طوفان الأقصى فرزت العرب إلى طائفتين
السياسية || محمد محسن الجوهري*
المرحلة التي سبقت عملية "طوفان الأقصى" كانت أشبه بحقبة من التيه كتلك التي عاشها بنو إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، حيث لم يكن للعرب أي مشروع عملي لتحرير فلسطين، وبدت "إسرائيل" وقد أحكمت قبضتها على العالم العربي، سيما بعد موجة التطبيع العلني، وغير المسبوقة في معسكر الردة والخيانة بقيادة الرياض وأبوظبي.
ومع اشتداد السواد في سماء العرب جاءت طوفان الأقصى، لتعيد للأمة الأمل بنهاية عصر الاستعباد، وبأن العرب قادرون على استرداد كامل حريتهم وأراضيهم المحتلة، وأن "إسرائيل" قابلة للكسر والهزيمة، وأن المسألة مجرد وقتٍ وجهد حتى يتحقق الأمل بزوالها.
وكان من أهم نتائج طوفان الأقصى أن فرزت العرب إلى معسكرين، فإما مسلم صريح أو صهيوني صريح، ولا ثالث بينهما، وتجلت عدد من الأنظمة العربية بصهيونيتها المستفزة، والمعادية للأمة، ولكل الثوابت الدينية والأخلاقية، كالنظامين المصري والأردني، إضافة إلى معسكر الأعراب الأشد كفراً ونفاقاً، وبات من الواضح أن هذه الأنظمة وما يصدر منها، كله من نتاج اليهود ومؤامراتهم الدنيئة على المسلمين.
والمعسكر الثاني، هو معسكر الجهاد والممانعة، وبرزت فيه اليمن إلى جانب حزب الله وإيران، كقوى رافضة للإجرام الصهيوني، وأعلنت انحيازها العلني للشعب الفلسطيني، وطموحاته المشروعة في الحرية والاستقلال، وظهر اليمن كلاعب إقليمي يهدد القوى الكبرى، ويمنعها من المرور من البحر الأحمر ومحيطه، إلا ما كان منها خلسة وبالتهريب.
وبظهور موقف اليمن اتضحت الصورة حتى عن العدوان السعودي – الإماراتي على اليمن، وظهرت الحقيقة للكثير من المغرر بهم بأن اليمن يتعرض للحرب والإبادة بسبب مواقفه القومية، وأن العدوان عليه كان صهيونياً بامتياز، ولو أن آل سعود يدافعون عن شرف الأمة لكانت فلسطين أحق بعاصفة الحزم، بدلاً من اليمن التي لم ولن تقف يوماً في صف الكيان العبري.
ولم تكن التضحيات هينةً خلال العام الأول من طوفان الأقصى، وشملت شخصيات من المستويات كافة، إضافة إلى عشرات الآلاف من المواطنين في غزة ولبنان، وهذا مصداق الجهاد في سبيل الله، في وقتٍ لم يكتفِ فيه أغلب العرب بالمشاهدة، بل انطلقوا في صف الصهاينة على مختلف الأصعدة، أقلها إقامة جسرٍ بري لإمداد الكيان بحاجته من الغذاء والدواء، بالتزامن من حرمان غزة من أبسط الاحتياجات الإنسانية، في مشهدٍ يظهر مدى خنوع العرب وصهيونيتهم القذرة، متناسين بأن الصهاينة لا يحملون الجميل، وسيجازونهم يوماً بجزاء السادات والملك فيصل.
وبات اليوم من البدهي أن الأنظمة العميلة وكل ما يصدر منها، سواءً من تصريحاتٍ إعلامية أو تثقيفٍ ديني، ليس إلا جزءاً من الحرب الصهيونية على الإسلام والمسلمين، ومن الغباء والجرم أن نصدق -بعد اليوم- لأي شيخٍ وهابي، أو مذيعة خليعة، فكلاهما يخدمان المعسكر الصهيوني نفسه وبوسائل مختلفة، كما هي عادت اليهود في تنويع مصادر الإفساد للأمة.
ورغم التضحيات إلا أن المعركة مستمرة والتضحيات قائمة ويرافقها الانتصارات المتتالية، وبإذن الله ستنتهي إلى هلاك المشروع الصهيوني، وبتحقق وعد الآخرة، ولن يتم ذلك إلا بالصبر والجهاد، والاستمرار في توجيه الضربات تلو الضربات للكيان المؤقت ولكل من يقف إلى جانبه من الأعراب والمنافقين.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب