السياسية : تقرير

الزائر لمعرض "فن وصمود وانتصارات"، المقام حالياً في جاليري صنعاء، يكاد لا يسمع سوى تعالي أصوات ضجيج الثورة، وهدير الغضب الشعبي المتصاعد جراء استمرار جرائم الإبادة الجماعية الأبشع في التاريخ الإنساني، لقطعان الاحتلال والعدو الصهيوني الأمريكي في غزة ولبنان.

فما أن يلج الزائر بوابة الجاليري الخشبية، من الناحية الشمالية المطلة على ساحة ميدان التحرير، بقلب العاصمة صنعاء، حتى تبدأ تلك الأصوات تتجاذبه وتأخذه بعيداً عما يدور في الخارج من أصوات وأحداث.

تبدأ اللوحات تستقبل الزائر عند المدخل الزجاجي للجاليري ذي الطابع المعماري التقليدي الجذاب، والتي تحمل صوراً عبارة عن بورتريهات لرموز وأعلام قادة محور المقاومة، وشهدائها الأبطال، ممن ضحوا بأرواحهم للدفاع عن الأمة وقضاياها المصيرية العادلة، وعلى طريق القدس وفلسطين.

من أبرز أولئك الشهداء العظماء، الذين حمل كل منهم قصة متفردة في النضال والاستبسال، الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، والشهيد الرئيس صالح الصماد، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد اسماعيل هنية، وأمين عام حزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله، وقائد فيلق القدس الشهيد قاسم سليماني وكوكبة من الشهداء.

كما تبرز من بين صور أعلام قادة المقاومة، صورة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حاملة معها الكثير من الدلالات والرمزية، وهي تؤكد تصدره للمشهد اليوم كأهم شخصية تقع على عاتقها قيادة محور المقاومة ضد محور الشر والعدوان الصهيوأمريكي.

ينتقل الزائر بعد ذلك، عبر سلسلة من اللوحات المليئة بالأحداث، إلى ضجيج أصوات السلاح وأزيز الرصاص، ولوحات زيتية تصور رجال اليمن وأبطاله، وهم يعتمرون أسلحتهم في ميادين الشرف والبطولة، ويلقنون الغزاة والمعتدين على مدى السنوات الماضية، دروساً في الإباء والعزة والكرامة والذود عن الأرض والعرض والانتصار للسيادة الوطنية.

لا تكتفى اللوحات بتجسيد ما شهده اليمن من عدوان سعودي أمريكي وحصار مستمر للعام العاشر، وجملة ما أفرزه من معاناة للمواطنين على مختلف الاتجاهات والأصعدة، بقدر ما تربط بين كل ذلك وبين ما تشهده المنطقة من أحداث جسام لأعظم وأقدس ثورة في التاريخ الحديث والمعاصر، تعيشها دول محور المقاومة وشعوبها، في مواجهة قوى الظلم والاستكبار العالمي ووكلائها ومرتزقتها في ظل صمت وتواطؤ عربي ودولي مخزي.

في منتصف صالة العرض، التي فتحت أبوابها مؤخراً لإقامة المعارض بعد توقف دام عدة سنوات في رسالة مفادها أن للفن والريشة صوت لابد أن لا يخبو في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الأمة؛ يتوقف الزائر أمام عدد لا بأس به من اللوحات الزيتية التي تصور واحدية المعاناة التي تعيشها الشعوب اليوم في كل من غزة والعراق وسوريا ولبنان واليمن.

ويرتفع صوت هدير طائرات قوى العدوان وغاراتها الغادرة، واستهدافها الأبرياء من المدنيين وتداعياتها من دمار وقتل وتشريد ومعاناة، ويتردد صدى ذلك الصوت في آذان الزائرين، في هيئة صرخات مدوية تنطلق من حناجر أمهات وأطفال لا حول لهم ولا قوة، مستنجدة بعالم أصم عجز تماماً عن إيقاف المجازر والوقوف إلى جانب الحق وأهله.

في أروقة الصالة المكونة من غرف وسراديب ملحقة مزودة بالإضاءات الملونة المسلطة على اللوحات القماشية المتصلة بأسلوب جمالي بالجدران، الجصية، والحجرية، عبر خيوط من النيلون، تتسرب أصوات المظاهرات والمسيرات السلمية التي سبقت ثورة الـ21 من سبتمبر الخالدة، وما تلاها من أحداث، لتشير إلى أهمية الثورة وتوقيتها وكيف جاءت لتصحح مسار الثورات اليمنية ككل وتحقق الكثير من أهدافها وأهمها بناء جيش وطني قوي والتحرر من الارتهان والوصاية.

كما تتجلى للزائر من بين جملة ما تحمله الكثير من اللوحات التشكيلية من ايحاءات، ملامح البطولات التي تسطرها جيوش وشعوب محور دول المقاومة، وانجازاتها العسكرية والسياسية والإعلامية، في وجه آلة العدوان على ضخامتها عسكرياً وإعلامياً، ليجد الزائر نفسه أمام لوحات تعري وتفضح كل ذلك الزيف والإدعاء للعدوان وللمجتمع الغربي ومرتزقته تجاه الكثير من القضايا المتصلة بحقوق الإنسان والمرأة والطفل والتفوق الأخلاقي الغربي المزعوم..

ووسط مزيج أصوات المدافع والمظاهرات والغضب والثورة، وتداعيات حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين في غزة ولبنان، تجسد لوحة أخرى من اللوحات الصمود في أنصع صوره بلوحة طفل يتمسك بالحياة رغم إحاطته بالدم والموت وأدواته من كل صوب.

في حين تنبعث من بين اللوحات أصوات الأمل والتفاؤل بتصويرها له في شكل نور متوهج يظهر في آخر النفق المظلم، بإحدى اللوحات، في رسالة تؤكد حقيقة أن الانتصار للحق على الباطل آت لا محالة.

وعبر أكثر من 100 لوحة فنية لـ 35 فناناً وفنانة من المحترفين والموهوبين يتضح للزائر أن ما تكتظ به الصالة من لوحات مسكونة بالرجال والنساء والأطفال المقهورين، تبدو وكأنها سيرة روائية أو لائحة اتهام تندرج ضمن أدب السقوط الأخلاقي للعالم المنافق، معرّية المجتمع الدولي بأكمله، الذي يخفي خلف تظاهره بتجاهل وغض الطرف عما يحدث في غزة ولبنان وادعائه للفهم، جهله وخنوعه وخوفه من أمريكا وسقوطه في مستنقع أزمة انعدام الضمير الإنساني.
سبأ