السياسية || محمد محسن الجوهري*

تمتلك "إسرائيل" قوة إعلامية هائلة ونفس استخباراتي طويل جداً، ولكنها أعجز بكثير من أن تدخل في حربٍ مباشرة مع دولة قوية كإيران، لأن الخطر عندها سيكون وجودياً على الكيان، وقد تخرج الأمور عن السيطرة فتنهار "إسرائيل" فجأة، وذلك أشد ما تخشاه.

ولو كانت إيران بمساحة صغيرة ومحاصرة من أنظمة عربية، كما هو حال غزة، عندها تستعرض "إسرائيل" كل طاقة الموت لديها، وتبدأ بإبادة أكبر عدد ممكن من المدنيين، لأنها تضمن محدودية الرد، وعجز المجاهدين عن توجيه ضربات قاصمة ضدها، بعد أن ضمنت ولاء الأنظمة العربية المحيطة بغزة وفلسطين، وجندتها ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

لكن الوضع مع إيران يختلف، فـ"إسرائيل" ليست جغرافيا حقيقية، بل كيان مستعار على أرض ليست بأرضه، كما أن مواطنيه كافة مستوردون من الخارج، وقد يرحلون عنه إذا اشتدت الأزمة، ولذا تلجأ "إسرائيل" دوماً للحرب الاستخباراتية مع إيران، وتتجنب المواجهة المباشرة حتى لا تخسر ديمغرافيتها وجغرافيتها معاً.

بالمقابل، لا تملك إيران القدرات الاستخباراتية التي تملكها "إسرائيل"، ولا غرابة أن تتلقى الضربات الموجعة المتوالية من "الكيان الصهيوني"، لكن من تحت الحزام، وكذلك تأليب الرأي العام على القيادة الإيرانية في الداخل والخارج، وهنا تكمن قوة "إسرائيل" ونقطة ضعف إيران.

ولذلك تحافظ تل أبيب على حالة من اللا-سلم واللا-حرب مع طهران، حتى يتسنى لها توجيه أكبر عددٍ من الضربات الأمنية في نحرها، شريطة اللا يقود ذلك إلى حربٍ شاملة، وهنا يكون الميدان الذي لا طاقة لإيران بالمواجهة فيه، فالمخابرات لعبة اليهود والإفساد من الداخل فنهم الذي يتقنونه بكل تفاصيله.

وقد شاهدنا "إسرائيل" وردها على عملية الوعد الصادق الأولى، وكيف تجنبت الرد المباشر، وظهرت حينها بمظهر الوهن والخوف، وكان المفروض على إيران أن تستمر عندها في توجيه الضربات المباشرة، ولو فعلت ذلك لما خسرت رئيسها السابق الشهيد إبراهيم رئيسي ورفاقه، ولما تمادت تل أبيب باغتيال الشهيدين هنية ونصر الله، باختصار اليهود لا يجرؤون على المواجهة الندية المباشرة، وهنا تكمن نقطة الضعف للكيان، ومنها ستؤتى وتكون نهايتها بإذن الله.

وكل ما نتمناه من إيران، هو أن تستمر في الضربات المباشرة للكيان، ولتوجه الصفعة تلو الأخرى، لتأمن أولاً ولتردع "إسرائيل" عن التمادي في ارتكاب مجازر الإبادة بحق الشعب الفلسطيني واللبناني، فهنا المعركة غير متكافئة، والأولى أن يبقى الصراع المباشر قائم، وهو ما تأمله كل شعوب العالم، وليس فقط العرب.

وفي حال تكررت الضربات الإيرانية على الكيان، فإن مصداقيتها وشعبيتها تتعاظم في العالم، وحتى مصالحها الاقتصادية تتوسع، لأن الغرب يخشى من فرض أي عقوبات اقتصادية ضد الشعب الإيراني، خوفاً من ضربات مباشرة أخرى ضد اليهود، إضافة إلى أن تحرير فلسطين هو هدف أسمى للثورة الإسلامية في إيران، وعليها الوفاء له قبل أن تتغير قواعد اللعبة، ويتمكن الغرب من قلب الطاولة في إيران، عبر الإفساد الأخلاقي والمؤامرات الداخلية، كما حدث وفعلوا من قبل في سورية الشقيقة.

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب