وسام أبو شمالة*


انتهى لقاء الدوحة قبل أيام من دون التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"، غير أن فشل اللقاء، الذي وُصف بأنه الفرصة الأخيرة، لم يوصد الأبواب أمام الوسطاء لممارسة جهودهم من أجل منع انهيار "المفاوضات "، التي رفض الطرف الفلسطيني المشاركة فيها، كونها بحكم المنتهية منذ الثاني من تموز/يوليو، عندما وافقت الأطراف على الاتفاق، غير أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، عرقل العملية برمتها، ووضع شروطاً جديدة، أبرزها رفض الانسحاب من محوري صلاح الدين ("فيلادلفيا") والشهداء ("نتساريم")، ووضع فيتو على إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى طلبه ضمانات أميركية تسمح لجيشه بالعودة إلى القتال بعد انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة.

كشف لقاء الدوحة، وما أعقبه من لقاءات وزيارات مكوكية واتصالات، أولويات كل طرف. فالجانب الأميركي يسعى لهدفين أساسيين. الأول تحسين فرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، ولاسيما في ضوء أجواء مؤتمر الحزب، الذي اختتم أعماله الخميس الماضي، وقبلت فيه كامالا هاريس ترشيح الحزب لها لانتخابات الرئاسة، وفي ضوء مساعي الديمقراطيين لاحتواء عدم رضا الجناح التقدمي في الحزب عن سياسات رئيسه جو بايدن تجاه الحرب على غزة، والتي أفرزت حركة "عدم الملتزمين" بالتصويت للحزب.

والهدف الثاني مرامي الإدارة الأميركية لتبريد الأجواء في الإقليم، ونزع فتيل التصعيد، الذي أعقب اغتيال "إسرائيل" لإسماعيل هنية وفؤاد شكر، ومنع اتساع الحرب، وردع إيران والمقاومة اللبنانية عن القيام بتنفيذ التهديدات بالانتقام من "إسرائيل"، الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية، لا تريدها إدارة بايدن، على الأقل في هذه المرحلة قبيل الانتخابات الأميركية، بسبب ما ستتركه الحرب من انعكاسات عسكرية واقتصادية على الولايات المتحدة، وتؤدي بالتالي إلى تراجع فرص فوز الحزب الديمقراطي، بسبب فشل سياسة إدارة بايدن الخارجية، وانعكاساتها المحتملة على الاقتصاد الأميركي، والخطر المحتمل لتورطها في الصراع في الشرق الأوسط. لذا، تعمل الإدارة الأميركية على مدار الساعة لإبرام صفقة حتى لو اقتصرت على المرحلة الأولى، بيد أنها تكتفي بالأداة الدبلوماسية الناعمة في الضغط على "إسرائيل"، ومنحها الوقت والغطاء لممارسة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وممارسة أقصى درجات الضغط على الوسيطين المصري والقطري من أجل دفع المقاومة الفلسطينية إلى مزيد من التنازلات.

الأولوية "الإسرائيلية"، ولاسيما موقف نتنياهو، تركّز على كسب مزيد من الوقت، وعدم الاستعجال في إبرام صفقة، والاستمرار في ممارسة أقصى درجات الإجرام العسكري ضد الحاضنة الشعبية الفلسطينية، بهدف الضغط على الطرف الفلسطيني المفاوض وانتزاع تنازلات منه، تُظهر نتنياهو على أنه الطرف المنتصر، وتحقق له مكتسبات عبر المفاوضات فشل في تحقيقها في الميدان، الأمر الذي سيساعده على إقناع حلفائه في الحكومة المعارضين للصفقة بقبولها، أو على الأقل قبول المرحلة الأولى منها، مع وعود بالعودة إلى الحرب حتى تحقيق "أهدافها".

وفي حال فشل نتنياهو في انتزاع تنازلات من الطرف الفلسطيني، يعتزم نتنياهو المضي في الحرب وتحميل المقاومة المسؤولية عن إفشال المفاوضات، بسبب تمترسها على مواقفها ورفضها الشروط "الإسرائيلية" الجديدة، الأمر الذي سينقل نتنياهو خطوة، أو ربما خطوات، نحو إطالة أمد الحرب حتى انتهاء الانتخابات الأميركية، على أمل فوز مرشحه الجمهوري المفضل دونالد ترامب، ومن جهة أخرى، قد يدفع المنطقة برمتها إلى حرب واسعة، تتورط فيها قوى إقليمية ودولية، الأمر الذي يحقق حلم عتاة اليمين الصهيونى اليهودي المسيحياني، والذي يؤمن بقرب نزول المخلص، الذي سيقود اليهود إلى قيادة العالم وتطهيره بعد اندلاع حرب يأجوج ومأجوج.

أما الأولوية الفلسطينية فتسعى لوقف المجازر وحرب الإبادة ضد شعبها، والمستمرة من دون هوادة، وسط عجز أغلبية المجتمع الدولي وتواطؤ أميركي وغربي، بيد أن الطرف الفلسطيني المفاوض لا يسعى لوقف الحرب بأي ثمن، ولم يُمنح تفويضاً من الشعب الفلسطيني للتنازل عن الخطوط العريضة للصفقة، وأبرزها انسحاب القوات "الإسرائيلية" الكامل من غزة، خلال مراحل الاتفاق، وفقاً لورقة تموز/يوليو، ووقف الحرب، وإغاثة غزة وإعمارها، وإنجاز صفقة تبادل مشرفة.

تمتلك الأطراف كافةً أوراق قوة تعمل من خلالها لتحقيق أكبر قدر من أولوياتها، وستسعى لاستخدامها بكل قوة في لقاء القاهرة المزمع عقده الأحد، على مستوى رؤساء الوفود. فالأميركيون يستخدمون الدبلوماسية النشطة والمكثفة للضغط على الأطراف، ولاسيما الوسيطان القطري والمصري، للقيام بدورهما عبر الضغط على الطرف الفلسطيني، كما تستمر في الحراك الدبلوماسي تجاه الطرفين الإيراني واللبناني لامتصاص ردة فعلهما على عمليتي الاغتيال في بيروت وطهران، ومنح الوساطة الوقت اللازم لإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار، وعدم عرقلته وإجهاضه عبر أي سلوك عسكري واسع من طرفيهما، ومن جهة أخرى تستخدم الأداة العسكرية، عبر نشر مزيد من قواتها في المنطقة بهدف الردع، بيد أن مستوى الحراك الدبلوماسي الأميركي تجاه نتنياهو ارتفع درجةً مقارنة مع السابق، نظرا إلى تمسك الطرف الفلسطيني بموقفه ورفضه التراجع عن ورقة تموز/يوليو، ورفض الوسيطين القطري والمصري الشروط الجديدة لنتنياهو، وبسبب ارتفاع مستوى المواجهة في الجبهة اللبنانية، وبقاء الرد العسكري لمحور المقاومة مطروحاً على الطاولة، وإمكان تنفيذه سيكون أسرع وأقوى في حال فشل لقاء القاهرة.

وتمارس الآلة العسكرية "الإسرائيلية" دورها كورقة رئيسة لتحقيق أولويات نتنياهو، وتتكثف في الساعات الأخيرة بهدف الضغط على الفلسطينيين ودفع الوفد المفاوض إلى قبول الشروط "الإسرائيلية".

وفي المقابل، يمتلك الطرف الفلسطيني ورقتي المقاومة واستنزاف القوات "الإسرائيلية" في الميدان، على نحو شهد تصاعداً ملحوظاً في الأيام الأخيرة قبيل لقاء القاهرة، بالإضافة إلى ورقة المحافظة على الأسرى الإسرائيليين، وتحريك المجتمع "الإسرائيلي" وأهالي الأسرى والمعارضة للضغط على نتنياهو وتحميله المسؤولية عن أي إجهاض محتمل للصفقة.

وفقاً لتطورات الموقف، والتي واكبت جولات المفاوضات السابقة، والتي شارفت في لحظة ما على التوصّل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار وإنجاز صفقة تبادل الأسرى، فإن تدخل نتنياهو في اللحظات الأخيرة أفشل الاتفاق وعرقل الصفقة المتبلورة.

وعلى الرغم من رغبة نتنياهو في استمرار الحرب حتى انتخابات الرئاسة الأميركية، والمراهنة على فوز ترامب، الأمر الذي سيؤمّن له المحافظة على الائتلاف الحاكم، ثم بناء استراتيجية أكثر ملاءمة له مع حليفه ترامب تجاه إيران ومحور المقاومة، فإن صلابة الموقف الفلسطيني، واستمرار المقاومة وإيقاع مزيد من الخسائر "الإسرائيلية" في الجنود والعتاد العسكري، والصمود الأسطوري للحاضنة الشعبية الفلسطينية في قطاع غزة، وتصاعد الحراك المقاوم في الضفة الغربية المحتلة، وخشية نتنياهو من عودة "كابوس" العمليات الاستشهادية في الداخل الفلسطيني المحتل، إلى جانب رفع مستوى عمليات المقاومة في جبهات محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق، والتلويح الدائم بورقة الرد الإيراني العسكري المفاجئ، ستدفع نتنياهو إلى الإذعان والتراجع عن شروطه التعجيزية.

* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب