سويسرا… والكفاح ضد تجارة السلاح!
في الوقت الذي تعمد فيه الحكومة السويسرية إلى إصدار المزيد من القرارات للتخفيف من حدة القوانين والإجراءات المقننة لعمليات بيع وتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية، تبدأ موجة من التحركات الشعبية في الانطلاق في اتجاه مضاد لتلك الخطوة على أمل أبقاء دائرة الصراع القائمة مع المجلس الإتحادي ضيقة ومحدودة بقدر المستطاع.
بقلم: برنارد ووثريتش
(صحيفة “لو تون” السويسرية – ترجمة: محمد السياري, سبأ)
لا شك أنه كان قراراً فاضحاً ومعيباً وغير مسؤول ذاك الذي كُشِف عنه في مطلع يونيو من العام 2018؛ حيث صرح وزير الاقتصاد السويسري آنذاك، يوهان شنايدر آمان، أن المجلس الإتحادي عازمٌ على تقديم مجموعة من الاقتراحات التي من شأنها أن تعمل على تخفيف الأحكام والإجراءات والقيود المفروضة على عمليات بيع وتصدير المعدات والأسلحة العسكرية والمواد المتعلقة بها إلى البلدان التي تشهد نوعاً من النزاعات المسلحة الداخلية.
وبناءً على المطالبات المتكررة من قبل الجهات المعنية بعمليات تصدير الأسلحة، كان هنالك ما يؤكد بان تلك الإجراءات التخفيفية لن تكون موضع تطبيق بالنسبة لبعض البلدان التي تشوبها النزاعات على غرار اليمن وسورية؛ وفضلاً عن كل ذلك، لم تتجاوز تلك الأطروحة نطاق المجلس الإتحادي كونها لا تستند إلى قرار دستوري ولا تتعدى كونها رؤية خاصة وعريضة مقترحة.
ومع ذلك فقد تسببت تلك العريضة في إحداث موجة عارمة من الاعتراضات الموجعة والانتقادات اللاذعة وقد سارع الحزب الديمقراطي البرجوازي إلى تقديم مشروعه على أمل أن يلقى التصويت بالموافقة من قبل البرلمان, وبالرغم من القبول والترحيب الذي أبداه المجلس الوطني في سبتمبر 2018، إلا أن مجلس الدولة قد لاقاه بالرفض في وقتٍ لاحق.
وبعد ذلك بما يقارب الشهر، أعلن يوهان شنايدر أن المجلس الإتحادي قد تخلى عن مشروعه, إلا أن التغير الجذري في مسار الأحداث لم يحل دون إطلاق المبادرة الشعبية التي عُرفت باسم “المبادرة التعديلية” أو “المبادرة التصحيحية” التي طالبت بالعودة إلى النظم والإجراءات المعمول بها حتى العام 2014.
ائتلاف الوسط واليسار
لقد كان نص العريضة مدفوعاً ومعززاً من قبل حزمة واسعة النطاق من الأحزاب والمنظمات على غرار الحزب البرجوازي الديمقراطي والمعسكر الاخضر-الوردي وحزب الخضر الليبرالي بالإضافة إلى ما يقارب العشرين من المنظمات غير الحكومية, وبصورة أكثر وضوحاً ودقة، نصت تلك العريضة على ضرورة حظر تصدير المواد والمعدات الحربية إلى البلدان التي ترتكب فيها العديد من الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان بشكل ممنهج وعلى نحو خطير، بغض النظر عما إذا كانت تلك الانتهاكات ستقع بالفعل أم انها تخضع لمبدأ الاحتمالية.
تحت عنوان “ضد صادرات السلاح إلى البلدان التي تعاني من الحرب الأهلية”، كانت المبادرة الشعبية ناجحة وتؤتى ثمارها: ففي يونيو من العام ذاته كان عدد التوقيعات المؤيدة قد بلغ 126,000 توقيع, وبالرغم من الرفض الذي أبداه المجلس الفيدرالي، إلا أنه قد ازم قراره مؤخراً على اعداد مشروع مضاد لتلك المبادرة ولكن بصورة غير مباشرة؛ وهذا في الحقيقة ما سيتم طرحه من قبل وزير الاقتصاد السويسري الحالي، غاي بارملين، في ديسمبر 2020 على أبعد تقدير، بالرغم من أنه لم يكن محبذاً للفكرة في أول الأمر, ومن هذا المنطلق سوف تحسم المسألة من خلال أحد أمرين.
الخيارات والاستثناءات
يكمن الخيار الأول في أن يتم احتواء تلك العريضة من خلال البنود والصلاحيات المنصوص عليها في القانون والدستور ولتقريب المعنى من أذهاننا يمكننا القول بصيغة أخرى أنه لا بد من عرض تلك المقترحات التخفيفية على الهيئة البرلمانية ليتم المصادقة عليها أو حتى البت فيها بشكل أو بآخر.
ومع ذلك، تبقى أمكانية تمرير بعض الاستثناءات أمراً وارد, إذ أنه من الممكن أن يعمد المجلس الفدرالي إلى التحفظ على إمكانية استصدار قرارات تخفيفية محدودة بما يتناسب مع مجريات الأحداث المقبلة؛ ومن البديهي أن يكون ذلك التحفظ أمراً ضرورياً لا يمكن الاستغناء عنه في ضوء المتطلبات والمستجدات التي تستلزم أن يكون المجلس الفيدرالي على قدر عالي من الأهلية، في ظروف استثنائية، كي يتسنى له الرد والتعامل بصورة عاجلة وفق المتغيرات التي تستحدثها السياسة الخارجية أو حتى السياسة الأمنية للبلد ولا يختلف الخيار الثاني عن سابقه إلا في حدود ضيقة للغاية في ظل غياب مثل تلك الاستثناءات.
وفي الإطار ذاته، تأتي مبادرة التصحيح المذكورة آنفاً لتقف بكل جدية وثبات في وجه ذلك المشروع المضاد ولا بد لنا هنا من إدراك الحقيقة التي لا مناص منها والتي تكمن في ضرورة وحتمية أن تكون عملية صناعة القرار بشأن موضوع حساس كهذا معتمدة اعتمادا كلياً على القوانين المنصوص عليها في الدستور ولا تستند إلى أية توصيات أو مقترحات مستحدثة.
ومن المسلم به جدلاً أن يتم حظر الصادرات العسكرية إلى جميع البلدان المتورطة في أي شكل من أشكال الحروب الأهلية داخلية كانت أو دولية ومن المفترض والمرجح أن يتم تطبيق الاجراءات والقيود ذاتها إزاء الصفقات المبرمة مع كلاً من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على خلفية تورطهما وانغماسهما في العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في حربهما القائمة على الاراضي اليمنية.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.