بقلم: ستيفان بايلارجيون
ترجمة : أسماء بجاش-سبأ:
حالة من عدم الاستقرار تخيم على العراق بعد أن أصبحت منطقة مواجهة عسكرية غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران/ تصوير: توفيق مصطفى وكالة الصحافة الفرنسية
لتسليط الضوء على المجريات الحاصلة على طول امتداد منطقة الشرق الأوسط أجرت صحيفة لو دفواغ مقابلة مع “اوريلي كامبانا”، أستاذ العلوم السياسية في جامعة لافال المتخصص في الصراعات والإرهاب والعلاقات الدولية, والذي يعكف على تقييم عقود من الحروب والتوترات في المنطقة.
الصحيفة: الأخبار القادمة من الشرق الأوسط لا تبشر بالخير, هجمات وحروب وتفجيرات وعمليات اغتيالات وتوترات دبلوماسية, لذا ألم يحن الوقت لكي يتحسن الوضع المُخيم على المنطقة منذ مطلع هذا القرن وبتزامن مع الحروب التي بدأت عقب احداث 11 سبتمبر 2001 والتي هزت الولايات المتحدة الأمريكية؟
اوريلي كامبانا: من الصعب جداً المقارنة بين حقبة وأخرى, لأن مناطق ومصادر التوترات يمكن أن تكون مختلفة, ولكن إذا عدنا إلى الصراعات المتأججة في هذه المنطقة و قارنا العدد الحالي بالعدد السابق خلال فترة ما قبل 11 سبتمبر 2001, يمكننا أن نرى أن المنطقة أصبحت اليوم ممزقة بالفعل, ببساطة من حيث عدد الصراعات، فهناك المزيد من الصراعات المتأججة في الشرق الأوسط اليوم, أي أكثر مما كانت عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة ماضية.
الصحيفة: هل فشلت الحروب في أفغانستان أو العراق؟
اوريلي كامبانا: اليوم, وبعد فوات الأوان, يمكننا أن نقول أن هذه التدخلات العسكرية كانت سيئة جداً, ولن أعود إلى المشكلة الضخمة المتمثلة في التدخل العسكري للولايات المتحدة في العراق, فقبل كل شيء، لم يتم الأخذ بعين الاعتبار الدينامكية المحلية في البلدان المجزأة إلى حد كبير والمقسمة إلى مجتمعات محلية, فقد خرجت أفغانستان من حرب أهلية وحكمٍ كان يمتاز بنظام استبدادي للغاية, في حين أن العراق الذي كان يدار بطريقة استبدادية جداً, الأمر الذي فرض توازناً هشاً ولكنه في نفس الوقت معقد للغاية, كما أن عودة التوترات المجتمعية كان بمثابة نتيجة لسوء الفهم والأخطاء التي انتهجتها السياسة الأمريكية غير المنظورة وغير المنتظمة في ذلك الوقت وبعد التدخل, أضف إلى ذلك الأخطاء التي تم ارتكابها كان لها عواقب وخيمة على السكان المدنيين, لكنه في الواقع ليس هو العامل الوحيد, إذ أن هناك الكثير للتأكيد عليه, فقد كانت بوادر التوترات اندلاع الحرب موجودة بالفعل.
الصحيفة: إلى أي مدى يتوجب علينا العودة إلى الوراء لفهم أصول هذا الوضع المعقد والمثير للاهتمام؟
اوريلي كامبانا: لفهم ما يحدث، يجب علينا أن نعود إلى أوائل القرن العشرين، وخاصة فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, أي بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، حيث تم اتخاذ بعض القرارات من قبل القوى الغربية، ولاسيما المتعلقة بتقسيم الحدود والتي لا تزال تداعياتها ملموسة حتى اليوم هذا, فقد غذت التوترات الحالي عدد من الأحداث السياسية والاقتصادية والدينية, إنها قصة معقدة جداً, إذ يصعب تلخيصها في بضعة أسطر, ولذلك اتجنب خطر الوقوع في القوالب النمطية والاختصارات المختزلة جداً ومن المحتمل أن تلحق الضرر بفهم الصراعات الدائرة في هذه الفترة.
الصحيفة: ما هي أسوأ هذه الصراعات؟
اوريلي كامبانا: إذا كانت رؤيتك لمنطقة الشرق الأوسط تسير على طول الطريق إلى أفغانستان، فلابد من إدراجها ضمن القائمة, كما يجب أن نضيف العراق وسوريا, في حين يصعب علينا اغفال الذكر عما يحدث في اليمن.
كما يجب أن نذكر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي لم ينتهي بعد على الرغم من أن الحديث عنه أصبح قليلاً جداً, كما أننا بحاجة إلى التحدث أيضاً عن تركيا وعلاقاتها المتضاربة مع الأكراد, والتوترات المتعددة التي تمر بها لبنان بشكل أساسي من الناحية السياسية ولكن أيضاً من الناحية الطائفية.
الصحيفة: هل من الممكن حل هذه الحروب أو الصراعات؟
اوريلي كامبانا: في مجال العلوم السياسية، يتم استخدام مصطلحات الحرب والصراع بطريقة قابلة للتبادل إلى حد ما, فبعض السياسيين عملوا على جعل الفروق طفيفة جداً, لا يوجد شيء بسيط, وبصفة عامة وعلى سبيل المثال، دعنا نتحدث عن الحرب الأهلية الدائرة في اليمن, حيث تم فرض هذه الحرب على المنافسات الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية وإيران والتي تنعكس من خلال دعم الجماعات المسلحة المشاركة في العمليات القتالية, وفي هذا المقام، لن نذهب إلى حد الحديث عن الحرب بين الدول، بل بين الدولتين، لأن صناع القرار في الرياض منخرطين أحياناً بشكل مباشر, في حين أن الإيرانيين منخرطين بشكل غير مباشر على الأراضي اليمنية, وبدلاً من ذلك, سوف نسلط الضوء عن التلاعب بالصراع وعن الحرب الأهلية بالوكالة, لذلك يمكننا أن نلمس مدى تعقيد الوضع من خلال المفردات.
الصحيفة: ما هي القضايا الكامنة وراء هذه الصراعات؟
اوريلي كامبانا: إن هذه المنطقة تواجهها العديد من القضايا المحلية والوطنية والإقليمية والدولية, حيث إنها منطقة تبلور التوترات بين عظماء هذا العالم : الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ثم الصين التي تحاول أحياناً التدخل بصورة غير المباشرة في هذه اللعبة المعقدة للغاية.
الصحيفة: لماذا الصراع يحتدم مرة أخرى بين الولايات المتحدة وإيران ؟
اوريلي كامبانا: نتيجة لوجود العديد من العوامل, يمكننا أن نبدأ مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الابيض الأمر الذي أدى إلى ظهور التوترات بين الأمريكيين والإيرانيين بعد أن حاولت إدارة الرئيس السابق بارك أوباما تهدئة اللعبة، أضف إلى ذلك التفاوض على الاتفاق نووي مع إيران من خلال إشراك الروس والأوروبيين, إذ جسد ترامب موقفاً أكثر صرامة, فقد كان يأمل في الحصول على تنازلات من طهران وذلك من خلال فرض عقوبات اقتصادية أكثر حدة, ومن هنا أخذت الفجوة في الأتساع منذ ذلك الحين، ولكن الامر ليس كذلك, فقد أدى التدخل العسكري للولايات المتحدة في العراق إلى إحياء فتيل التوترات بين الشيعة والسنة.
وبطبيعة الحال, تدخلت إيران في هذه الديناميكية المشتركة بين الطائفتين, حيث وطدت وجودها في العراق أكثر من أي وقت مضى من خلال دعم وتسليح الميليشيات الشيعية المحددة التي شد من خلالها عضد الحكومة العراقية, وفي الوقت نفسه يمكن أن تقلب هذا المليشيات على الحكومة في حال وجدت كذلك ضرورياً.
هناك مساحة كبيرة من عدم الاستقرار تعيشها العراق التي أصبحت منطقة لمواجهة غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران, بالإضافة إلى ذلك يوجد العديد من الخصومات الأخرى بما في ذلك الحاصل بين إيران والسعودية الحليف التقليدي للولايات المتحدة, كما يوجد هناك طبقات مختلفة مرة أخرى.
الصحيفة: ما هو الدور الذي تلعبه روسيا؟
اوريلي كامبانا: كان الاتحاد السوفيتي نشط جداً في المنطقة، فعلى سبيل المثال مع الحرب الأفغانية التي استمرت خلال الفترة ما بين 1979- 1989, بيد أن حدة هذا النشاط انخفض قليلاً خلال فترة التسعينيات، وذلك ببساطة لأن موسكو لم تكن تملك الوسائل الدبلوماسية والسياسية لطموحاتها.
ومع حلول الألفية الجديدة, تمكن النشاط السياسي والدبلوماسي الروسي من تعافي والعودة بشكلٍ ملحوظ ومتزايد, حيث يمكن أن نلمس ذلك من خلال جملة من الأمور, منها دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد, ولكن اليوم قد لا يكون لدى روسيا الحل لتسوية هذه المجموعة من الصراعات والتوترات الإقليمية والدولية، ولكن لديها الكثير من الأوراق في متناول اليد.
ومن المفارقات أن روسيا تنسج علاقات مع الجميع وهي القوة الوحيدة في هذا الحالة, حيث حاكت علاقات من تركيا, وفي حين أنها حليف استراتيجي لإيران, كما أنها تتحدث إلى إسرائيل والسعودية, وينبغي إلا يغيب عن الأذهان أن حوالي 12٪ أو 14٪ من السكان الروس هم من المسلمين وهم في الغالب من السنة، لذا فإن موسكو لديها مصلحة قوية في الحفاظ على علاقات جيدة مع الرياض, إذا أراود ذلك، حيث يمكنهم تقديم يد العون في تهدئة اللعبة، ولكن يجب ألا ننسى التنافس القوي جداً مع الولايات المتحدة الأمريكية.
الصحيفة: هل نحن أمام احتمال نشوب حرب أخرى على الرغم من كل أولئك الذين فشلوا في اشعالها في المنطقة؟
اوريلي كامبانا: نحن نعرف جيد كيف تبدأ الحرب ولكن من المستحيل معرفة كيف تنتهي, ومن الواضح أن الرئيس ترامب يتردد بين خيارين, حيث تحدث عدة مرات حول قضية الانسحاب من العراق من ناحية, في حين أن لديه مواقف صعبة جداً تجاه نظام الحكم في طهران من ناحية أخرى, فهذا يمثل تناقض الدائم ومن الصعب مرة أخرى فهم مواقف الرئيس الأمريكي, وفي حال نشوب حرب أخرى في المنطقة ستكون نتائجها مأساوية, وفي المقابل سوف تلقي هذه النتائج والعواقب بظلالها على المنطقة بأسرها.

ففي بعض الأحيان يجب أن تحكم الدبلوماسية قبضتها على التصريحات العدائية, حيث أن الإدارة الأمريكية تراجعت خطوة إلى الوراء هذه الفترة, ومن الوارد أن تكون أحد ردود إيران المحتملة هي تسريع الخطى في برنامجها النووي الذي سيفتح جولة جديدة من التوترات, فالعديد من الخبراء ليسوا متفائلين على الإطلاق, وبالتالي يجب أن تستعيد الدبلوماسية حقوقها وبسرعة كبيرة.

* صحيفة “لو دفواغ-” ledevoir الكندية
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع