زياد غصن*

رسم الهجوم الأخير الذي شنه حزب الله على مواقع عسكرية "إسرائيلية" صورة أولية عن ماهية وحجم الخسائر الاقتصادية التي يمكن أن تلحق بالكيان الصهيوني في ما لو قرر شن حرب واسعة على لبنان أو توسيع حربه على قطاع غزة لتصبح حرباً إقليمية.

صباح الأحد الماضي، تأكد للإسرائيليين أن حرباً أخرى يخوضها جيشهم المهزوم في قطاع غزة لن تتسبب بإلحاق الضرر باقتصاد المنطقة أو تدمير البنى التحتية والمرافق الخدمية في لبنان فحسب، كما حدث في العام 2006، وتهديد ممرات التجارة والطاقة في عموم المنطقة، إنما سيكون اقتصادهم وبناهم التحتية ومرافقهم الخدمية عرضة هي الأخرى للضرر والتدمير والتخريب.

وليس هناك دليل أوضح من توقف الحياة بشكل شبه تام في المدن والمناطق "الإسرائيلية" إثر هجوم المقاومة الإسلامية الأخير، ولو لم يخرج حزب الله ببيان يقول إن المرحلة الأولى من عملية الانتقام لاستشهاد قائده قد انتهت، لما تجرأ الإسرائيليون على الخروج إلى الشوارع والعودة إلى أعمالهم.

خسائر ثلاث

عموماً، يمكن تصنيف الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد "الإسرائيلي" من جراء مواجهة الشمال المستمرة، وتلك التي يمكن أن يتكبدها في حال توسع تلك المواجهة وتحولها إلى حرب متحررة من قواعد الاشتباك المعمول بها حالياً، في 3 خانات هي:

- الخانة الأولى تشمل الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تعطل الأنشطة الاقتصادية في "إسرائيل"، من توقف إنتاج السلع الصناعية والزراعية وتقديم الخدمات بمختلف أشكالها، إلى تراجع أداء مؤشرات القطاعات الاقتصادية كافة، وصولاً إلى الأثر المترتب على زيادة نسب البطالة والفقر وغيرها. والتقديرات البحثية في "إسرائيل" تتحدث اليوم عن أن تقديرات هذا النوع من الخسائر قد تصل إلى عدة مليارات من الدولارات من جراء حصول جمود في النشاط الاقتصادي قد يستمر أسابيع طويلة.

- الخانة الثانية تتعلق بالنفقات العسكرية التي ستضطر حكومة نتنياهو لزيادتها بغية تلبية احتياجات جيشها في الشمال؛ فإذا كانت الحرب على قطاع غزة قد كلفت خزينة الاحتلال ما يقارب 60 مليار دولار خلال الأشهر الثلاث الأولى من عمر تلك الحرب، بحسب الصحف الإسرائيلية، فإن الكلفة العسكرية ستكون حكماً مضاعفة مع اندلاع أي مواجهة واسعة في الشمال مع المقاومة الإسلامية. مثلاً، وفقاً لتقديرات معهد أبحاث "إسرائيلي"، فإن قيمة النفقات الأمنية التي ستكون تل أبيب مضطرة إلى زيادتها في حال توسع مواجهة الشمال ستصل إلى نحو 7.5 مليارات دولار.

- الخانة الثالثة هي الخسائر الناجمة عن الأضرار التي ستحلق بالمنشآت والقطاعات الاقتصادية "الإسرائيلية" من جراء استهدافها من قبل فصائل المقاومة الإسلامية، ففي جميع المواجهات العسكرية السابقة التي تمت بين حزب الله و"إسرائيل"، قام "جيش" الاحتلال باستهداف وقصف المنشآت الاقتصادية والبنى التحتية والمرافق الخدمية، تماماً كما فعل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وتالياً فإن المعادلة التي اعتمدها حزب الله، والقائمة على مبدأ "الرد بالمثل"، تقضي وضع جميع المنشآت الاقتصادية في الكيان المحتل على قائمة أهداف الحزب.

كما أن توسع المواجهة من شأنه أن يرفع أيضاً عدد المستوطنات الإسرائيلية في الشمال والوسط، والتي سيكون الاحتلال مضطراً إلى إخلائها، فإذا كانت المواجهة الحالية قد أجبرت ما يقارب 200 ألف مستوطن على النزوح، فإن توسع المواجهة يفرض تلقائياً زيادة ذلك الرقم بشكل يتناسب وقواعد الاشتباك الجديدة. وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن أي توسع للحرب في الشمال سوف يتطلب رصد نحو 3.5 مليارات دولار للإصلاحات والتعويض عن الممتلكات.

حديث مشكوك فيه

تجمع التقديرات "الإسرائيلية" على أن الكلفة الإجمالية للحرب على قطاع غزة قد تتجاوز نحو 120 مليار دولار، أي ما نسبته نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي للكيان المحتل.

ومن هنا تأتي مخاوف الإسرائيليين من احتمال حدوث مواجهة واسعة في الشمال، فإذا كانت الحرب في مواجهة حركة حماس قد تسببت بكل هذه الخسائر، فماذا ستكون النتيجة في حال الدخول بحرب مع حزب الله الذي يملك قدرات وإمكانيات عسكرية وتقنية تتجاوز بكثير إمكانيات حركة حماس في قطاع غزة، والمحاصر منذ العام 2007؟

لا شك في أن الخسائر الاقتصادية "الإسرائيلية" سوف تقابلها خسائر اقتصادية أكبر لدى الدول التي قد يستهدفها أي عدوان "إسرائيلي" لأسباب متعلقة بالعقلية الصهيونية القائمة على إحداث أكبر قدر من التدمير والتخريب، معتمدة في ذلك على سياسة الأرض المحروقة، اعتقاداً منها أن ذلك يقلل من خسائرها البشرية، لأنها تدرك أن أي مواجهة عسكرية مباشرة مع عناصر المقاومة ستكون نتيجتها محسومة، والمثال على ذلك ما يحصل في قطاع غزة.

والسؤال بعد كل ذلك: ما قدرة الكيان الإسرائيلي على الصمود وتحمل مزيد من الخسائر الاقتصادية مع توسع الحرب؟

أياً كان حجم المساعدات الاقتصادية والمالية الغربية التي يمكن أن تهب لنجدة "إسرائيل"، فإنها ستكون عاجزة عن تعويض وإصلاح ما سوف يلحق بالكيان من خسائر اقتصادية واجتماعية مباشرة وغير مباشرة، وتالياً فهذه الخسائر ستكون ممتدة زمنياً لسببين: الأول أن هناك خسائر لا يمكن أن تعوض بسهولة، كثقة المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال التي هربت ونقلت مشاريعها وأعمالها إلى خارج الكيان منذ عدة أشهر، والمعلومات المتداولة تتحدث حالياً عن أرقام كبيرة على صعيد المستوطنين المهاجرين عكسياً وعلى صعيد رؤوس الأموال والمشاريع الهاربة.

أما السبب الثاني، فهو يكمن طبيعة القطاعات الاقتصادية التي تعرضت للضرر الأكبر، فمعالجة مشكلة السياحة وإعادة التحكم في نسب البطالة والفقر وغيرها تحتاج إلى تراكم تنموي لن يحدث حتى لو حصل غداً اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، فالمنطقة تبقى دوماً مؤهلة للانفجار بسبب السياسات الصهيونية الساعية لإنهاء القضية الفلسطينية وترسيخ احتلالها الأراضي العربية المحتلة.

واختصار القول: كما أن أسطورة "الجيش" الذي لا يقهر تحطمت في غزة وعلى جبهة الشمال، فإن الحديث عن الاقتصاد المتنامي والمنتشر إقليمياً وعالمياً بصادراته النوعية بات مشكوكاً فيه وبقدرته على الصمود في أي حرب جديدة، فما خسره في حرب غزة على جبهاتها المتعددة سيخسر أضعافه في أي حرب مستقبلية يفكر في خوضها.

* المصدر: الميادين نت

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب