وبكل بساطة أن الزبيدي يسعى من خلال تصريحاته تلك إلى تمهيد الطريق لرفع سقف المزاد وبالتالي دفع الإماراتيين نحو خيار المزيد من الدعم والمساندة للانفصاليين؟”.
السياق والدلالات:
5 نوفمبر الماضي تم التوقيع على اتفاقية مصالحة في الرياض، بين اثنين من أهم الأطراف الفاعلة في الصراع القائم على الأراضي اليمنية: الا وهما الحكومة اليمنية الشرعية والعناصر الانفصالية المسيطرة على العاصمة المؤقتة عدن.
ومن البديهي والطبيعي أن يقف كلاهما جنباً إلى جنب ليشكلا صفاً واحداً للقتال معاً ضد المتمردين الحوثيين المسيطرين على أجزاء كبيرة في شمالي البلد.
وعن هذا الحدث المتفائل تمخضت صورة غنية بالكثير من الدلالات والمؤشرات الرمزية: حيث يقف الرئيس اليمني الشرعي، عبد ربه منصور هادي، ممسكاً بإحدى يديه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في حين يمسك بيده الأخرى ولي عهد أبو ظبي ووزير الدفاع الإماراتي، محمد بن زايد, ولعل من تلك الدلالات ما يحملنا على التفاؤل على أمل أن يتم بذلك اخراج اليمن شماله وجنوبه من دائرة الصراع المرير والخانق للشعب اليمني الحزين.
من الناحية النظرية، لا شك أن هنالك فرصة كبيرة لا يستهان بها لتحقيق النجاح المرجو من هكذا اتفاقية؛ وهنا تجدر الإشارة إلى أنها قد نصت على تشكيل حكومة ائتلاف مكونة من 24 وزارة يتم توزيعها بالتساوي بين مختلف المحافظات سواءً في شمال البلد أو جنوبه.
ومن المفارقة هنا أن يكون حضور طرفا الاتفاقية قد تم بأشراف طرفين أجنبيين يحذوهما الأمل على الخروج بمكاسب تعود على مصالحهما القومية بالأمن والمنفعة.
ففي حين تتلقى الحكومة اليمنية الدعم والمساندة من قبل المملكة العربية السعودية، يجد انفصاليو الجنوب كل ما يحتاجونه من تمويل من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة؛ ومع ذلك، يبقى الجانبين السعودي والإماراتي، من حيث المبدأ، حليفين مخلصين لبعضهما ولا تفرقهما المصالح وإن تباعدت وجهات النظر.
وبالرغم من كل ما سبق، إلا أنه ما من شيء يبدو على حقيقته في هذه المنطقة وإن كانت البساطة والسلاسة تطغى ظاهر الأمر, حيث ينبغي هنا أن ندرك جيداً بأن المصالح الجيواستراتيجية والمالية غير محدودة ومتنوعة، وهي أيضاً في ذات الوقت متناقضة في كثير من الأحيان.
وفي هذا يقول فرانسوا فريسون روش: “كما هي عادتها في الحالات الطارئة، كان قرار دولة الإمارات مؤخراً بالانسحاب العاجل من هذا المستنقع, حيث رأت أنه يفسد عليها رونقها ونموها التجاري وبالرغم من كونها بصدد نقل موضع يدها في هذه المنطقة إلى السعودية، إلا أنها لا تنتوي أبداً التخلي عن مكاسبها بصورة نهائية كونها قد استثمرت الكثير في هذا الصراع لتأمين المواقع التي تعد بالنسبة لها جزءً لا يتجزأ من أمنها القومي”.
في الجانب الآخر وفي سياق موازٍ تعاني السعودية من وطأة الضغوط التي تتعرض لها, وفي تحليل لطبيعة الوضع الذي تواجهه هذه الأخيرة، يرى فرانسوا فريسون روش “أن الرياض في ضوء كونها تستضيف مجموعة العشرين في وقت لاحق من هذا العام فهي مضطرة بهدف الحفاظ على مكانتها وأهليتها أمام المجتمع الدولي, أن تجد حلاً مقنعاً وعاجلاً للأزمة الحاصلة على الأراضي اليمنية بحلول ذلك الوقت، وإن استلزم ذلك التوقيع على اتفاقية شكلية إلى حد ما على غرار اتفاقية 5 نوفمبر”؛ وتعقيباً على ذلك، يستنكر فريسون من التنازلات التي قدمها اطراف الصراع اليمني بعودتهم إلى الخلف والانطلاق إلى الرياض لتحقيق “الرغبة” السعودية.
ما هو مستقبل الصراع؟
مما لا شك فيه أن الصعوبات والمعوقات التي تحول دون الخروج بحل جذري لذلك النزاع اليمني لا تزال كثيرة ومتشعبة.
ومن ذلك أن العناصر الانفصالية في الجنوب قد عقدت العزم على عدم العودة إلى حظيرة الشرعية في ظل حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي وأيضاً لا نغفل هنا الفائدة المترتبة من استمرار عجلة الحرب في الدوران بالنسبة للعديد من الأطراف المحلية المؤثرة؛ فعلى مدى خمس سنوات ويزيد كان الصراع بمثابة صندوق ادخار لتلك الاطراف التي على ما يبدو أنها ستعمل جاهدة لإطالة مداها وإن تطلب ذلك افتعال سيناريوهات جديدة ومعوقات أخرى.
من ناحية أخرى، يقول فرانسوا فريسون روش: “لا جدال في أن الدعم المادي سوف يسهم إلى حدٍ كبير في إيجاد النقاط المشتركة للاتفاق على حلٍ للخروج من الأزمة، وبما في ذلك الاتفاق مع المتمردين الحوثيين ولكن تبقى المسألة الفاصلة هنا متوقفة على ما إذا كانت تلك التسويات قابلة للاستمرار أم أنها ستلقى حتفها تحت ضغط التعارض مع المصالح الجانبية”.
ختاماً، في حديثه مع وكالة الأنباء الفرنسية، أشار الزبيدي إلى “أن رغبة الشعب الجنوبي كانت تقتصر أبان مفاوضات السلام على أمكانية تحقيق نوع من الاستقلال؛ أما الآن فلم تعد تلك حدود طموحهم، بل تجاوزت ذلك الخط حتى صار هدفهم الحصول على دولة مستقلة كلياً ويصبح لديهم الحق في تقرير المصير بالوسائل الديمقراطية”.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.
تخطى إلى المحتوى
استخدام Gmail مع قارئات الشاشة
نفدت مساحة التخزين، وقريبًا لن تتمكَّن من إرسال رسائل إلكترونية أو تلقيها إلى أن تُفرِغ مساحة أو تشتري مساحة تخزين إضافية. قد يستغرق تطبيق التغييرات على مساحة التخزين ما يصل إلى 24 ساعة.
3 من 40,147
مادة مترجمة فرنسي ليوم الأربعاء الموافق 29 يناير 2020 من الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي بوكالة الأنباء اليمنية “سبأ”
البريد الوارد
x
Fouad al-haidari
11:21 ص (قبل 32 دقيقة)
abdulkawy33@gmail.com، ahmed.setteen@gmail.com، AKUDDOUS121@gmail.com، althqafualjhadeiha@gmail.com، asma، chairmanoffice33@gmail.com، dhalshamy@gmail.com، kmalabotaleb@gmail.com، p14sabamedia@gmail.com، pressoffice82، reports.p.o، sababhoth@gmail.com، traduction.saba.2020@gmail.com، إبراهيم، اسعد، التحرير، السياسية، انصار، سكرتير، فؤاد، محمد
اليمن… بين مصالحة وتمرد!
بالرغم من توقيع اتفاقية مصالحة في 5 نوفمبر الماضي بين اثنين من أهم الأطراف الفاعلة في الصراع الحاصل على الأراضي اليمنية، إلا أننا لا نجد آثاراً ملموسة على أرض الواقع حتى اللحظة، في حين يفترض أن يقف كلاهما صفاً واحداً في وجه العدو المشترك المتمثل في المتمردين الحوثيين وخلافاً لذلك فهناك العديد من المؤشرات التي توحى بإمكانية انهيارها.
بقلم: آن بينيديكت هوفنر
(صحيفة “لا كروا” الفرنسية, ترجمة: محمد السياري –سبأ(
هل كان اتفاق السلام المبرم بين الحكومة الشرعي في اليمن والعناصر الانفصالية المسيطرة على العاصمة المؤقتة للبلد عدن، مدفوعاً بمصداقية البحث الجاد عن مخرج حقيقي يقود إلى بر الأمان؟
من الجلي للعيان أن مصفوفة الصراع القائم على الأراضي اليمنية لا تزال تحمل في أحشائها ما يجعل كافة التوقعات والرهانات تتساقط في ظل التناقضات والمصالح المتعارضة التي تعصف بالبلد شمالاً وجنوباً:
ففي مطلع نوفمبر الماضي، احتفت هذه المنطقة – التي مزقتها حرب أهلية دامية منذ أوائل العام 2014 – بالتوصل إلى اتفاق مشترك كان من المفترض أن يضع حداً حاسماً لإحدى الصراعات الداخلية التي زعزعت أمنها واستقرارها ودفعت بها إلى حافت الهاوية وبالرغم من انقضاء ما يزيد على شهرين، إلا أن الجهود لازالت “قيد الاستعداد” ولم يتم الوفاء بأي من الالتزامات التي جرى التعهد بها؛ وفي اتجاه مخالف لذلك، تحلق في الافق العديد من المؤشرات التي تنبئ بالانهيار الوشيك للصالحة.
وفي السياق ذاته، هناك العديد من الدلالات التي بالإمكان الاستناد إليها لنستشف أمكانية انهيار تلك الاتفاقية على غرار ما جاء على لسان زعيم الحركة الانفصالية المسيطرة في جنوب البلد “عيدروس الزبيدي” وفي إطار لقاء صحافي مع وكالة الأنباء الفرنسية في 16 يناير الجاري، أكد هذا الأخير على “جدية الالتزام من جانبه بما تم الاتفاق عليه في العاصمة السعودية الرياض، وتفاني وإخلاص أنصاره تحت قيادة المملكة العربية السعودية، في بذل كل ما يلزم من جهود لضمان نجاح الاتفاقية وإحلال السلام في المنطقة”.
وتعقيباً على ذلك، قال الزبيدي: “ولكن علينا هنا أن ندرك جيداً بأن هنالك العديد والعديد من المخاطر والتحديات والمعوقات التي تهدف إلى الحد من استمرارية ذلك المشروع ولاسيما الممارسات المشبوهة والمساعي الحثيثة التي تستميت فيها المنظمات الإرهابية وعلى وجه الخصوص تلك التي تنتمي إليها جماعة الإخوان المسلمين”.
من زاوية أخرى، لا شك أن تلك حقيقة لا يمكن انكارها ولا بد حتماً أن يفضي التدهور المتسارع في الأوضاع الاقتصادية في جنوب البلد، ولاسيما في ظل السلوكيات غير المسؤولة التي تنتهجها الجماعات والطوائف الإسلامية المدفوعة من قبل الاطراف الاجنبية التي تبحث لها عن موضع قدم في المنطقة، إلى انهيار تلك المعاهدة على حد قول رئيس المجلس الانتقالي في الجنوب, وعلى ذلك يصبح من الوارد بشدة أن تتسبب تلك النتيجة في احداث تداعيات وعواقب قد تهدد أمن واستقرار المنطقة ككل.
وفي اتجاه مضاد لذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والباحث والمختص في الشؤون اليمنية في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي والمدير السابق لمشروع “المساعدة الانتقالية في اليمن”، فرانسوا فريسون روش، “أن توقيت ودلالات تصريحات رجل الانفصاليين القوي تحمل في طياتها كثيراً من الغموض كما تستدعي العديد من التساؤلات”، وفي هذا يقول: ” اليس من الواضح بجلاء وبكل بساطة أن الزبيدي يسعى من خلال تصريحاته تلك إلى تمهيد الطريق لرفع سقف المزاد وبالتالي دفع الإماراتيين نحو خيار المزيد من الدعم والمساندة للانفصاليين؟”.
السياق والدلالات:
5 نوفمبر الماضي تم التوقيع على اتفاقية مصالحة في الرياض، بين اثنين من أهم الأطراف الفاعلة في الصراع القائم على الأراضي اليمنية: الا وهما الحكومة اليمنية الشرعية والعناصر الانفصالية المسيطرة على العاصمة المؤقتة عدن.
ومن البديهي والطبيعي أن يقف كلاهما جنباً إلى جنب ليشكلا صفاً واحداً للقتال معاً ضد المتمردين الحوثيين المسيطرين على أجزاء كبيرة في شمالي البلد.
وعن هذا الحدث المتفائل تمخضت صورة غنية بالكثير من الدلالات والمؤشرات الرمزية: حيث يقف الرئيس اليمني الشرعي، عبد ربه منصور هادي، ممسكاً بإحدى يديه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في حين يمسك بيده الأخرى ولي عهد أبو ظبي ووزير الدفاع الإماراتي، محمد بن زايد, ولعل من تلك الدلالات ما يحملنا على التفاؤل على أمل أن يتم بذلك اخراج اليمن شماله وجنوبه من دائرة الصراع المرير والخانق للشعب اليمني الحزين.
من الناحية النظرية، لا شك أن هنالك فرصة كبيرة لا يستهان بها لتحقيق النجاح المرجو من هكذا اتفاقية؛ وهنا تجدر الإشارة إلى أنها قد نصت على تشكيل حكومة ائتلاف مكونة من 24 وزارة يتم توزيعها بالتساوي بين مختلف المحافظات سواءً في شمال البلد أو جنوبه.
ومن المفارقة هنا أن يكون حضور طرفا الاتفاقية قد تم بأشراف طرفين أجنبيين يحذوهما الأمل على الخروج بمكاسب تعود على مصالحهما القومية بالأمن والمنفعة.
ففي حين تتلقى الحكومة اليمنية الدعم والمساندة من قبل المملكة العربية السعودية، يجد انفصاليو الجنوب كل ما يحتاجونه من تمويل من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة؛ ومع ذلك، يبقى الجانبين السعودي والإماراتي، من حيث المبدأ، حليفين مخلصين لبعضهما ولا تفرقهما المصالح وإن تباعدت وجهات النظر.
وبالرغم من كل ما سبق، إلا أنه ما من شيء يبدو على حقيقته في هذه المنطقة وإن كانت البساطة والسلاسة تطغى ظاهر الأمر, حيث ينبغي هنا أن ندرك جيداً بأن المصالح الجيواستراتيجية والمالية غير محدودة ومتنوعة، وهي أيضاً في ذات الوقت متناقضة في كثير من الأحيان.
وفي هذا يقول فرانسوا فريسون روش: “كما هي عادتها في الحالات الطارئة، كان قرار دولة الإمارات مؤخراً بالانسحاب العاجل من هذا المستنقع, حيث رأت أنه يفسد عليها رونقها ونموها التجاري وبالرغم من كونها بصدد نقل موضع يدها في هذه المنطقة إلى السعودية، إلا أنها لا تنتوي أبداً التخلي عن مكاسبها بصورة نهائية كونها قد استثمرت الكثير في هذا الصراع لتأمين المواقع التي تعد بالنسبة لها جزءً لا يتجزأ من أمنها القومي”.
في الجانب الآخر وفي سياق موازٍ تعاني السعودية من وطأة الضغوط التي تتعرض لها, وفي تحليل لطبيعة الوضع الذي تواجهه هذه الأخيرة، يرى فرانسوا فريسون روش “أن الرياض في ضوء كونها تستضيف مجموعة العشرين في وقت لاحق من هذا العام فهي مضطرة بهدف الحفاظ على مكانتها وأهليتها أمام المجتمع الدولي, أن تجد حلاً مقنعاً وعاجلاً للأزمة الحاصلة على الأراضي اليمنية بحلول ذلك الوقت، وإن استلزم ذلك التوقيع على اتفاقية شكلية إلى حد ما على غرار اتفاقية 5 نوفمبر”؛ وتعقيباً على ذلك، يستنكر فريسون من التنازلات التي قدمها اطراف الصراع اليمني بعودتهم إلى الخلف والانطلاق إلى الرياض لتحقيق “الرغبة” السعودية.
ما هو مستقبل الصراع؟
مما لا شك فيه أن الصعوبات والمعوقات التي تحول دون الخروج بحل جذري لذلك النزاع اليمني لا تزال كثيرة ومتشعبة.
ومن ذلك أن العناصر الانفصالية في الجنوب قد عقدت العزم على عدم العودة إلى حظيرة الشرعية في ظل حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي وأيضاً لا نغفل هنا الفائدة المترتبة من استمرار عجلة الحرب في الدوران بالنسبة للعديد من الأطراف المحلية المؤثرة؛ فعلى مدى خمس سنوات ويزيد كان الصراع بمثابة صندوق ادخار لتلك الاطراف التي على ما يبدو أنها ستعمل جاهدة لإطالة مداها وإن تطلب ذلك افتعال سيناريوهات جديدة ومعوقات أخرى.
من ناحية أخرى، يقول فرانسوا فريسون روش: “لا جدال في أن الدعم المادي سوف يسهم إلى حدٍ كبير في إيجاد النقاط المشتركة للاتفاق على حلٍ للخروج من الأزمة، وبما في ذلك الاتفاق مع المتمردين الحوثيين ولكن تبقى المسألة الفاصلة هنا متوقفة على ما إذا كانت تلك التسويات قابلة للاستمرار أم أنها ستلقى حتفها تحت ضغط التعارض مع المصالح الجانبية”.
ختاماً، في حديثه مع وكالة الأنباء الفرنسية، أشار الزبيدي إلى “أن رغبة الشعب الجنوبي كانت تقتصر أبان مفاوضات السلام على أمكانية تحقيق نوع من الاستقلال؛ أما الآن فلم تعد تلك حدود طموحهم، بل تجاوزت ذلك الخط حتى صار هدفهم الحصول على دولة مستقلة كلياً ويصبح لديهم الحق في تقرير المصير بالوسائل الديمقراطية”.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.