وهم الديمقراطية الأمريكية
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ستبقى غزة هي المحك الذي كشف حقيقة الجميع وأظهر للعالم زيف الكثير من الشعارات السياسية حول العالم من مثل: "السعودية حامية العرب" و"الغرب مهد الحرية"، ومؤخراً فضحت غزة حقيقة الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد احتفاء قادتها بالمجرم الصهيوني بنيامين نتنياهو، فيما الشعب الأمريكي يتظاهر منذ عشرة أشهر رافضاً للجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وللمطالبة بوقف الحماية الأمريكية للكيان بكافة أشكالها العسكرية والسياسية على الأخص.
فالظاهر للعيان اليوم أن هناك هوةٌ كبيرة بين الساسة الأمريكيين والشارع الأمريكي، حيث بدا الأخير مغلوب على أمره في كل إجراءات الدولة الأمريكية وليس للمواطن الأمريكي الحق في تحديد سياسة البلاد أو حاكميه، بخلاف ما تصوره الدعاية الرسمية والتي تظهر البلاد كأكبر ديمقراطية في العالم.
ما قبل أحداث غزة، كانت هناك دراسات وأراء تحاول لفت الأنظار لواقع الديمقراطية الأمريكية وأنها مجرد ألعوبة ودعاية سياسية ترددها الأبواق الغربية التي طالما قدمت أمريكا كنموذج لكل الطامحين في الحرية والديمقراطية، سيما شعوب العالم الثالث المنخدعة بالوهم الأمريكي.
في العام 2015، أجرى أستاذان في جامعتي برنستون ونورثوسترن الأمريكيتين وهما البرفسور مارتن غايلو وزميله بنجامين بيج، تحليلاً لنظام الحكم في الولايات المتحدة خلص إلى أن الشارع الأمريكي معزول عن السياسة الأمريكية، وأن قرار البلاد بيد ثلة من المتنفذين من أصحاب الثروة والسلطة، ممن يديرون البلاد عبر جماعات الضغط في الدوائر الرسمية، وأن المواطن الأمريكي لا يملك أدنى أثر في السياسة الرسمية.
واستدل الباحثان بدراسة نحو ألفين قرار نفذتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال العقود الثلاثة الأخيرة (قبل العام 2015) وكانت كلها تتعارض مع رغبة المواطنين وتتوافق فقط مع رغبات أصحاب النفوذ السياسي والثروة، ونجحوا في تمريرها عبر جماعات الضغط (اللوبيهات) المنتشرة في الدوائر الرسمية للولايات المتحدة.
أما عن حرية الرأي في البلاد، فإن أي حديث عن الحرية يجب أن ينصرف باتجاه الجانب الأخلاقي والقيمي وليس للمواطن الأمريكي الحق في الحديث عن طبيعة القرار السياسي ومن يديرونه، خاصة إذا تعلق الأمر بدور اليهود في حكم البلاد والهيمنة على ثرواتها وقراراتها الداخلية والخارجية، وقد أسهب السياسي الأمريكي "بول فيندلي" في تفنيد أكذوبة الحرية الأمريكية في كتابه الشهير: "من يجرؤ على الكلام؟" والذي ذكر فيه بأن المواطن الأمريكي يستطيع الإساءة إلى المسيح وإلى كل الديانات لكنه لا يجرؤ على انتقاد اليهود واللوبي الصهيوني، مستدلاً بالكثير من الشواهد على أكذوبة الحرية الأمريكية والانتخابات وتداول السلطة وحرية التعبير والاجتماع والحرية الاقتصادية.
ويكفي أن السياسة الأمريكية تقتصر على حزبين فقط، وكلاهما مواليان للوبي الصهيوني وليس لغيرهما الحق في المنافسة على الانتخابات بسبب الكثير من الإجراءات المعقدة التي تحول دون وصول أي قيادي أمريكي إلى البيت الأبيض لا يكون هواه يهودياً، بدليل إفشال السناتور الشهير "برني ساندرز" أكثر من مرة في الترشح للانتخابات الرئاسية، بسبب مواقفه المساندة للقضية الفلسطينية.
وكما ذكرنا بأن غزة هي المحك الذي يكشف الجميع، فإنها ستكون الصخرة التي تتحطم عليها مؤامرات الغرب، فمظاهرات اليوم تشكل نواة لثورة أمريكية قد تخلق من أمريكا بلداً ديمقراطياً بالفعل، وعندها سيتلاشى أثر اللوبي الصهيوني ويختفي معه الكيان الإسرائيلي الذي تمادى في طغيانه وظلمه، وحان الوقت ليختفي من الوجود.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب