د. محمد المعموري*

لم يكن يوم 8/9/2024 يوما عاديا في معبر العروبة بين الأردن وفلسطين المحتلة، لقد كان هناك بطلاً يترصد الاقدار لكي يكتب على هذا المعبر آية الوفاء والشكر والعرفان والثأر والإيثار لأطفال غزة أولا ومن ثم شيوخها ونسائها وليسجل للتاريخ "هناك" إدانة لجُبن وتخاذل بعض حكامنا وليخبرنا إن دمه وحياته ليست إلا نذر لغزة ولهؤلاء الشجعان وسيَسال ويُسأل: كيف تقدم ولمن قتل ومن أجل من قدم نفسه فداء؟
لقد تعلمنا من الشهيد "ماهر ذياب حسين الجازي" أن للشهادة طعم وللعروبة نداء فتسارعت خطاه نحو عروبته ودينه وأبناء جلدته فهو يعلم أن الدنيا بهذا الذل ليست غايته وأن الشهادة من أجل نصرة غزة هي مبتغاه وأن كل ما يترتب على ما يقدم عليه ليس إلا صرخة في واد العروبة الذي تجمدت بداخله كل نخوةٍ ونصرةٍ لغزة وأهلها فأصبحت وأمست تلك العروبة مقيدة بأصفاد حاكم أو بخذلان محكوم خاضع لإرادة سيدٍ أو سوط متجبر أو ربما تَغيبٌ للعقلِ فنسى وتناسى بعض العرب حاله حتى أنه يجهل معنى عروبته.
شهيدنا "الجازي" الذي قدم نفسه ولم يفكر إلا بنصرة أهله في غزة وشمال الضفة فارتقت روحه لتكون إدانة وفخر، عزاء وفرح كابوس وحلم شهادة ونصرة، فهي إدانة لكل من تخاذل، وفخر لكل من نصر غزة وأهلها، وعزاء للكيان المحتل فها هو رئيس وزراء الكيان يقول "إنه يوم عصيب"، وهو يوم فرح لأهل الشهيد وبناته الثلاث وولده فكم ستذكر سيرته وكم سيكون ابنه فخور بابيه، وبناته الثلاث سيسعدن بنخوة ابيهن.
ربما سيدان هذا البطل وربما يطلق على اسمه صفة الإرهابي وربما سيضيق على أهله وربما ستكون منابر تدين شجاعته، إلا أننا يجب أن ندرك حقيقة واحدة إلا وهي أن العدو الصهيوني منذ أكثر من سبعين عاما يقتل ويهجر ويسجن الشجعان من أبناء فلسطين، ومع كل جريمة يرتكبها يجد له مبرر على فعلته وهو يعلم إنه لن يدان ولن يتعب حاله في إيجاد تبرير لفعلته، وها هو يتفنن في قتل أبناء غزة منذ ما يقارب العام والعرب في صمت وبعض الحكام يقدمون له الدعم وأغلب سياسات العرب تتجه نحو الصمت والصمت يجعل صداه يتكسر في نفوس العرب ليكون ميزان وطنية بعض حكامنا في بئر أغلقت أبوابه.
نعم "ماهر الجازي" شهيد بإذن الله، فهو قتل من يقتل أبناء غزة وهم يحملون سلاحهم وصفتهم العسكرية، ولم يقتل طفل أو يفجر في مستشفى أو يستبيح دماء أبرياء عند بزوغ الفجر في بدايات النهار، إنه قتل جنود من الجيش الصهيوني، يوجهون بنادقهم نحو أبناء بلده، فأصبحت يداه تحمل سلاحه لا بطراً ولا تراجع بل هو ثائراً من أجل صرخات أطفال، ألم نرى مجاز تنقل الينا على الهواء ودماء تسيل وبيوت تهدم وصرخات من تحت الركام فكم من عائلة أبيدت، وكم من طفل أصبح يتيم وكم من أم ثكلت وكم من شيخ قطعت أوصاله أو انتزعت روحه من بين أنفاسه وكم من جائع نام يحلم برغيف خبز…؟
كل هذا ونحن ننتظر عطف بايدن وتصريح هاريس وكذب ترامب وعنجهية ووحشية نتنياهو، وإذا ما أقدم بطل للثأر من بني صهيون أصبح إرهابيا ونسمع الإدانة من أبناء جلدتنا فتزداد قبضة بعض حكامنا وتكبر مساحات السجون لترمى بها همم الرجال وتجرد عند بابها كرامة العروبة فتنسلخ عند كل جلاد سمة العروبة من أجل أن يحافظ حاكم هنا أو هناك على كرسيه ولتذهب غزة إلى حيث.
من أجل هذا فان مؤشرات الثأر لدى العرب أصبحت تزلزل أركان بعض حكامهم ورغم التعتيم الإعلامي أو تشويه صورة أبطال غزة أو تبرير لصمت بعض الحكام فإننا نلاحظ أن الشعب العربي يغلي ويتأهب لنصرة أهلنا في غزة وشمال الضفة وأن الضغوط والتهديدات لبعض الحكام أصبحت لا تجدي ولا تنفع فإن العربي سيثور ويحطم القيود ويكسر أبواب السجون ليسترجع كرامته ونخوته وسيؤازر أبناء غزة ويهب لنصرتهم عاجلا أم آجلا برغم كل المحددات والمبررات التي تحول دون ذلك.
لقد أصبحت أهداف العدو في إنهاء المقاومة الفلسطينية كضرب من الخيال وأصبح السؤال يوجه إلى نتنياهو ماذا حققت من أهداف ومتى تتخلص من حماس وأين وجهتك ولماذا الاستمرار بهذه الحرب وإلى أين.. فلا غزة سلمت أبطالها ولا مقاومة انتهت أركانها، والمهم السؤال اليوم ماذا حقق نتنياهو وبماذا يبرر عدوانه وإلى أين يتجه؟
الرحمة والخلود لروح ثأر واستجابت لنداء أبناء غزة، والفخر لأبناء فقدوا أبوهم من أجل عروبتهم ودينهم.
الله المستعان

* كاتب وباحث عراقي
* المصدر: موقع رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب