السياسية || محمد محسن الجوهري*

لا تشير "حمير" إلى هوية مختلفة بذاتها عن العروبة كما أنها مجرد جزء من تاريخ اليمن وجغرافيته وليست شاملة لكل ما هو يمني، ولكن لأسباب سياسية ودينية، يُراد لليمن أن يكون حميرياً محضاً، وأن يُفصل عن هويته العربية والإسلامية التي هو جزء رئيسي منها، وأغلب ما يدعو إليه دعاة "الحميرة" يتناقض مع التاريخ الفعلي لليمن، وهنا نُفنِّد بعض المغالطات التاريخية التي يروج لها أعداء اليمن والعروبة.

في يناير 2019 نشر الكاتب المغربي المتصهين "مبارك بلقاسم" مقالاً عنصرياً عن اليمن بعنوان (اليمن ليس بلدا عربيا بل هو حِمْيَريّ) اتهم فيها العرب باحتلال اليمن وفرض الهوية العربية والدين الإسلامي على شعبه الذي كان يهودياً ويتكلم اللغة الحميرية، وهذه ترهة مفضوحة تماماً كحديثه بأن فلسطين أرضٌ يهودية، وأن العرب احتلوها من سكانها الأصليين وهم العبرانيون، حسب وصفه.

وللأسف الشديد أن البعض من أبناء جلدتنا يكررون مثل هذه السخافات التي يروج لها الغرب، ويجهلون أن الهدف منها هو فصل كل بلد عربي عن محيطه وبيئته العربية الكبرى، ليسهل احتلاله وتدجين شعبه، كما هو حادث اليوم في أغلب الدول العربية التي كانت موطناً موحداً إلى ما قبل العام 1916، وتوقيع الغرب لاتفاقية "سايكس بيكو" المشؤومة والتي ندفع ثمن عواقبها حتى يومنا هذا.

وبالنسبة لنا فالرد على تلك الشائعات ودحضها سهلٌ جداً، فحمير جزء من اليمن، واستقرت قبائله في السلسلة الجبلية الغربية من اليمن وما دونها غرباً، ولم يمتد تأثيرها إلى ما هو أبعد من ذلك، بخلاف غيرها من القبائل اليمنية التي توسعت داخل اليمن وخارجها.

ولا علاقة لحمير بخط المسند، فمناطق تواجدهم التاريخية غربي اليمن لا تحوي أي نقوشٍ، ولا أي كتابات غير العربية، كما لم يرتبط تاريخهم ببناء السدود التي كانت مزدهرة في شرق اليمن لا غربة، وليس هناك أي مرجع حي يوثٌّق أن لغات حمير القديمة كانت تختلف عن العربية، باستثناء المراجع الغربية التي لا تستند على ثوابت حقيقية وتعتمد على تفسير التاريخ حسب الرؤية الإسرائيلية وهذه مهمة تخصصت بها جامعة غوتنغن الألمانية للتاريخ.

وقد كثف المستشرقون المحسوبون على تلك الجامعة من حديثهم عن التاريخ الحميري، أو ما يسمى بـ "حميرة اليمن" (Himyarising Yemen) واختزال تاريخ اليمن في جزء معين منه على حساب الأغلب لأسباب كثيرة أهمها، أن الملك الحميري "ذو نواس" اعتنق اليهودية وفرضها بالقوة على الشعب اليمني، فكانت النتيجة أن ثار الشعب اليمني ضده وأسقطوا حكمه، بعد إبادته للكثير من المسلمين في حادثة "الأخدود" الشهيرة، والتي كشفت رفض الشعب اليمني للعقائد اليهودية منذ يومه الأول، ووثق الله ذلك في كتابه الكريم في سورة البروج.

والحديث عن ذي نواس نفسه لا يزال غامضاً وأغلب القصص المروية عنه أوردها المؤرخ اليهودي "شمعون الأرشامي" الذي بالغ في تعظيمه وتبجليه لأسبابٍ دينية معادية للإسلام، ويعتمد عليها أغلب الرواة اليوم في حديثهم عنه (ذو نواس).

ولكن الأهم من ذي نواس المتهود هو الشعب الذي رفض التهويد خاصة قبائل همدان التي يتجاهلها التاريخ، والتي ثارت لاحقاً على الحميريين، وأسقطت حكمهم، فكان ذي نواس آخر ملوكهم، وما كان ليسقط لولا اعتناقه لليهودية التي رفضها اليمنيون منذ القدم ويرونها خروجاً عن الفطرة السليمة، وعن دين إبراهيم الذي كانوا عليه قبل قدوم اليهود إلى اليمن في القرن الثاني بعد الميلاد.

وبالحديث عن همدان، فإنها سرو قبائل اليمن، وأصل ماضيه وحاضرة، ولم تعانق غير الإسلام ديناً حتى من قبل المبعث المحمدي الشريف، ولذا سرعت في الإيمان به لأنه كان الدين الحنيف الذي يعرفونه منذ زمن إبراهيم، كما لم تعرف همدان غير اللغة العربية ولم تنطق بغيرها، ومن أراد أن يعرف جوهر التاريخ اليمني، فعليه بمراجعة تاريخ همدان لأنه الأصل في اليمن قبل أن يتطرق لغيرها من المناطق النائية والبعيدة.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب