السياسية || محمد محسن الجوهري*

اعتاد الغرب أن يطيل الحديث كثيراً عن أخطاء ومساوئ أي شخصية يسعى لتصفيتها حتى لو كانت موالية له، ولتبدو حادثة الاغتيال لاحقاً منطقية ومتقبلة لدى عامة الناس، يركز الإعلام الغربي على أخطاء ذلك السياسي ويناقشها بشكلٍ مسهب، وغالباً ما تتركز حول مواضيع من مثل: قمع الحريات ومصادرة الحقوق الشخصية، وتغييب دور الشارع عن المشاركة في الحكم، وغيرها من المصطلحات العميقة التي لا تتوفر حتى في الدول الغربية نفسها.

وخلال الأيام الأخيرة، كثَّفت وسائل الإعلام العالمية من حديثها عن النظام القمعي الذي يديره محمد بن سلمان في السعودية، وكيف يبدد ثروات البلاد على مصارف لا تعني أهلها كالتبييض الرياضي، واقتناء التحف واللوحات العالمية باهضة الثمن، وحفلات الرقص والمجون، إضافة إلى تركيز الغرب المعتاد على قضايا الحقوق والحريات، وهي قضية معقدة في الداخل السعودي، حيث لا تزال الأسرة المالكة تعاقب بالإعدام كل من يتجرأ على انتقادها، أو معارضة سياساتها ولها في ذلك شيوخ دين يلمعون العملية، ويضفون عليها طابع الشرعية الدينية.

الحديث المسهب عن فساد بن سلمان، وآخره فيلم وثائقي عبر هيئة البث البريطانية "بي بي سي"، دفع ببن سلمان نفسه إلى تأجيل التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني، بعد أن أبلغ الامريكان عن مخاوفه بشأن تصفية جسدية قد يتعرض لها فور التوقيع على أي معاهدة مع "إسرائيل"، وهذه مخاوف مبررة، وتكشف أن ولي العهد السعودي بدأ يخشى على نفسه من مخططات اغتيال محتملة، خاصة أن الغرب اعتاد على تنفيذ ذلك مع حلفائه فور انتهاء مصالحه معهم.

ونشرت صحيفة "بوليتيكو" السياسية الأمريكية، قبل أسبوعٍ بالضبط، مقالاً لكبيرة مراسلي الصحيفة للشؤون الخارجية "نهال توسي"، ذكرت فيه أن بن سلمان أخبر مشرعين أمريكيين من أنه يخشى أن يتعرض لعملية اغتيال كتلك التي قضى فيها الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، بعد توقيعه لاتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني.

مخاوف بن سلمان منطقية، ويعززها كثرة انتقاد الإعلام الغربي لسياساته وإصلاحاته المختلف عليها في المملكة، وسيكون التطبيع العلني الخطوة الأخيرة التي قد تعجل بنهايته، حسب ما تقتضيه المنهجية الغربية في تصفية العملاء، كالسادات وغيره، وربما قد أعدَّت واشنطن السيناريو المرافق لعملية الاغتيال، والذي سيُقدم لاحقاً للجمهور عبر وسائل الإعلام.

وأشهر سيناريوهات التصفية على طريقة السادات نفسه، هي أن ينفذ العملية أحد أفراد الجيش أو الأمن في السعودية، وقد يكون الحادث في مناسبة عامة، ومن الطبيعي أن يتحمل المسؤولية أحد العناصر المناهضة لإصلاحات بن سلمان، والموالية لشيوخ الإخوان المعتقلين في سجونه.

وربما على طريقة رفيق الحريري، فيضرب انفجار غامض مكان تواجد بن سلمان، فتتفحم الجثث ويصعب التحقيق في ملابسات التفجير، وينتهي الأمر بتوجيه تهم سياسية معلبة لخصوم السعودية، كإيران وحلفائها في المنطقة، وربما قطر وتركيا.

وهناك سيناريوهات أشدُ تعقيداً، كاغتياله عبر حراسه الشخصيين، كما حدث مع رئيسة وزراء الهند إنديرا غاندي عام 1984 على يد اثنين من أفراد حمايتها الشخصية، أو كما حدث لاحقاً مع نجلها راجيف غاندي عام 1991 بتفجير انتحاري بحزام ناسف بالقرب منه.

في الأخير سيدفع محمد بن سلمان ثمن خيانته للأمة الإسلامية من دمه وعلى يد من خان الأمة لصالحهم، وستتحول بعدها ملفاته الإصلاحية إلى أحاديث إعلامية لا أكثر، بعد أن يتخلى عنها خلفه لاعتقاد الشارع السعودي أنها من مؤشرات الهلاك والكفر البواح، كما تخلى محمد حسني مبارك لاحقاً عن إصلاحات سلفه السادات فور وصوله للسلطة بعد نحو ستين يوماً، لا أكثر.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب