السياسية - وكالات :تقرير : مرزاح العسل

على غِرار ما جرى ويجري بقطاع غزة.. تواصل قوات العدو الصهيوني عدوانها على الضفة الغربية لليوم الثالث على التوالي في عملية عسكرية وُصفت بأنها الأكبر منذ سنوات في محافظتي طولكرم وجنين، وسط تحذيرات دولية وأممية من خطورة تصعيد الوضع في الضفة المُحتلة.

وفجر الأربعاء، بدأ جيش العدو الصهيوني، تحت غطاء كثيف من سلاح الجو، عملية في محافظتي طولكرم وجنين (شمال) ومخيم الفارعة قرب طوباس (شمال)، قبل أن ينسحب من المخيم.

ويرى مُحللون سياسيون أن الهدف من تصعيد العدوان الصهيوني في الضفة الغربية المُحتلة هو استنساخ تجربة إخلاء غزة، وإحداث تَغير سكاني يهيئ بيئة مناسبة للاستيطان.

وتُجمِع قراءات المحللين السياسيين من فلسطينيي 48 وباحثين بالشؤون الصهيونية على أن العملية العسكرية التي يشنها جيش العدو الصهيوني على مدن ومخيمات شمال الضفة الغربية المحتلة تنسجم مع الحرب على قطاع غزة، وتأتي في سياق حرب الإبادة الهادفة للقضاء على الوجود السكاني للفلسطينيين بفلسطين التاريخية.

وتُقدر التحليلات أن هذه العملية العسكرية التي قد تمتد إلى جميع مناطق الضفة، وتعتبر الأوسع منذ عملية "السور الواقي" عام 2002، تنسجم مع سياسات حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، التي لوحت مع بدء معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي إلى تهجير الفلسطينيين، بذريعة أنهم يشكلون خطراً وجودياً على استمرار المشروع الصهيوني.


وتتوافق القراءات على أن العملية العسكرية الصهيونية تعتبر وجها آخر لخطة "الحسم" التي تهدف لتكريس المشروع الاستيطاني، وفرض وقائع على الأرض تحول دون إقامة دولة فلسطينية، وخلق بيئة طاردة للفلسطينيين لدفعهم للهجرة القسرية، إلى جانب الإمعان في ضم الضفة والأغوار إلى السيادة الصهيونية.

وجدد العدو الصهيوني الاقتحامات والاعتقالات في مناطق ومخيمات الضفة الغربية منذ يوم الأربعاء، حيث ارتفع عدد ضحايا العملية العسكرية الصهيونية في الضفة الغربية المُحتلة إلى 19 شهيداً وعشرات الجرحى، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية.

وتشهد الضفة الغربية التي تحتلها "إسرائيل" منذ العام 1967 تصاعداً في وتيرة العنف منذ أكثر من عام، لكنّ الوضع تدهور منذ اندلعت الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر إثر هجوم غير مسبوق لحركة حماس على الكيان الغاصب.

واُستشهد منذ السابع من أكتوبر في الضفة الغربية المحتلة ما لا يقل عن 640 فلسطينياً برصاص المستوطنين والقوات الصهيونية، بحسب بيانات رسمية فلسطينية، فيما قُتل ما لا يقل عن 19 صهيونياً، بينهم جنود، في هجمات فلسطينية في الضفة الغربية خلال الفترة نفسها، وفقا لأرقام صهيونية رسمية.

وتواصل قوات العدو دفع تعزيزات عسكرية باتجاه مدينة جنين ومخيمها، في وقت تواصل فيه حصار المدينة وإغلاق جميع مداخلها، حيث تتواجد في 15 منطقة في المدينة والمخيم، فيما تواصل عملياتها في مخيم نور شمس، كما تواصل جرافات العدو تدمير الشوارع والبنية التحتية في الحي الشرقي من جنين الذي شهد دمارًا كبيرًا على مدار يومين من بدء العدوان على المدينة.

وبالتوازي يُواصل العدو الصهيوني عدوانه المُكثّف وغير المسبوق على قطاع غزة، جوًا وبرًا وبحرًا، مُخلّفًا آلاف الشهداء والجرحى، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما لا يزال آلاف الشهداء والجرحى لم يتم انتشالهم من تحت الأنقاض؛ بسبب تواصل القصف وخطورة الأوضاع الميدانية، في ظل حصار خانق للقطاع وقيود مُشددة على دخول الوقود والمساعدات الحيوية العاجلة للتخفيف من الأوضاع الإنسانية الكارثية.

ووصفت منظمة العفو الدولية، تصعيد القتال في الضفة الغربية المُحتلة بأنه مثير للقلق، وقالت في بيان لها: إن "إسرائيل" مُلزمة، كقوة احتلال، بحماية المرافق الصحية وحماية الفلسطينيين ومنازلهم وبنيتهم التحتية.

ويؤكد المراقبون أن هناك "بُعد جديد يتعلق بالترحيل، وأن العدو الصهيوني يرغب في إحداث تغيير سكاني وخلق بيئة داعمة للاستيطان وطاردة للفلسطينيين".. محذرين من أنه إذا نجحت تجربة إخلاء المخيمات في غزة وإحراق البيوت سيتم نسخها في شمال الضفة وفي الضفة الغربية ككل، ولذلك هذا خطر حقيقي.

وبحسب المراقبين، فالمشاهد التي رافقت العدوان الصهيوني على طولكرم وجنين وطوباس لا تختلف كثيرًا عما يحدث في قطاع غزة من حيث الأساليب والأهداف بعيدة المدى، إذ أن أوجه التشابه بين العدوان على غزة والضفة الغربية كثيرة.

واعتبر الصحفي الفلسطيني عادل الزعنون، أن "التصعيد الصهيوني في الضفة الغربية امتداد لما يحدث في قطاع غزة".. قائلاً: "مخطط "إسرائيل" كان جاهزًا وينتظر لحظة التنفيذ"، ويصف الوضع مُتعجبًا "وكأن هذه اللحظة قد حانت!!!".

وفي مؤشر آخر على أن سياسات الإخلاء أو التهجير تُركز حاليًا على مخيمات الضفة الغربية المحتلة، قال محافظ طوباس أحمد أسعد للتلفزيون العربي: إن "العمل جار على التصدي لسياسات العدو الصهيوني الهادفة إلى إفراغ المخيمات الفلسطينية من سكانها.

وكان ما يسمى بوزير الخارجية الصهيوني يسرائيل كاتس أثار في سياق هذا الموضوع جدلًا كبيرًا على الساحة الدولية عقب تهديده بتنفيذ عمليات "إجلاء مؤقت" للفلسطينيين من مدينتي جنين وطولكرم كما حصل في قطاع غزة.

وبناء على ما سبق يقول المحللون: إن ما يجري شمال الضفة الغربية حاليًا، قابل للتوسع والانتقال لكافة أنحاء الضفة، وإن ذلك كله امتداد لحرب الإبادة التي تجري في قطاع غزة وليس من تبعاتها أو ناتجا عنها.

وأشاروا إلى أن الأجندات الصهيونية الطامحة لتهجير سكان الضفة الغربية ليست جديدة وقد تحدث عنها على مدى العقود الماضية سياسيون صهاينة وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، ولكنهم يتفقون على اعتبار الضفة الغربية المحتلة "يهودا والسامرة".

أما دعوات بعض السياسيين الصهاينة العلنية للتهجير، فقد سبقتها على مدى العقود الماضية ممارسات على الأرض تصب جميعها في هذا الهدف على رأسها التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وتقطيع أوصال الضفة الغربية المحتلة ومنع قيام الدولة الفلسطينية، فضلًا عن تضييق سبل العيش على المواطنين الفلسطينيين بشتى الأساليب والطرق.

واعتبر الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي في تصريح للتلفزيون العربي من رام الله وسط الضفة الغربية الليلة الماضية، أن اليمين الصهيوني المتطرف لم يخفِ يومًا طموحاته بتهجير فلسطينيي الضفة، بل كانوا يعلنون ذلك بسلوكهم الفاشي، وكانوا يتمنون ذلك ويطرحونه كمشاريع مختلفة.. مشيرًا إلى أن هذا الأمر هو أساس كل الحركة الصهيونية بكل اتجاهاتها.

وأضاف البرغوثي: إن اليمين المتطرف يظن أنه يريد نقل حرب الإبادة والتطهير العرقي من قطاع غزة إلى الضفة الغربية.. لافتًا إلى أن الممارسات التي يقوم بها العدو في مخيمات الضفة مثل نور شمس والفارغة تشهد على ذلك.

كما اعتبر أن ما وصفها بالممارسات الوحشية الفاشية تدل على وجود حالة استباحة للفلسطينيين، وأن هذه الممارسات لم تقتصر على مكان واحد.. مُبيناً أن الإستراتيجية التي يمكن أن يعتمدها الفلسطينيون لمواجهات مخططات العدو يجب أن تتكون من ثلاثة عناصر، الأولى هي الإستراتيجية الشعبية بألا يقبل الفلسطينيون أي محاولات صهيونية لتهجيرهم من بيوتهم.

وفيما أشار إلى أن الصمود الشعبي هو الأساس، شدد البرغوثي على وجوب أن تمد القوى ومؤسسات المجتمع المدني يد العون لكل المناطق المحاصرة حتى تساعدها على الصمود والبقاء.

أما الإستراتيجية الثانية، بحسب البرغوثي فتتمثل بتشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة فورًا، وتنحية كل الخلافات وتوحيد الصف الوطني الفلسطيني بأسرع وقت ممكن في قيادة وطنية موحدة.. مضيفاً: إن الإستراتيجية الثالثة، هي التوجه الآن على الصعيد الشعبي العالمي لفرض العقوبات والمقاطعة على "إسرائيل"، مشددًا على أن حكومة العدو لن ترتدع إلا بالعقوبات.

من جهة ثانية أحيا العدوان الصهيوني على الضفة الغربية المحتلة، منذ يوم الأربعاء الماضي، مخاوف الأردن من تهجير بعض سكان الضفة باتجاه المملكة، إضافة إلى المخاطر السياسية التي تهدد وضع القدس المحتلة القانوني والمخاطر الأمنية التي من الممكن أن تهدد استقرار البلاد في حال تدهور الأوضاع في الضفة.

وفي هذا الشأن يقول الخبير في الشؤون الصهيونية أيمن الحنيطي، في حديث مع "العربي الجديد": إن "الوضع خطير جداً، ومن الواضح أن مخطط التهجير أصبح حقيقة واقعية".. لافتاً إلى أن "التوقيت له أهمية كبيرة".

وحذر الحنيطي من "محاولات صهيونية لخلق فتنة بين الأردنيين والفلسطينيين".. مشيراً إلى أن "غطرسة حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، والدعم الأمريكي منقطع النظير، يكشفان أن "إسرائيل" تحاول تنفيذ خططها وأطماعها على أرض الواقع، والآن لا قيمة لأي شجب وتنديد أو استنكار".

وشدّد الحنيطي على "أهمية ألا يكتفي الأردن بالشجب والتنديد، بل اتخاذ خطوات على أرض الواقع، ومنها الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية وتمتينها، والتعامل مع الصهاينة كما يتعاملون هم"، بالإضافة، إلى "تسليح الأردنيين بطريقة ممنهجة بالاعتماد على المتقاعدين العسكريين، لإيصال رسالة للصهاينة مفادها: إننا مستعدون للقادم لمواجهة خطوة وزير الأمن القومي الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير، بتسليح آلاف المستوطنين".

الجدير ذكره أن الضفة الغربية المُحتلة تقع إلى الغرب من نهر الأردن وشرق القدس، ويسكنها أكثر من ثلاثة ملايين، معظمهم من الفلسطينيين، ويتواجد بها عدة مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، إذ لا تعترف الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشرعيتها.