عمليات الضفة الغربية.. بين الهدف النهائي والأهداف المرحلية
ليلى نقولا*
بعد بدء "جيش" الاحتلال "الإسرائيلي" حملة عسكرية واسعة شمال الضفة الغربية، دعا وزير الخارجية "الإسرائيلي" يسرائيل كاتس إلى إخلاء السكان الفلسطينيين مما سمّاه مناطق "يهودا والسامرة"، معتبراً أنّ على "إسرائيل" أن تتعامل مع الضفة الغربية تماماً كما تعاملت مع غزة". وقال كاتس إن إيران تعمل "على إنشاء جبهة إرهابية شرقية" في يهودا والسامرة، على غرار نموذجها بالوكالة في لبنان مع حزب الله وقطاع غزة مع حماس، من خلال "تمويل وتسليح الإرهابيين وتهريب الأسلحة المتقدّمة من الأردن".
تعكس هذه التصريحات "الإسرائيلية" سلسلة من الأهداف المترابطة والثابتة، والتي يتمّ تحقيقها عبر ما يقوم به المستوطنون من أعمال عنف ضدّ الفلسطينيين بقبول ودعم عسكري وسياسي "إسرائيلي"، والتي يؤمل منها في النهاية تحقيق الهدف النهائي وهو "حلم "إسرائيل" الكبرى" التي تقول الأساطير التوراتية "الإسرائيلية" إن "مملكة إسرائيل" المنوي تأسيسها لا يمكن أن تبدأ إلا عبر يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية).
لماذا "يهودا والسامرة"؟
يشير اليهود المتديّنون إلى أنّ الضفة الغربية هي جزء لا يتجزأ من التاريخ اليهودي، وأنّ اليهود عاشوا في مناطق يهودا والسامرة منذ العصور التوراتية. وفي تبرير لما يقوم به المستوطنون ولعمليات ضمّ الأراضي في الضفة الغربية، يدّعون أنّ "الكتاب المقدّس يذكر أنّ أوّل مكان تحدّث فيه الرب مع إبراهيم وحيث وعده بالأرض كعهد أبدي كان في إيلون موريه، في السامرة" أي بالتحديد في منطقة جبلية قرب نابلس.
ويُذكر أن مستوطنة "إيلون موريه" تمّ تأسيسها عام 1983، وبعدها تمّ اعتبار الجبل الكبير المحاذي محمية لا يمكن الدخول إليها إلا عبر بوابة المستوطنة، وتمّ منع المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم هناك. وتشير الوثائق إلى أنه على الحافة الشرقية للجبل الكبير يقف مقام الشيخ بلال بن رباح، الذي كان يستقبل في السابق الحجاج من قرى دير الحطب وسالم وعزموط وروجيب وعورتا، وكذلك من مدينة نابلس التي تقع عند سفح الجبل.
أما الخليل، فيذكرها الإسرائيليون في العديد من الأساطير الدينية، فيذكرون أن "حلم يعقوب كان في بيت إيل (البيرة حالياً في فلسطين)، ودُفن الأجداد والأمهات في الخليل"، ويذكرون أن "مملكة الملك داود بنيت في تلال الخليل".
هذا بالإضافة إلى العديد من القصص التوراتية التي تشير إلى بيت لحم، الخليل، نابلس، البيرة وغيرها.
الأهداف المرحلية: تهويد ومناطق عازلة
منذ حرب عام 1967 التي انتصرت فيها "إسرائيل" انتقلت أراضي الضفة الغربية من السيطرة الأردنية إلى السيطرة "الإسرائيلية"، فبدأ بناء المستوطنات في تلك المناطق، والتي لم تتوقّف بالرغم من توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 التي منحت السلطة الفلسطينية السيطرة على الضفة، وأقرّت تلك المناطق كجزء من الدولة الفلسطينية الموعودة.
ومنذ بدء الحرب في غزة عام 2023، سارت عمليات الترحيل القسري للفلسطينيين وإنشاء المستوطنات غير الشرعية بسرعة قياسية، حيث سيطرت "إسرائيل" على مئات الهكتارات من الأراضي في الضفة الغربية المحتلة.
وكان وزير المالية اليميني المتطرّف بتسلئيل سموتريتش، والذي مُنِح صلاحيات موسّعة فيما يتصل بإدارة "إسرائيل" للأراضي المحتلة في ظل الائتلاف الحاكم الذي يرأسه بنيامين نتنياهو، قد عرض خططه للضفة الغربية (يهودا والسامرة) في مؤتمر لحزبه "الصهيونية الدينية" القومي المتطرّف خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، فقال "جئنا لاستيطان الأرض وبنائها ومنع تقسيمها ومنع إقامة دولة فلسطينية".
وتعهّد "بتغيير الخريطة بشكل كبير" من خلال المطالبة بمزيد من أراضي الضفة الغربية أكثر من أي وقت مضى كأراضي دولة، كما وعد بتوسيع إنشاء البؤر الاستيطانية الزراعية، التي استخدمها المستوطنون المتشدّدون لتوسيع سيطرتهم على المناطق الريفية، والقضاء على البناء الفلسطيني.
وتقول الأمم المتحدة ومعها العديد من المنظّمات التي تراقب انتشار المستوطنات "الإسرائيلية" إن حجم الأراضي المصادرة منذ حرب غزة هو الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، وإنّ "عام 2024 يمثّل الذروة في إعلانات ضمّ الأراضي الفلسطينية وفي بناء المستوطنات غير القانونية"، وإنّ ذلك الضمّ والقضم الذي يقوم به الإسرائيليون يقضي على أي آمال بقيام دولة فلسطينية.
بكل الأحوال، الأكيد أنّ الهدف "الإسرائيلي" النهائي هو ضمّ كامل الأراضي الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية، وإقامة ما يسمّى "مملكة إسرائيل الكبرى".
لكن يبدو واضحاً من متابعة خريطة ضم الأراضي والاستيطان التي يقوم بها الإسرائيليون، أن الهدف المرحلي الذي يعتمده الاحتلال حالياً هو إقامة منطقة عازلة بين الضفة الغربية والأردن بحيث يُمنع أيّ تواصل بين الفلسطينيين والأراضي الأردنية.
جغرافياً، تبدو عمليات الاستيلاء على الأراضي هذا العام متجاورة، حيث ربطت بين مستوطنتين قائمتين بالفعل لإنشاء كتلة واحدة بالقرب من الحدود مع الأردن، وذلك لمنع ما يسمّيه "الإسرائيلي" تهريب السلاح إلى الضفة، ولمنع أي عمق استراتيجي للفلسطينيين يسمح لهم بتأسيس دولة في المستقبل.
* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب