السياسية || إدريس عدار*

بعد الهجوم الذي شنه الطيران الحربي لـ"الكيان المؤقت" على إيران فجر السبت (26/10/2024) عادت حكاية "المسرحية" إلى الظهور من جديد، باعتبار أن نتائج الضربة لم تكن متناسبة مع التصعيد الإعلامي لنتيناهو وزيره في الدفاع غالانت.وقد حاول نتنياهو التهويل من النتائج، حيث رسم شكلا للهجوم لا يمكن تحقيقه أبدا، موجها خطابه للداخل كي يعتبر حركته انتصارا. لكن سيموتريش، وزير المالية، ظهر يبكي في لقاء لحزبه وهو يقول إن الضربة لا تعادل ما تعرضنا، وكان يقصد الضربة الإيرانية للكيان يوم الفاتح من أكتوبر.


المسرح الوحيد الذي عرفناه يعتمد على الأشخاص لا الشخوص هو "حلقات الملاكمة" في الأسواق والساحات العامة، حيث يعتمد منشط الحلقة / المسرح على قفازات وعلى قدرته على خداع الحاضرين، فيستل منهم شخصين لإجراء مباراة في الملاكمة، ويشجع كل فريق واحدا من المتبارزين، وتنتهي المباراة بلكمات ودماء على الأنف والأسنان، وعناق بينما يجمع المنشط بضعة دراهم، لكن المسرح يعتمد شخوصا، بأجسادهم الحقيقية لكن بصفات غير حقيقية يتقمصونها.


هذه "المسرحية" التي نعيشها اليوم ويروج لها مثقفون وإعلاميون ومؤسسات وحتى دول، يمثلها أشخاص حقيقيون. كانت تقتضي المسرحية ألا يكون بين أطرافها دماء، وأن يكون هناك تمثيل على المشاهدين، من هذه الدول التي تحرص على مصالح المنطقة، وليست حليفة لأمريكا بل تابعة لها وليست خادمة للكيان المؤقت.


كي تكون مسرحية ينبغي أن تكون 45 سنة من الحصار مجرد مسرحية، وأن يكون الصراع في أوكرانيا مجرد مسرحية لأن روسيا حليفة للصين وإيران، التي تلعب المسرحية مع أمريكا و"إسرائيل".


لو كان الهجوم مدمرا كما كان يتمناه كثيرون لما سمعنا عبارات المسرحية ولسمعنا عبارات مختلفة وأن ايران انهزمت أمام "الكيان الغاصب"، وكل ما لديها مجرد سلاح كارتوني، وبما أن النتائج كانت مخيبة للآمال تم إبداع عنوان "المسرحية" من جديد. واشتغل الإعلام كثيرا على تصريحات منسوبة للمرشد الإيراني وأنه قال لقادة الجيش إذا كانت الهجوم بسيطا لا داعي للرد، وهذا لا ينسجم مع المسرحية، لأن المتفقين على المسرحية يعرفون حدود الأدوار المطلوبة منهم.


في الجهة الأخرى قال المرشد الإيراني "لا ينبغي تضخيم شر الكيان الصهيوني في عدوانه على إيران ولا التقليل منه"، واعتبر أن "إسرائيل" "أخطأت في الحسابات"، وعلينا "إفهامها ذلك". وهي عبارة واضحة على أن الرد حتمي وضروري. كما ينبغي فهم كلامه الأول، الذي ورد في حسابه على منصة إكس (تويتر سابقا)، على أنه دعوة لتقييم نتائج العدوان قصد تحديد الرد المتناسب. أما الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، فقد قال أثناء اجتماع مجلس الوزراء "لسنا دعاة حرب، لكننا ندافع عن حقوق الشعب وعن بلدنا وسنردّ بشكل مناسب على العدوان الصهيوني".


ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي، الإثنين، قوله "أن الجمهورية الاسلامية الايرانية لن تتنازل عن حقها في الرد على الكيان الصهيوني، بشكل حازم وقوي، ولفت الى ان الحدث الأهم الذي حصل في الأسبوع الماضي كان فجر يوم السبت عندما ارتكب الكيان الصهيوني خطأ حسابيا تم التصدي له عبر الدفاع الحماسي للقوات المسلحة الإيرانية والذي كان نقطة تحول بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية".


من جهته قال القائد العام لحرس الثورة الإسلامية اللواء حسين سلامي إن الكيان الصهيوني لن يتصور العواقب المريرة لعدوانه على إيران، مشيرا إلى أن العدوان الذي فشل في تحقيق أهدافه بسبب جاهزية الدفاع الجوي للبلاد، أظهر خطأ الحسابات .


الذين تحدثوا عن المسرحية خلال الهجوم الإيراني على الكيان، قالوا إنه لم يقتل سوى شخص واحد، وتم التعتيم الإعلامي، كي يتم التسويق بشكل كبير لعنوان "المسرحية"، غير أن المسرحية عرفت تصاعدا دراميا من خلال تسريبات كثيرة، بل لقد فضحتها التسجيلات عبر الهاتف التي قام بها الشباب الفلسطيني في الأراضي المحتلة سنة 1948.


ويذكر أن مراسلة إحدى القنوات العربية، المساندة للكيان المؤقت، قالت في لقاء مباشر إن قاعدة نيفاتيم تضررت بشكل كبير، مما جعل القناة تعيد ترتيب الموضوع في مراسلات أخرى، غير أن الإعلام العبري، اعترف في وقت لاحق بما جرى، وكانت صحيفة معاريف، في قسمها العربي، ذكرت أن الأضرار التي لحقت بقاعدة "نيفاتيم" الجوية العسكرية جراء الهجوم الصاروخي الإيراني ستؤثر سلبا على الدفاع الجوي الإسرائيلي، وأوضحت أن الهجوم الصاروخي الإيراني ألحق "أضرارا جسيمة" بالقاعدة التي تقع في صحراء النقب.


وكانت وسائل إعلام غربية تحدثت عن صور رصدتها الأقمار الصناعية أكدت تضرر القاعدة المذكورة بشكل كبير والتي تعتبر موطنا لأكثر طائرات سلاح الجو الإسرائيلي تقدما، وعلى رأسها طائرات الشبح "إف-35 لايتنينغ 2" التي تنتجها الولايات المتحدة. وتحدثت بعض المصادر عن عشر طائرات على الأقل تم تدميرها.


ونقلت منصات على وسائل التواصل الاجتماعي أخبارا عن جنازات أقامتها عائلات الجنود الذين قتلوا في الجنود، وأنه تم عرض مبالغ مالية على بعض العائلات التي تقبل بجنازات محدودة. والأساسي في كل ذلك أن "الكيان المؤقت" يعتبر منطقة عسكرية بالكامل حيث يمنع التصوير إلا بإذن، وتتم معاقبة من يصور مواقع عسكرية عبر الهاتف.


في الهجوم الذي شنه طيران العدو الصهيوني تم أيضا الحديث عن مسرحية، خصوصا بعد تصريح وزير الخارجية عباس عراقجي عن التقاط إشارات عشية الهجوم. التقاط إشارات لا يعني أنه تم تبليغهم بذلك. التقاط الإشارات قد يكون من قبل دول كبرى لها نفوذ فضائي وخصوصا روسيا أو التوصل بمعلومات استخبارية، وأخيرا تمت محاكمة سبعة أشخاص بتهمة التخابر مع إيران، ولم يتحدث المتحدثون عن أن الكيان المؤقت مخترق أمنيا.


لكن ينبغي التأكيد على أن الضربة قد كانت قوية بنتائج ضعيفة جدا، وليس هناك تلازم منطقي بين القضيتين. تم الحديث تقنيا عن سرب من المسيرات لإشغال الدفاعات الجوية، وتحدث الصهاينة عن 120 مسيرة، قبل الهجوم عبر 25 طائرة حربية منها 10 من الإف 35 (حسب تصريح مسؤول إسرائيلي لصحيفة وول ستريت جورنال الامريكية).

النتائج الضعيفة لم تكن منا وسلوى تم تقديمها لإيران، ولكن لأن البلاد محصنة دفاعيا، وتم إجبار الطائرات الـ25 على البقاء خارج الأجواء الإيرانية، وتم استغلال الأجواء العراقية، التي تحتلها الولايات المتحدة الأمريكية، ويقال يوميا إن إيران تحتل العراق. هذا الاقتدار في الدفاع هو الذي جعل النتائج ضعيفة، وليست منعدمة وقد أعلنت إيران عن بعضها وعلى رأسها أربعة شهداء. وقضية الشهادة عند القوم شرعية ليس فيها مبالغات ولا تكتم. لكن الدماء تقتضي القصاص. مما يجعل الرد حتميا والحالة الوحيدة التي يُحتمل فيها الإحجام عن الرد هي الإسراع بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بغزة.


من الطرفين تُكلف هذه "المسرحية" ملايين الدولارات، فبارود المحرك يتطلب مالا، ناهيك عن صواريخ متقدمة سواء للهجوم أو الدفاع، كما تكلف دماء كثيرة، ودماء قادة وجنرالات وعلماء في النووي. كل هذا فقط ديكور لمسرحية تحاك فصولها ضد منطقة هي منخرطة حتى القاع في المشروع الصهيوني.


  • المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبه