السياسية || محمد محسن الجوهري*

في السادس من صفر للعام 284هـ، وصل الإمام الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين إلى اليمن، ليجدد -على نهج جده- مبدأ الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية في إطار الدور المنوط بآل البيت لحمل الرسالة المحمدية، والدفاع عنها في وجه دعاة الضلال والانحراف، وما أكثرهم في ذلك الزمان، وفي كل عصر، وكان لهم أن يكسروا شوكة الأمة لولا أن قيض الله لها من يذود عنها بالكتاب والجهاد.

وفي القرن الثالث الهجري وقبل قدوم الهادي إلى الحق، كانت دعوة القرامطة قد أحكمت قبضتها على أغلب البلاد اليمانية، مستغلة الفوضى القائمة جراء الاقتتال الداخلي بين بعض القبائل المحلية، فعاثوا في الأرض فساداً، وأباحوا المحرمات، كما هو معروف عنهم تاريخياً، وبات -حينها- من الصعب والمستحيل الخلاص من شرهم بسبب سطوتهم وكثرة عددهم، ولكثرة ما ملكوه من أسباب القوة المادية اللازمة لإخضاع أي حركةٍ مناهضة لبغيهم.

وما كان لشوكتهم أن تنكسر، لولا أن إرادة الله قضت بزوال هيبتهم وملكهم، بعد أن هيئ الله الإمام الهادي يحيى بن الحسين، ثم ولده الإمام الناصر أحمد لجهاد القرامطة ودحر شرهم إلى الأبد، بعد أن استنصره خيرة رجال همدان فاستجاب لهم نصرةً لله وللمستضعفين من أبناء اليمن، بعدما أدركوا ببصيرتهم المعتادة أن مبدأ التولي للرسول وآل بيته والعقائد الصحيحة، سببٌ رئيسي في تحقيق النصر على البغاة.

وللعلم، فإن هيمنة القرامطة على اليمن سبقها تضليل عقائدي كان لبني أمية والعباسيين من بعدهم، الدور الأبرز في تعميمه ليستتب لهم الملك، فأشاعوا بين الناس عقيدة "القدرية"، وأن الحكام الطواغيت هم ظل الله في الأرض، وأن أفعالهم هي قدرٌ إلهي لا مفر، لذا كان من السهل على القرامطة أن يتوسعوا في مجتمعات كهذه بعد أن دجنها شيوخ الضلال لصالح الطواغيت.

وهكذا هي سنتهم في كل زمانٍ ومكان، يبدأون بالتضليل ثم الاستعباد، إلا أن إرادة الله حالت دون هيمنتهم المطلقة في اليمن، فكان الإمام الهادي، ومن ثم الأئمة من أبنائه، ممن حموا البلاد من شر الاحتلال والطغيان في كل عصر، كالإمام القاسم بن محمد، الذي حرر اليمن من دنس الاحتلال العثماني وأحالها إلى مقبرة الأناضول، بعد أن ظنوها لقمةً سائغة.

وفي هذا العصر، هيأ الله السيدان حسين وعبدالملك لإنهاء الإفساد الديني في اليمن تمهيداً للدور البارز الذي يؤديه اليوم في مواجهة الهيمنة الصهيونية على العالم، وبعد أمعنوا في ارتكاب الجرائم بحق المسلمين واستباحت كل مقدساتهم.

وكانت الوهابية ومعها حزب الإفساد الإخواني، قد مهدوا لضرب اليمن من الداخل بالعقائد الضالة وروجوا لعقيدة تقديس الحكام من جديد، شريطة أن يكون الحاكم موالياً للغرب والصهاينة كالهالك عفاش وآل سعود وغيرهم، وحرموا على الناس الخروج عليهم، رغم مجاهرة أولئك الحكام بعمالتهم وخيانتهم للأمة وثوابتها الدينية، قبل أن يصطدموا بالمشروع القرآني العظيم الذي قضى على خطر الوهابية اليوم، كما قضى الإمام الهادي على خطر القرامطة بالأمس، وبات اليمن قوة إقليمية مسخرة لحماية الإسلام وقضية فلسطين.

ولأننا كبار فإن قدرنا أن نتولى الرسول وآل بيته، لا أئمة الضلال الموالين لليهود، وفي ظل أئمة آل البيت يكبر شأن اليمن، وتتعرف الأمة على قيمة رجاله، ويحسب العدو لهم ألف حساب، كما هو حالنا اليوم ولو تخلفنا عن قيادتهم، فإن مصيرنا سيكون كمصير المرتزقة نموت بلا قضية ويستهين بنا الحليف قبل العدو، ولنا في زمن الخائن عفاش عبرة، عندما كان اليمني أضحوكة الإعلام العربي، وكانت البلاد مجرد حديقة خلفية للنظام السعودي، وسفارته التي تتطاول على الكبير والصغير دونما رادع.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب