السياسية || محمد محسن الجوهري*

حالة الارتزاق والخيانة ليست وليدة العصر، بل هي حالة قائمة عبر الأجيال وحتى في العصر الإسلامي الأول، ولولا مرتزقة الأمس ما كانت الأمة ترزح اليوم تحت وطأة العملاء والمنافقين، ولما كانت أراضيها مستباحة من إخوان القردة والخنازير، رغم أنهم أكثر الناس ذُلاً ومسكنة، وأحرصهم على الحياة خوفاً من الموت.

وعبارة "الصلاة خلف علي أتمّ لكنَّ طعام معاوية أدسم" تشير إلى الصراع الأبدي بين الحق والباطل، فالأخير دوماً يقدم نفسه على شكل مصالح وأموال ويستدرج بها ضعاف النفوس ليجندهم ضد الحق وأهله، خاصة وأن أنصار الأخير هم القلة في كل زمانٍ ومكان.

ففي القرن الأول الهجري، كان معاوية ينفق أموال المسلمين لشراء الذمم، واستطاع أن يستميل الآلاف المؤلفة من المغرر بهم، ممن آثاروا الحياة الدنيا على الآخرة، وأوهم الناس بأن الخلاف مع الإمام علي مجرد صراعٍ على الملك، وليس صراع بين الحق والباطل.

ومن هنا نشأت كل الأنظمة الانتهازية في العالم الإسلامي، وكانت سبباً في خفوت العرب، وتراجع هيبتهم لصالح الفرس والأتراك والمماليك، بعد أن أضاعوا عوامل القوة لديهم، بداية بالرسول وآل بيته، ليتسلط عليهم الطغاة قرناً بعد قرن، وحتى يومنا هذا.

ولم يكتف الطغاة باستعباد المسلمين، بل سارعوا لتسليم أمر الأمة لأعدائها من اليهود والنصارى، وتسابقوا على المتاجرة بثوابتها الدينية حتى يتسنى لأعداء الإسلام فرض سيطرتهم على الأمة دونما رادع، ولولا عناية الله لانتهى الحق كلياً من المعمورة، نظراً لحجم الإفساد والطغيان الذي ملأ العالم، وشمل كل جوانب الحياة الثقافية والدينية.

وفي واقع هذا العصر، نرى أن حالة الارتزاق سبب نكبة الأمة، فالكثير من اليمنيين سارعوا إلى رفع راية "شكراً سلمان" ليس حباً فيه، فهم يعلمون أنه رجلٌ تافة وعدو لوطنهم ودينهم، لكن بريق المال أغراهم، وسارعوا إلى تأييد العدوان على اليمن أملاً في بعض المال المدنس، وشاركوا آل سعود في إبادة عشرات الآلاف من أبناء جلدتهم مقابل الوجبات السعودية الدسمة.

وللأسباب نفسها تخلى العرب عن دينهم وعروبتهم، وهاهم يتفرجون على اليهود وهم يبيدون إخوانهم في كل يوم، ويذبحون النساء والأطفال ويدنسون المساجد والكتاب العزيز، بعد أن سلموا الراية للأعراب الذين وصفهم الله بالأشد كفراً ونفاقاً.

ومن مِنِّا يستطيع أن ينسى مقولة عبدالفتاح السيسي – الرئيس المصري- الشهيرة بأن دول الخليج تمتلك "فلوس زي الرز" مبرراً عمالته لها، وهي بدورها تنفق تلك الأموال مقابل الخنوع للكيان الصهيوني، ومساندته المباشرة في إبادة مسلمي غزة بالحصار وغيره من أساليب القتل والتجويع.

وعلى ذلك درج سائر الحكام العرب، يأتمرون بأمر "إسرائيل" مقابل أموال الخليج، مؤكدين السنة الثابتة لدى عبدة المال بأن طعام معاوية أدسم، حتى لو على حساب الصلاة خلف علي، متجاهلين بقية القصة، وكيف قضى المرتزقة الأوائل بسيف معاوية وابنه يزيد في نهاية المطاف، وهذا هو حال مرتزقة اليوم، فالباحثون عن الرفاهية على حساب الدين محكومٌ عليهم بالهلاك، وخسارة الأمرين معاً، وفي التاريخ عبرٌ كثيرة.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب