في غزة العزة.. أيُّ بشر سيكونون بها؟!
عبد القوي السباعي*
خلَّفت حربُ الإبادة الجماعية الصهيونية المُستمرّة، وحربُ الاقتلاع والتجويع لأهل غزةَ، مئاتِ الآلاف من الشهداء والمصابين والمفقودين، وعائلات ثكلى، وأيتام جوعى وأطفال مشردين، وآلافًا من الإخوة والأخوات، ومن الآباء والأُمهات، التي انتقلت إلى بارئها.. وفقَدَ مليونا فلسطيني كُـلَّ وأبسطَ ما يملكون، بعد أن فقدوا أعزَّ ما يملكون؛ حتى أصبحت ظهورُهم إلى حائطِ خيمةٍ من قُماش، وما عاد لديهم ما يخسرونه أَو يخافون عليه.
كُلُّ هذا فقط في هذه الجولة من الصراع مع العدوّ الإسرائيلي، الذي أرادها أن تحفرَ في ذاكرتهم عميقاً، ليتركوا كُـلَّ شيء وراءهم ويرحلوا، لكن وعلى عكس ما توقَّع العدوّ؛ ظل في غزةَ مليونا إنسان لم ولن يغادروها، بعد تجربة التهجير والنزوح عام 1948م، وبعد أن نشأت أجيالٌ جرَّبت أقسى ظروف الحياة وأعتى صنوف العدوان، لكنهم صمَدوا ونجحوا في قهرها والتكيف معها.
اليوم تتكرّر المعاناة والمأساة، وكأن الناس في غزة يخوضون تجربةً تدريبيةً لأكثرَ من مرة، يعانون في كُـلّ مرة الخِذلانَ والذُّلَّ، ويعانون الجوعَ والعطشَ والمرضَ والتشرد، يعانون البردَ والحر، والخوفَ والقهر.. وإذ لم يتنبه ساسةُ وجنرالات الحرب الإسرائيليون، أنهم بذلك إنما يدُقُّون آخرَ مسمار في نعش كيانهم الآيل إلى الزوال.
لم يتنبه الصهاينةُ أنَّ ارتكابَهم هذه الفظائعَ والمجازرَ الوحشيةَ، من شأنِه أن يخلُقَ جيوشاً أكثرَ ثباتاً وبأساً؛ وأكثرَ صلابة وخبرة، وأقوى إرادَة وتحدياً في الاستمرار ومواصَلة الجهاد والكفاح لانتزاع حريتهم وحقوقهم الوطنية والإنسانية.. جيوشاً أكثرَ تصميماً على الثأر والانتقام لشهدائهم وكل معاناتهم.
وعليه؛ فليقل لنا خبراءُ حقوق الإنسان ومنظِّرو استراتيجيات المعارك وجغرافيا الحروب، وعلماءُ الاجتماع والفلسفة، مجتمعين: أيُّ بشر.. وأيُّ مقاتلين سيكونون هُنا؟ بعد أن أطلقت (طوفان الأقصى) شرارةَ التحرير الأولى لفلسطينَ وكامل بلدان الأمة، حتى بدأت معركةُ أحرارِ العالم بأسرِه ضد هذا الكيان اللقيط وداعميه، وما تبقى من القول ستكشفُه الأيّامُ عما قريب، بإذن الله، والعاقبةُ للمتقين.
* المصدر : صحيفة المسيرة
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه