السياسية - وكالات:

على أطراف ميناء غزة، حيث البحر شاهد على الحصار والدم، يجلس "أبو وسيم مهرة" في خيمته البالية، يعانق الظلام بعدما فقد بصره وبيته وأحبّته في قصفٍ صهيوني لم يُبقِ له سوى صوته يروي المأساة.


بين أنين الجراح وصمت العالم، يحاول الأب الأربعيني أن يبدأ من العدم، متشبثًا بأملٍ واحد: أن يرى وجه أولاده من جديد، ولو للحظةٍ قبل أن يرحل.


كان أبو وسيم يعيش حياةً بسيطة في منزله ببلدة جباليا شمالي قطاع غزة، يعمل سباكًا بجهده اليومي ليؤمّن لقمة العيش لأطفاله السبعة.


غير أن الحرب سرقت منه كل شيء؛ فقد قُصف منزله، واستُشهد والده واثنان من إخوته، وفُقد الثالث أثناء رحلة نزوح طويلة بحثًا عن مأوى آمن لم يكن موجودًا.


في إحدى ليالي أكتوبر الماضي، بينما كانت العائلة تستعد للنزوح جنوبًا، سقط صاروخ "إسرائيلي" على خيمتهم.


يقول أبو وسيم بصوتٍ متهدج وهو يتحسس طريقه داخل الخيمة لـ صحيفة (فلسطين): "قبل الهدنة بثلاثة أيام وقع الصاروخ علينا. أصبت أنا وزوجتي وأولادي. فقدت بصري كليًا، وبطني مفتوحة، وأعصاب يدي مقطوعة... بس حمدت الله إني بقيت حيّ لأولادي".


لم يبقَ من حياة الرجل سوى الذكريات ووجع النظر إلى الظلام الدائم. زوجته المصابة تحاول خدمته داخل مساحة ضيقة تحولت إلى مأوى وحياة كاملة، بينما يعتمدون اليوم على ما يجود به الجيران من طعامٍ ومسكنات.


"نفسي أتعالج وأشوف بعيني أولادي قبل ما أموت"، يقول أبو وسيم باكيًا. "مش طالب مال ولا بيت، بس أشوف النور بعيني وأعيش باقي عمري بكرامة."


زوجته تجلس إلى جواره، تكتم دموعها وهي تقول: "جوزي كان يعيلنا، واليوم إحنا بلا معيل. الخيمة اللي ساكنين فيها تبرع فيها ناس طيبين، ما عنا فراش ولا بطانيات، ولا حتى طحين."


أما ابنه وسيم، الذي أصيب بأكثر من 38 غرزة من شظايا القصف الصهيوني، فيهمس بصوتٍ واهن: "كنا قاعدين بره، نزل الصاروخ علينا. الشظايا أصابتنا كلنا. من يومها وأنا مش قادر أتحرك، والخيمة ما بتحمينا لا من المطر ولا من البرد."


وسط هذا الخراب، يرفع أبو وسيم نداءه إلى العالم: "أناشد كل إنسان عنده ضمير يساعدني أطلع للعلاج. العدو الإسرائيلي أخذ بصري وبيتي وأهلي، ما ضل غير رحمة الله."


بين ركام الحرب ومخيمات النزوح، يبقى أبو وسيم مهرة شاهدًا حيًا على وجع غزة الذي لا ينتهي. رجلٌ فقد بصره وبيته وأحبّته، لكنه لم يفقد إيمانه بالحياة ولا رجاءه في أن يرى أولاده من جديد.


قصته تختصر مأساة آلاف الجرحى الذين ينتظرون العلاج والنجاة خلف المعابر المغلقة، فيما يظل صوته نداءً لكل ضميرٍ إنساني: "لا تتركونا نعيش في هذا الظلام وحدنا."