سيوف "إسرائيل" الحديدية تنتقل إلى الضفة... ما الذي تسعى خلفه!
محمد هلسة*
كانت مناطق الضفة الغربية واحدة من ساحات المواجهة الرئيسية التي أرّقت "إسرائيل" حتى قبل السابع من أكتوبر 2023، حيث سعت لاجتثاث "العمل المقاوم" من مدن ومخيمات شمال الضفة الغربية تحديداً، عبر حملات عسكرية متواصلة كان آخرها وأشدّها "البيت والحديقة" في مدينة جنين ومخيمها في مطلع شهر تموز/يوليو 2023.
ولمّا عَجِز "جيشها" عن ذلك بالعمل العسكري لجأت، مع الولايات المتحدة، إلى القمم الأمنية الإقليمية التي عُقدت في الأردن ومصر والنقب سعياً للوصول إلى ترتيباتٍ أمنية بمساعدة السلطة الفلسطينية، وبالشراكة مع أطراف إقليمية محلية بهدف إنهاء المقاومة في الضفة الغربية. لكن طوفان الأقصى أطاح بكلّ الخطط "الإسرائيلية" ـالأميركية ووضع "إسرائيل" في مواجهة وضعٍ مُركّبٍ وأكثر تعقيداً وتهديداً بعد أن توسّعت وتصاعدت ساحات الفعل الفلسطيني المقاوم لتشمل وسط الضفة الغربية وجنوبها، بل وفي "أراضي 48" والقدس المحتلة.
كثّفت التنظيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، جهودهما لتنفيذ عمليات نوعية، وسَعَتا إلى تكريس "وحدة الساحات" من خلال إشراك الضفة الغربية بالفعل الوطني المساند لغزة شعبياً وعسكرياً، على خلفية الحرب الإسرائيلية الدائرة على القطاع، خاصة مع تصاعد الإجراءات الأمنية "الإسرائيلية" العقابية الانتقامية في الضفة، وتصاعد عُنف المستوطنين الحاد ضد الفلسطينيين، بتغطيةٍ وإسنادٍ واسعين من قِبل أجهزة "الدولة" الرسمية.
مع استمرار الحرب على قطاع غزة، توسّعت المواجهة العسكرية في الضفة وتصاعدت، بخلاف التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، التي واكبت الحرب بوتيرة عالية في بدايتها، ثم ما لبثت أن تراجعت وخبت حتى تلاشت تقريباً من مختلف مدن الضفة لاعتباراتٍ مختلفة، أهمها: تبدّي موقف السلطة الفلسطينية الرسمي الذي آثر الانتقال من النأي بالنفس في بداية الحرب، إلى التدخّل الصريح لمنع توسّع الاحتجاجات في الضفة ومنع التصعيد، بل والتعطيل على المساعي الداعية لإشراك الضفة في إسناد غزة شعبياً وعسكرياً عبر سياسات الاحتواء والتنفيس تارة، والتهديد والقمع تارة أخرى.
زد على ذلك حملات البطش والانتقام الشديدة التي شنتها قوات الاحتلال "الإسرائيلي" ضد الفلسطينيين في الضفة منذ بداية الحرب، منها عمليات الاعتقال التي طالت حتى الأسبوع الأول من أيار/مايو ما يزيد عن 8495 معتقلاً فلسطينياً ممّا غيّب إمكانية تنظيم الجماهير اجتماعياً وسياسياً في الضفة، وأبقى تركيزها في سياق الهموم والالتزامات الفردية أكثر من الأيديولوجيات والالتزامات الجماعية التي تُغذّي الانتفاضات الجماهيرية.
يستمر "العمل المقاوم" في الضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 في إطار مساعي فصائل المقاومة لإسناد جبهة غزة وقطع الطريق على مساعي "إسرائيل" لإنهاء مظاهر العمل المسلح الذي ظل يُشاغلها ويزعجها لسنوات. ورغم كل الصعاب والمخاطر تستمر المقاومة في تصعيد عملياتها والهدف أولاً؛ تحويل الضفة الغربية إلى جبهة إسناد رئيسية لقطاع غزة، وثانياً؛ تخفيف وتيرة وأثر الحرب على القطاع والضغط على "إسرائيل" للموافقة على إنهاء الحرب ودَفعِها لسحب "جيشها" منه.
زد على ذلك أن عمليات المقاومة المتصاعدة عمّقت أزمة حكومة الاحتلال واستنزفتها في مسارات متعددة، خاصة الاقتصادية والأمنية، ورفعت تكلفة التدابير الأمنية التي تتخذها في الضفة الغربية إلى الحد الأقصى. كما أنّ عمليات المقاومة في الضفة الغربية أكدت أنّ الروح الكفاحية للفلسطينيين ما زالت حاضرة رغم محاولات وجهود "إسرائيل" والمتساوقين معها فلسطينياً وعربياً لكي الوعي وفرض سياق اجتماعي سياسي مختلف، يفترض تقبّل "إسرائيل" والانكفاء أمامها بدعوى اختلال ميزان القوى.
حاولت "إسرائيل" تصوير ما حدث في السابع من أكتوبر على أنه تهديد وجودي، ووفقاً لها فإن الطريق لمنع حَدثٍ مماثل هو تدمير قطاع غزة وطرد سكانه وبالتزامن، سحق المقاومة في الضفة الغربية.
* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب