صنعاء 23 أكتوبر 2019م (سبأ)- إعداد : مركز البحوث والمعلومات

يؤدي اليوم الأربعاء الرئيس التونسي قيس سعيّد اليمين الدستورية أمام البرلمان الذي يعقد جلسة عامة مخصصة لذلك.

وفاز المرشح المستقل في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية بعد أن أعلنت الهيئة العليا للانتخابات التونسية، النتائج النهائية للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، إثر حصوله على 71. 72% من أصوات الناخبين، فيما تحصل منافسه رئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي على 27.297% من الأصوات.

وقالت الهيئة  في مؤتمر صحفي “إنه بالنظر إلى عدم وجود طعون في نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في الـ 13 من أكتوبر الجاري، باتت النتائج نهائية، وأصبح قيس سعيد رسمياً رئيس الجمهورية المنتخب”.

وبحسب ما هو متبع وبعد أن يؤدي سعيد اليمين، سوف يلقي خطابا أمام البرلمان، ويتوجه بعده إلى قصر قرطاج لتسلم السلطة من سلفه الرئيس المؤقت محمد ناصر وفق البروتوكول الرئاسي ، ليبدأ مباشرة ممارسة مهامه الرئاسية.

 

والواضح أن الرئيس سعيد يعي جيداً أن نتائج الانتخابات في جولتيها الأولى والثانية قد أعطته شرعية شعبية لم يسبقه إليها أي رئيس تونسي، ويرى العديد من المراقبين أن الحضور البارز للشباب في الانتخابات الرئاسية كان حاسماً لصالح سعيد.

 

وفسرت صحيفة ‘لابراس’ الناطقة باللغة الفرنسية هذا الأمر بـ استيقاظ الشباب، وبأن “عودة الشباب بقوة إلى صناديق الاقتراع كانت حاسمة “، وحصلت تعبئة واسعة لصالح سعيد في صفوف الشباب خلال الحملة الانتخابية، وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أن 90% من الشباب صوتوا لصالح سعيد.

 

وأصيب الشباب التونسي بخيبة أمل بعد فشل الحكومات المتعاقبة في تجاوز المشاكل الاقتصادية المستمرة ونسبة البطالة المرتفعة، وبدا واضحاً أنها رسالة رفض لمنظومة الحكم ورفض لكل الأحزاب وللأداء السياسي برمته.

 

وفي هذا السياق أكدت الإعلامية هدى بن عمر” أن الانتخابات مرت بمرحلتين، الأولى كانت فيها القضية خليطاً من رفض للمنظومة، ورفض للعملية السياسية التي قامت على التوافق، والثانية عقاب للطبقة السياسية على فشلها وخذلانها للشعب وعلى إهماله والتعالي عليه وعلى الاستخفاف به، وعدم الوضوح والصدق معه”.

 

وأشارت بن عمر ” إلى أن الشعب التونسي بحث خلال المرحلة الأولى عن بديل لكل ذلك فوجده في شخص قيس سعيد، شخص بعيد (أو الأبعد) عن المنظومة التي حكمت قبل الثورة والمنظومة التي حكمت بعدها، ويمثل بصدقه وبساطته وتواضعه وزهده في المناصب نقيض السياسيين الذين تصدروا المشهد منذ قيام الثورة”.

 

الرئيس قيس سعيد؟

وُلد قيس سعيد في 22 فبراير 1958 بتونس لعائلة من الطبقة الاجتماعية الوسطى من أب موظف وأم ربة منزل، حصل على شهادة الدراسات في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، وهو حاصل أيضاً على دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني في “سان ريمو” الإيطالية.

بدأ حياته المهنية في عام 1986 مدرساً بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية في مدينة سوسة، قبل أن ينتقل في عام 1999 للتدريس بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية في العاصمة تونس، وتقاعد من مهنة التدريس منذ حوالي عام.

تقلد بين عامي 1989 و1990 مهام مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، من أجل الإعداد لتعديل مشروع ميثاق الجامعة، ومشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية.

كما عمل سعيد، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، خبيراً متعاوناً مع المعهد العربي لحقوق الإنسان من 1993 إلى 1995، وحصل في 1997 على عضوية المجلس العلمي وعضوية مجلس إدارة الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، وهو أيضاً رئيس مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية.

الدستور التونسي وصلاحيات الرئيس :

يشكل التحدي الأهم للرئيس سعيد في بداية ولايته موضوع الصلاحيات المحدودة للرئيس مقابل صلاحيات أكبر للحكومة، ويصنف النظام السياسي في تونس بأنه برلماني معدل، إذ يفوض الدستور سلطات واسعة لرئيس الحكومة التي تشكلها الأغلبية الفائزة في البرلمان، مقابل صلاحيات محدودة، لكنها مهمة، لرئيس الجمهورية، وتشمل تلك الصلاحيات وبحسب الدستور التونسي:-

 

–        تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة.

 

–        حل مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينص عليها الدستور.

 

–        يترأس مجلس الأمن القومي ويدعى إليه رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب.

 

–        يترأس القيادة العليا للقوات المسلحة.

 

–        يتولى إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب وإرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيس مجلس نواب الشعب والحكومة.

 

وبحسب الصلاحيات يتبين أن الصلاحيات الأهم تنحصر في مجالي الدفاع والخارجية، لكن يتمتع بحق تقديم مشاريع قوانين، وهنا نقطة في صالح الرئيس سعيد بما يستند إليه من حوالي 3 ملايين صوت، أمام برلمان “بخليط متناقض” ولتصبح المعادلة القائمة بين الرئيس والبرلمان مرتبطة بالشرعية الانتخابية وليس بموازين القوى المحددة في الدستور.

 

العلاقة مع البرلمان:

 

يتوفر الرئيس سعيد على دعم من أحزاب وتيارات سياسية متعددة داخل البرلمان، وفي مقدمتها حركة النهضة، والتيار الديمقراطي، وائتلاف الكرامة، وحركة الشعب، وشخصيات مستقلة، حيث أعلنت دعمها لسعيد خلال الانتخابات الرئاسية، ودعت أنصارها إلى التصويت له، مقابل منافسه نبيل القروي رئيس حزب “قلب تونس” الذي تحصل على المرتبة الثانية داخل البرلمان.

 

يفترض أن يسعى الرئيس الجديد إلى استقطاب الدعم السياسي من الكتل النيابية للوقوف خلفه، لكنها لا تبدو بتلك البساطة، في ظل برلمان تونسي لم تتشكل صورته بعد، في انتظار أن تخرج الحكومة الجديدة بقيادة حركة النهضة صاحبة الأغلبية النسبية، والتي بدورها تبحث عن تحالفات تحقق بها أغلبية الـ50+1″، أي ما يعادل 109 مقاعد من أصل 217، لا تملك منها “النهضة” سوى 52 مقعداً.

 

يقول الصحفي شمس الدين النقاز “أن مشاكل البرلمان ستنعكس على رئاسته، خصوصاً أن مشاريع القوانين التي يعتزم إصدارها يجب أن تمر على البرلمان”.

 

ويضيف النقاز “هذا التعارض سيكون لأن قيس سعيد ليس لديه أي حزام برلماني أو أي حزب يمثله داخل البرلمان”.

 

والسؤال الكبير حول مقدرة الرئيس على إيجاد توليفة للقوى التي تتصارع وتختلف في كثير من المواقف والتوجهات، رغم أنها اتفقت على دعمه، فهل يقدر على توحيدها لتكون كتلة واحدة تصوت بالإيجاب على مقترحاته؟.

 

الإصلاحات الاقتصادية:

 

ينظر قطاع واسع من الذين صوتوا للرئيس سعيد بأنه الرجل المناسب للقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية تُمكن من الحد من البطالة والتضخم في البلاد، وعلى الرغم من أن الرئيس لا يملك صلاحيات واسعة للتدخل في مجال الاقتصاد سوى بتقديم مشاريع ومقترحات قوانين للبرلمان من أجل خلق فرص عمل للشباب، فيما تعتبر الحكومة صاحبة القرار في تفاصيل الوضع الاقتصادي في البلد.

 

وفي هذا السياق قالت صحيفة “ليزيكو” الاقتصادية الفرنسية في تقرير لها عن أبرز التحديات أمام الرئيس التونسي الجديد ” يتعين عليه أن يعمل مع رئيس الوزراء الجديد أيضا بعد تشكل الحكومة المنبثقة، على تعزيز النمو والحد من البطالة ووقف ارتفاع الأسعار، ومعالجة المديونية المتجهة إلى منحى تصاعدي خطير بعد ثورة 2011″

 

ولفتت الصحيفة إلى ” أن الاقتصاد التونسي يقوضه تباطؤ النمو، وبطالة مرتفعة تتجاوز 15%، في وقت يقدر أن ترتفع المديونية فيه إلى نسبة 83.3 % من الناتج المحلي في 2019″

 

والواضح أن الملف الاقتصادي في مقدمة التحديات التي تنتظر رئيس تونس، خاصة بعد ثماني سنوات على الثورة، التي أصبح كثير من التونسيين بعدها يشعرون بخيبة أمل لفشل حكومات ائتلافية متعاقبة في معالجة المشاكل الاقتصادية، وفي مقدمتها البطالة المزمنة وارتفاع التضخم ومطالب المانحين الأجانب بتطبيق إجراءات خفض للإنفاق، كما أن انتشار الفساد بتونس، في الفترة الأخيرة، يتطلب محاربة قوية وعلى عدة مستويات، وهو ما وعد به قيس خلال تصريحاته أثناء حملته الانتخابية.

 

وللرئيس هامش تحرك في الملف الاقتصادي ولكن على المستوى الخارجي من خلال تحسين العلاقات مع مختلف شركاء تونس في المجال الاقتصادي عبر تنشيط الدبلوماسية الاقتصادية للحصول على الفائدة الاقتصادية المطلوبة.

 

لا مركزية السلطة :

 

خلال الحملة الانتخابية دعا الرئيس سعيد إلى إرساء “الديمقراطية المباشرة”، وتنطلق الفكرة من توزيع السلطة على مجالس جهوية في مختلف مناطق تونس، وينطلق الرئيس سعيد في هذا السياق من رؤى ثورية تبدو أقرب للنظام الشعبي الاشتراكي المحكوم من قبل جموع الجماهير عبر إدارة محلية تكون منطلق السلطات المركزية، في تجاوز لدور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وآليات السلطة التقليدية، وينطلق المشروع من حكم البلاد بواسطة نظام رئاسي تشاركي مع برلمان يتم تصعيده آلياً بواسطة منظومة الحكم المحلي المباشر دون وساطة حزبية.

 

وينظر لهذا المشروع باعتباره سعياً للتغيير الجذري في النظام السياسي، يختلف عما يتضمنه دستور 2014، والواقع يشير إلى أنه من الصعب أن تتفق كتل البرلمان المشتتة والمتنوعة على هذا المقترح.

 

ولا يزال مشروع إحداث توازن بين المناطق الداخلية في البلاد عبر لامركزية السلطة قائماً إلا أن الطبقة السياسية لم تكن حريصة على تنفيذه بالشكل الذي يقنع التونسيين، وتقول نسرين جلايلية، رئيسة منظمة “بوصلة” المعنية بالشأن البرلماني في تونس، “رفض وزراء ونواب فكرة توزيع السلطة وسيكون هناك دفع جديدة لفكرة اللامركزية مع وجود رئيس يتبنى الفكرة”

 

السياسة الخارجية :

 

بعد نتائج استطلاعات الرأي والتي أعلنت عن فوزه بالانتخابات، حاول قيس سعيد إرسال رسائل طمأنينة للداخل والخارج، حيث أكد على التزام تونس بتعهداتها الدولية، واتفاقياتها المبرمة سابقا، قائلا بإن الدولة يجب أن تستمر حتى لو تغير الأشخاص.

 

وأكد سعيد أن تونس ستبقى دولة منفتحة على محيطها الإفريقي، وانتمائها العربي الإسلامي، وهويتها المتوسطية، داعيا إلى بناء علاقات جديدة قوامها الاحترام المتبادل، دون أن تتدخل البلدان في شؤون بعضها البعض.

 

كما تعهد الرئيس التونسي الجديد أن تكون زيارته الأولى كرئيس، إلى الجزائر، التي تشهد هي الأخرى تغيرات سياسية عميقة، وتبقى تونس في تحد للحفاظ على علاقتها التاريخية بالجزائر، التي تعكرت في مرات سابقة بسبب تصريحات، أو سياسات لم تستحسنها الجزائر، ويتوجب على سعيد المحافظة ودعم هذه العلاقة التاريخية بين الشعبين، خاصة في الفترة الدقيقة التي تمر بها الجزائر حاليا.

 

يذكر أن تونس قد انُتخبت عضواً غير دائم في مجلس الأمن في يناير المقبل (للفترة من 2020 وحتى 2021) وهو ما يشكل تحدياً أمام الرئيس سعيد وينتظر أن يُحسن إدارة هذا الموقع ويعزز به صورة تونس ومكانتها الخارجية ، والعمل على إيجاد حلول للقضايا العربية الراهنة، ولا سيما في ظل ما يشهده الوضع العربي من توتر غير مسبوق بسبب ضعف منظومة العمل العربي المشترك.

 

القضية الفلسطينية :

 

خلال خطاب الفوز الذي ألقاه الرئيس سعيد كانت القضية الفلسطينية حاضرة وبقوة حيث أعرب عن أمله في وضع العلم الفلسطيني إلى جانب العلم التونسي، وسبق هذا الخطاب تأكيد الرئيس خلال حملته الانتخابية أن التعامل مع إسرائيل يعد “خيانة عظمى”، وأن كل من يطبع معها يحاكم بالخيانة العظمى، وعلى أحقية الأرض الفلسطينية، وجرم إسرائيل، وتعهد بمنع دخول أي شخص يحمل جواز سفر إسرائيلي إلى الأراضي التونسية، حتى لو كان ذلك لإحياء ما يسمى “بحج الغريبة” في جزيرة جربة التونسية، أحد أكبر طقوس اليهود في العالم، موضحاً أن المشكلة مع الصهاينة لا مع اليهود، وهذا الموقف يضع الرئيس سعيد في مواجهة تحديات إقليمية ودولية.

 

وفي هذا السياق يشير الدبلوماسي التونسي السابق توفيق وناس إلى أنه “من الصعب الآن التنبؤ بملامح السياسة الخارجية التي سيعتمدها سعيد، لأنه ليس للأخير أي تاريخ في ميدان العلاقات الدبلوماسية، ولكن يمكن أن نستشف بعض الاتجاهات العامة لهذه السياسة من خلال تصريحاته”.

 

واستدرك وناس بقوله “إن الرئيس الجديد سيقدم الدعم الكامل للقضية الفلسطينية، مُرجحاً التزاماً كاملاً بالدفاع عنها في كل المنابر الدولية وفي الجامعة العربية وفي العلاقات الثنائية مع الدولة الفلسطينية دون أي شرط ولا قيد”.

 

الأزمة الليبية :

 

يتصدر الصراع الليبي أولويات الرئيس التونسي قيس سعيد، لاعتبارات الجوار والحدود المشتركة والقرب الجغرافي والتاريخي والتقارب الحضاري، وتعتبر تونس أكثر دول الجوار الجغرافي الليبي تأثراً بالصراع، لاعتبارات جيوسياسية، فهي ذات حدود مشتركة برية على طول 459 كيلومتراً، ولديها ثلاثة معابر حدودية،  وتعتبر مسألة الحدود بين البلدين من أكثر القضايا الشائكة التي سوف تواجه الرئيس الجديد، إذ تعاني تونس من صعوبة بالغة في السيطرة عليها، خاصة بعد قيام تنظيم داعش بإنشاء معاقل له في الجارة الليبية، فصارت المشكلة من أبرز التحديات الهائلة التي تواجهها الدولة التونسية، والتي تفرض عليها تحدياً أمنياً واقتصادياً واجتماعياً كبيراً.

 

وفي هذا السياق أكد الرئيس سعيد خلال إحدى المناظرات الانتخابية “أن الوضع في ليبيا يهمنا مباشرة ونحن شعب واحد ولا بد أن يستعيد الشعب الليبي سيادته”، معبراً عن “أسفه من تنظيم مؤتمرات ولقاءات في عواصم خارج ليبيا حول الشأن الليبي دون حضور أي ليبي والحل أن الشعب الليبي هو صاحب السيادة ولا بد من إيجاد صيغة للتعبير عن سيادته على أرضه”.

 

وأشار سعيد إلى أن دور الرئيس التونسي المقبل في هذا الشأن هو” أن يطرح مثل هذا الطرح وأن يوقف تدفق السلاح على ليبيا لوضع حد للاقتتال والصراعات الدموية في الشقيقة ليبيا”.

 

والواضح أن المرتكزات الرئيسية تجاه الأزمة الليبية لن تتغير بما فيها الحفاظ على مسافة واحدة من كل الفرقاء الليبيين، والتركيز على نهج الحوار سبيلاً لحل الأزمة بالطرق السلمية، حيث أكد الرئيس سعيد “سأستقبل كل الأطراف الليبية حتى نضع حدّاً لهذا الوضع المتأزم، ولنمكن الشعب الليبي من تقرير مصيره بنفسه. ولتكون تونس أرض الحوار، لأن القضية تونسية وتهم التونسيين. والليبيون أشقاؤنا ما يؤلمهم يؤلمنا وما يفرحهم يفرحنا”.

 

العلاقات مع سوريا :

 

وفيما يخص الموقف تجاه بعض الملفات الشائكة عربياً وإقليميا، يمكن القول إن الرئيس سعيد يدعو إلى أن تكون تونس ” قوة اقتراح” لحل مشكل النزاع في كل من سوريا والجارة ليبيا، ويقول وناس “لا ننتظر تغييراً جذرياً في سياسة تونس الخارجية، لكن في المقابل يمكن أن نرفع بعض الضبابية والغموض في موقف تونس تجاه الوضع في سوريا وإمكانية إعادة العلاقات التي قطعها الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي في 2012″.

 

وأشار وناس إلى ” أن تونس لا تزال تترأس الجامعة العربية، ومن الضروري أن تسعى بصفة أو بأخرى إلى محاولة إرجاع سوريا إلى مقعدها بالجامعة ومن الممكن أن تلعب دوراً في ذلك”.

 

العلاقة مع الخليج والحرب على اليمن :

 

اتسمت العلاقة التونسية مع دول الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات خلال السنوات التالية للثورة 2011 بالضبابية والفتور، ولم تغير حزمة المساعدات السعودية لتونس والتي بلغت قيمتها 830 مليون دولار حالة المخاوف لدى التونسيين من أن يتم توظيفها للتدخل في الشأن السياسي للبلاد .

 

وفي هذا السياق تحدث الصحفي البريطاني المخضرم، ديفيد هيرست في مقال على موقع (ميدل إيست آي) عن انقلاب خليجي محتمل في تونس، وعن عدم مقاومة الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، الإغراءات المقدمة له من السعودية والإمارات.

 

وشكل فوز قيس سعيد برئاسة تونس خيبة أمل كبيرة  لدول تقود التحالف المناهض للثورات، وفي السياق ذاته حذرت منظمات حقوقية ومهنية تونسية في بيان خاص من “مشاركة قوات تونسية في مناورات عسكرية جوية بتونس مع قوات عسكرية سعودية، هي الأولى من نوعها منذ الاستقلال”.

 

يذكر أن القوات الجوية التونسية قد أجرت مناورات جوية مع نظيرتها السعودية في أكتوبر 2018 في إطار التعاون العسكري بين البلدين، يقول المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية علاء الطالبي “إن إجراء المناورات أمر خاطئ من أساسه، لكونه يأتي في إطار تدريب القوات السعودية، ما يُعد مساهمة في تقوية قدرات الجيش السعودي، التي سيستغلها في حربه ضد اليمن”.

 

وأشار الطالبي إلى أن “وزارة الدفاع السعودية، سبق وقالت إن المناورات تهدف إلى رفع القدرة القتالية للضباط المشاركين وتدريبهم في بيئة مختلفة، فالسكوت عن المناورات، بمثابة استهتار بالجرائم التي ترتكب في اليمن”.

 

ختاماً :

 

انتصر الشعب التونسي مجدداً كما انتصر في المحطات الانتخابية السابقة الرئاسية والبرلمانية، وهذه الانتصارات في الواقع امتداد طبيعي للنجاحات المبهرة لثورة 2011م ، وخلال الانتخابات الرئاسية انتصر الشعب في أكثر من اتجاه، الأول عندما أوصل المرشح المستقل الأكاديمي قيس سيعد إلى قصر الرئاسة في قرطاج، والانتصار الثاني عندما أزاح مختلف مرشحي الأحزاب والقوى السياسية المستهلكة من سباق الرئاسة، والانتصار الثالث وهو الأهم الحفاظ على مكتسبات ثورة 2011 التي أزاحت عقوداً طويلة من الظلم والقهر والاستبداد واستبدالها بالحرية والديمقراطية وحكم الشعب نفسه بنفسه بعيداً عن الوصاية .