السياسية || محمد محسن الجوهري*

في 29 أكتوبر 1956، شنت كل من "إسرائيل" وبريطانيا وفرنسا العدوان الثلاثي على مصر، رداً على تأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس في يوليو من العام نفسه.


ونجح تحالف العدوان في احتلال كامل شبه جزيرة سيناء بما فيها المدن الثلاث الواقعة على القنال (السويس- بور سعيد-الإسماعيلية)، إضافة إلى هجوم مماثل على ميناء الاسكندرية بهدف تشتيت الجيش المصري، فيه وطالت الغارات الجوية أبرز المدن في مصر كالقاهرة، ما تسبب في استشهاد نحو 3000 مصري، أغلبهم من المدنيين.


إلا أن العدوان الثلاثي على مصر توقف بعد أيام قليلة، وتحديداً في 8 نوفمبر وبضغوطٍ أمريكية، حيث نجح الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في استصدار قرار من مجلس الأمن بإيقاف العدوان على مصر، وإجبار أطراف الثلاثة بالتراجع عن احتلال الأراضي المصرية، وكانت هذه هي المفاجأة غير المتوقعة من حليف غربي للصهاينة، لكن أحداثاً كبيرة أجبرت البيت الأبيض على ذلك الموقف.


ومع أن الإعلام العربي والعالمي لا يتحدث كثيراً عن دوافع واشنطن في إيقاف العدوان الثلاثي على مصر، إلا أن التاريخ سجل بطولات عربية نوعية أجبرت الغرب على التراجع عن احتلال مصر، وهي تفجيرات 3 نوفمبر العظيمة التي أوقفت ضخ النفط إلى أوروبا والتي أثبتت أن الذهب الأسود سلاح فعال، وورقة موجعة فيما إذا استخدمها العرب.


والفضل في تفجيرات نوفمبر الشهيرة ليس للأنظمة، بل للعمال العرب في دول الخليج وسورية والأردن وليبيا، والذين بادروا إلى الخطوة بجهودٍ ذاتية، بداية من الأراضي السورية، حيث استهدف العمال والضباط خطين لنقل النفط العراقي إلى مينائي بانياس السوري وطرابلس اللبناني على البحر الأبيض المتوسط.


وفي اليوم التالي، نفذ عمال أردنيون تفجيرات مماثلة استهدفت أنبوباً آخر تابع للنفط العراقي ينتهي إلى ميناء العقبة، فيما اضطرت السعودية إلى وقف تصدير النفط للغرب خوفاً من تفجيرات مماثلة، وبعد إضراب أغلب العمال العرب في حقول المملكة النفطية، كما عمت دول خليجية أخرى مظاهرات عارمة للمطالبة بإيقاف تصدير النفط على غرار ما حدث في سورية والأردن، وأُجبرت دول الخليج على الاستمرار في وقف تصدير النفط حتى تاريخ منتصف مارس من العام التالي، أي بعد 120 يوماً من الحصار النفطي على الغرب.


وهذا الموقف العظيم من أندر وأشرف المواقف العربية على الإطلاق، وكان للشعب السوري عصا السبق في تفجير شرارته قبل أن يلتحق به الأردني وسائر الشعوب العربية، وهو ما أضعف موقف الغرب، وأجبره على سحب الدعم عن الكيان، وإيقاف العدوان الثلاثي على مصر.


ومثل هذه التحركات القومية تشكل حافزاً لتغيير واقع اليوم، فغزة بحاجة ماسة إلى مثل هذه المواقف المشرفة خاصة من الشعب الأردني المعروف بغضبه القومي، فأنابيب النفط تعبر الأراضي الأردنية ناقلةً النفط السعودي، والخليجي بشكل عام إلى الكيان الصهيوني وشركائه الغربيين، حتى يستمروا في إبادة الشعبين العربيين في فلسطين ولبنان.


ولا مجال للرهان على الأنظمة، فهي تدين بولائها للغرب الذي أنشأها، ولكن الرهان على الله والشعوب العربية الأصيلة، فالنفط سلاح مؤثر، وسيجبر الغرب على التراجع عن دعم الكيان، ومثل هذه التحركات سيخلدها التاريخ للشعوب، كما سيسجل عار الحكام الخونة ومشاركتهم الكيان في كل جرائمه بحق نساء وأطفال غزة.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب