الإسلام كما عرفناه من السيِّد حسين
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ليست الإشكالية في الإسلام بل في المسلمين، هذه هي خلاصة واقع الأمة التي ترى نفسها اليوم بأنها من أحط الأمم علمياً وثقافياً، ويتسابق الطغاة والاحتلال الأجنبي على استعبادها، واستغلال ثرواتها لضربها على جميع الأصعدة، وما الخذلان الذي تتعرض له غزة اليوم إلا نتاج انحرافات عقائدية سعت إلى إفراغ الدين من مضامينه لصالح شكليات لا علاقة لها بالإسلام، الذي ارتبط بواقع الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
ومن النقاط التي سلط السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، الضوء عليها، مسألة التفكر والتدبر التي دعا إليها الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه، وكيف تعاطت الأمة مع تلك الآيات، بخلاف ما نص عليه الكتاب الحكيم، فكانت الكارثة الكبرى للبشرية جمعاء، وليس فقط بحق المسلمين.
فالتفكر في السموات والأرض هو فريضة دعا لها الله في كتابه، وتعني تفعيل البحث العلمي وتسخير الظواهر الطبيعية لما يخدم بني الإنسان، وفق المعايير الإلهية التي هي رحمة للناس، وكان من الواجب على الأمة المسلمة أن تكون سبَّاقة إلى مجالات الاستكشاف والبحث العلمي، واستحداث وسائل الانتاج لتحسين جودة الحياة، ولو انسجم المسلمون مع هذه العقيدة والتزموا بها، لكان المسلمون سادة العالم، ولما تحرَّج الناس من الدخول في دين الله أفواجا.
إلا أننا انحرفنا عن هذا المسار على يد من يسمون أنفسهم بعلماء الكلام المتأثرين بالثقافات الأجنبية، كاليونانية وغيرها، فانحصر التفكير في المجال النظري الذي لا قيمةَ له في واقع الناس، فكانت النتيجة ظهور عقائد مغلوطة جمَّدت مسيرة المسلمين نحو التقدم، وألزمتهم بالنقاشات العقائدية العقيمة، ما أسفر عن ظهور المذاهب الفكرية والفقهية، وتفرُّق الأمة إلى جماعات متناحرة لا تقبل ببعضها البعض، واستحكام أعدائها بمصيرها ومصير ثرواتها، ثم استعبادها وتسليم أرضها لأعدائها اليهود.
وهنا نستلهم مقصداً من مقاصد الدرس الثاني من سلسلة دروس معرفة الله للسيد حسين، بأن الله لو أراد بالتفكر الجانب النظري فقط، لاكتفى بخلق شجرة واحدة ليتفكر فيها والناس وليعلموا أنه صانع حكيم، لكنه خلق هذا الكون الواسع المليئ بالإمكانات والثروات من أجل أن يتحرك المسلمون على إثرها لحكم العالم بشريعة الله، ووفق معاييره، فيكونوا سادة الأمم.
لكن للأسف، انحرفت الأمة عن قرناء القرآن وورثة الكتاب، فظهرت العقائد الخاطئة، ولهذا نجد هوة كبيرة جداً بين الإسلام الذي تعودنا عليه، وبين الإسلام الذي قدمه لنا السيد حسين، وكيف أن الأخير لا يتعارض مع العلم، بل يؤكد أن الكون وظاهرة الطبيعية هي الصورة العملية للقرآن الكريم، الذي دعا الناس إلى أن يمشوا في مناكب الأرض، ويتدبروا ظواهرها بعد أن أكد لهم أن كل ما في الحياة مسخر لهم ولخدمتهم، لو أنهم عقلوا ذلك.
أما الإسلام الذي عرفناه من الجهلة؛ فالتفكر في آيات الله يعني -حسب مفهومهم- التأمل النظري للكون، لنتأكد فقط من أن الله موجود، وهذا الجانب لا يحتاج فعلياً إلى تفكر، فالإنسان يعرف بفطرته أن الله موجود، وعلى هذه تتمحور كل حياته، ولذلك تجد أن الكثير من الناس يرون الإسلام يتعارض مع العلم، وبأنه وسيلة للتخلف واستعباد الشعوب، كما دفع البعض منهم للإلحاد، وترك الدين برمته.
ومن رحمة الله بنا، أن سخر لنا من يشرح لنا الدين كما هو، حتى لا نراه متناقضاً مع الحياة، فالمسيرة القرآنية، والسيدان حسين وعبدالملك، من نعم الله علينا كي لا نضل ونشقى، وبهما عرفنا أن القرآن كتاب عملي يشرح لنا الحياة على حقيقتها، بل ويكشف لنا حتى تفاصيل النفس البشرية، وكيف صيانتها بالدين فلا تنحرف، وهذه النعمة (المسيرة القرآنية وأعلامها) من مصاديق قوله تعالى في سورة فاطر: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب