الفتوحات الإسلامية في مواجهة الاستعمار والحملات الصليبية
السياسية || محمد محسن الجوهري*
لم يتوقف الطمع الغربي عبر التاريخ في الوطن العربي، وإذا تتبعنا المراحل التاريخية للعالم العربي وأوروبا، سنجد أن الأخيرة هيمنت على معظم البلاد العربية على مدى عقود، باستثناء مرحلتين منفصلتين في تاريخ العرب والمسلمين، الأولى إبان الفتوحات الإسلامية في العهد النبوي، وخلال القرن الهجري الأول، وكانت مرحلة ضعف في تاريخ الإمبراطورية الرومانية، والمرحلة الأخرى كانت إبان الفتوحات العثمانية وهي المرحلة الممتدة من منتصف القرن الثامن الهجري إلى أواخر القرن العاشر الهجري.
وبمجرد انحسار المرحلتين، عادت أوروبا المسيحية إلى غزو العالم الإسلامي على مرحلتين أيضاً المرحلة الأولى حملت اسم "الحروب الصليبية" واستمرت من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096 - 1291)، وكانت حملات دينية في العلن، وتحت شعار الصليب وذلك لتحقيق هدفهم الرئيسي وهو السيطرة على الأراضي العربية والقدس وبلاد الشام بشكلٍ خاص.
المرحلة الثانية هي مرحلة "الاستعمار"، وهي نفس الغزو الصليبي لكنها رفعت شعاراً اقتصادياً لإيهام العرب بمرحلة من النمو والرفاهية، والهدف هو تجنب الدخول في صراع ديني مع المسلمين، وقد بدأت تلك المرحلة من منتصف القرن الثامن عشر، ولا تزال قائمة بشكلٍ أو بآخر في أغلب الدول العربية بعد أن حلَّت الولايات المتحدة محل أوروبا في الهيمنة على المنطقة وثرواتها، ومقدساتها الدينية.
ولم يقتصر خطر أوروبا الغرب على العالم الإسلامي بل امتد إلى كل البشرية، فأوروبا مسؤولة عن إبادة مئات الملايين من البشر حول العالم، والقضاء على شعوب وقبائل بأكملها في أفريقيا والأمريكتين وأستراليا وغيرها من بقاع المعمورة، فحيثما حل الأوروبي حل الدمار والاقتتال بين سكان المنطقة، وأساليبهم في القتل والتدمير معروفة وأبرزها سياسية "فرق تسد" الشهيرة.
من هنا تتضح عظمة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله والذي كان حريصاً على إنقاذ البشرية من إفساد أهل الكتاب حتى وهو على فراش الموت، وما "جيش أسامة" الذي وجهه حينها إلى الروم إلا مؤشر على حجم الوعي لدى النبي بمستقبل الأمة والعالم أجمع، وكيف سيمعن الغرب الكافر في إذلالها وامتهان كرامتها، ولو أن الصحابة التزموا بوصيته لتغير وجه العالم ولكانت أوروبا دخلت في الإسلام، وسقط على إثر ذلك مؤامرات اليهود والنصارى التدميرية التي نراها ونعايشها حتى اليوم.
وللأسف الشديد أن العرب لم يلتزموا بالمنهج النبوي وتخلوا منذ اليوم الأول لرحيله عن مبدأ الوحدة الإسلامية والاعتصام بحبل الله، فاختلفوا وتفرقوا وذهبت ريحهم، فكانت النتيجة أن استعاد أهل الكتاب الهيمنة على العالم الإسلامي، وتجنيد بني أمية لحماية حدودهم من المسلمين، وتوجيه الصراع إلى الداخل الإسلامي، فكانت الفتن والمؤامرات الكبرى وانحراف الجهاد عن مساره الطبيعي.
ولهذا تجد المنافقين من الأعراب وغيرهم يقدسون تلك المرحلة وينهون علماء الأمة من تبيين حقيقتها بل ويشيرون إلى أهل الفتن بالسلف الصالح، وكل ذلك لإبقاء المسلمين على حالة الخلاف تلك، وهو السلاح الذي انتصر به أعداء الإسلام على أمة محمد، وستبقى انتصاراتهم متتالية مادام ومعسكر النفاق يتحكم بالثقافة العامة، ويشوه تاريخ الرسول والدين، ويقدم أعداء الرسول كمؤمنين ومصلحين ويسعى لفصل أمة محمد عن محمد.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب