خالد شحام*

إن ألسنة النار هذه التي دبت في ميناء الحديدة مساء الأمس ليست إلا نسخة عن أعمدة النار التي ستكون مشتعلة في حيفا ويافا، إنها فاتحة النار التي ستشتعل في سدوم وعمورية وتؤتي أكلها في رواية وعد الآخرة التي أفلتت من معقلها ولم يعد من الممكن السماح لها بالعودة أبدا.
يمكن لأي محلل من الدرجة الثالثة أو الرابعة أن يربط بسهولة بين عمود النار الضخم الذي ارتفع في ميناء الحديدة بالأمس، وبين أفلام هوليوود الأمريكية الاستعراضية حيث يتكفل (البطل الأمريكي) بإحداث الضرر الأكبر للعدو مرفقا بغيمة كبيرة من النار أو بتفجير واسع النطاق أو تخريب شامل لكل معالم الحياة، إنه الأثر البصري المفضل لوضعه في نفسية العدو وعين المشاهد، بتعبير آخر إنها البصمة الأمريكية المفضلة والتي لم تغب أبدا عن العدوان الجبان على يمن البطولة.
في الوقت الذي تستمر فيه جرائم هؤلاء الهمج داخل غزة والضفة ولبنان وسوريا واليمن والعراق تسري في الجسد العربي فيتامينات الصحوة الجديدة، صحوة الشعوب على حالها واختيارها الأخير ما بين الإبادة التي تراها في غزة أو البقاء، مواجهتكم أو الموت ذلا واستعبادا، إن هذه الطائرات التي انطلقت وفقا لتعاون مؤكد بين الحزب الأمريكي -البريطاني – الاسرائيلي لم تتحرك إلا لغاية واحدة عنوانها ردع مؤشرات الصحوة العربية التي افتتحها يمن البطولة وليس كما يدعى ردا على ضربة يافا الأسطورية.
ينظر البعض إلى ما يجري في المنطقة بقلق بالغ خوفا مما يسمى بالتصعيد وهي الكلمة المفضلة في القاموس الرسمي العربي والتي تسبب الخوف لدى الأنظمة الكرتونية أكثر من أي شيء آخر، لا يمكن تسمية ما يحدث في المنطقة اضطرابا أو صراعا أو حالة من عدم الاستقرار، لم يعد من اللائق أخلاقيا أو سياسيا فهم هذه التشابكات على أنها إثارة الفوضى أو التسبب في أذى لشعوب ودول المنطقة أو التصعيد كما يفضل صناع الكلمات، الحقيقة الفعلية أن كل ما ترونه هو محاولات الجسد استعادة الروح فيه قبل الإجهاز التام عليه، الجسد الذي نتكلم عنه هو الشعب العربي، شعوب العرب التي طال عليها الظلم حتى أعتمت السماء ودخلنا نفق التيه بلا أي بصيص أمل، لكن الأمل بدأ يشرق مع هذه القيادات الجديدة، مع هذه الروح التي تصعد من غزة ولبنان واليمن العظيم، كل ما ترونه هو محاولات الإنقاذ الأخيرة لهذه الأمة التي ستنهض من جديد من فوق الحطام والرماد وتستعيد كرامتها وحقوقها المنهوبة طيلة عقود كاملة .
بالأمس وقف المجرم الناطق باسم جيش المخربين الصهيوني ليعلن أن أنصار الله (الحوثيين) يهددون التجارة العالمية حد وصفه!، هذا المستوى نفسه من الخطابات السامة التضليلية هو الذي تم حقنه في وعي الشعوب طيلة السنوات الماضية عندما تم إلصاق المقاومة الفلسطينية بكل ما هو مستورد ومعلب من التهم والتبعية، وهو الخطاب الطائفي نفسه الذي تم بيع تذاكره على يد المتصهينين العرب عندما حصروا حزب الله بوشم الشيعة والتبعية، وهو الخطاب المتصهين نفسه الذي وشم رئاسة سوريا بأنها طائفية علوية، وهو الخطاب نفسه الذي يجري تسويقه على صعيد جمعي أو فردي بأن أفرادا وشخصيات عظيمة مثل السنوار أو الضيف أو السيد حسن نصر الله أو السيد عبدالملك هم مغامرون وباحثون عن مكتسبات فردية من خلال وهم المعارك، إن غاية هذه الخطابات السامة من ألد أعداء البشرية لا تهدف فقط إلى عزل المقاومة العربية وإحاطتها بدوائر الانفصال عن قاعدتها الشعبية فقط، بل تهدف إلى الاستيلاء على الكرامة العربية ومنحها عدم الأهلية والصلاحية للقيام بأية مبادرات في مشروع التحرر العربي من خلال وضع كل هذه العمليات تحت إرادة القرار الإيراني همزا ولمزا، إن حلف الشيطان لا يمكن أن يسمح باستمرار هجمات اليمن وضرباته حتى لو تطلب الأمر وضع الخطط لاحتلال المضيق المائي وإعادة الهجمات على اليمن بأكمله، ولكنهم يغفلون أن اليوم ليس كما الأمس ويغفلون تماما عن فهم حقيقة الموقف اليمني المشرف .
ما قام به أنصار الله من وقفات بطولية تتمتع بالشهامة والنخوة والوعي القومي والإسلامي لا يمثل جماعة أو طائفة معزولة عن واقعها العربي، بل هو رأي وتوجه الشعب اليمني الذي يتظاهر بالملايين كل جمعة بثبات وعزيمة وتواصل منذ شهور طويلة دون أن يكّل أو يمل، ما قدمته جماعة أنصار الله هو نفسه رأي وتوجه كل شعوب العرب لو أزيلت عنها قوى القمع الحامية للكيان الصهيوني، إن قرار القيادة اليمنية المشرفة لكل العرب بتصعيد الضربات ضد الإمبريالية والعدوان الصهيوني على غزة هو قرار نابع من ضمير شعب اليمن العظيم ورغبته عن طوعه في استعادة كرامته وكرامة كل هذه الأمة من المحيط إلى الخليج .

تتكشف الحقائق كل يوم أكثر وتتضح معالم الحقيقة المؤلمة التي لا يراها كثيرون أو يرفضون رؤيتها، هنالك جسم استعماري ضخم يتمدد في كامل الخارطة العربية، جسم استعماري أقدم مما نتخيل، يبدو بهيئة أنظمة وحكومات ودول كاملة ناطقة بالعربية وتعيش وتأكل وتشرب ولكنها ليست سوى محطات خدمات وقواعد عسكرية متنكرة في زي مدني وشعوب عربية تعيش مثل الطفيليات على جسد الأرض، لم يسمح النظام العربي بترك غزة فريسة بين يدي جيش المجرمين قتلة الأطفال والنساء بل منح مباركته بإراقة دماء الأطفال وحرق البشر أحياء داخل غزة، لم يكتف بكل ذلك بل هو الآن يسمح باستغلال الأرض العربية لتمرير طائرات الفونسو الثلاثي الصهيوني -الأمريكي – البريطاني بقصف معقل شعب عربي كريم وأرض عربية أبية ذاقت العذاب والحرمان ولا زالت طيلة سنوات ثمان دون أن يلتفت إليها أحد، وها هي رغما عن ذلك تقف وحيدة مع المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني .

إن الأحداث التي تتفاعل في المنطقة ستشهد ما لم تكونوا تحلموا به، كل من يعبد البوارج الحربية الأمريكية بطول مئات الأمتار فلينظر إلى بطولة اليمن ليرى كيف منح هذه البوارج رخصة الهزيمة، كل من يراهن على جيوش المارينز وحمـاية ترامب والكاوبوي القذر اللص القادم من وراء البحار فلينظر إلى كرامة اليمن التي نتعلم منها جميعا دروسا في التحدي والعزيمة رغما عن الحصار والإفقار، كل من يصلي للنجمة السداسية ويتبارك بالكيباه التلمودية عليه أن يغسل وجهه ببعض بقايا "يافا" اليمينة التي جاست خلال الديار وكانت وعدا مفعولا، كل من يراهن على دفن هذه الشعوب بالهرواة والمعتقلات واستيراد مستقبلها وحياتها والرهان على مؤسساته الأمنية عليه أن يعّد حقائبه للهرب تحت جنح الظلام لأن اليمن العظيم أيقظ شعوب العرب على معاني الحرية واستعادة معنى الحياة .

ماذا لدينا في أرض فلسطين اليوم؟ لدينا منشأة نفطية ذات أنابيب وأعمدة ملتوية تحورت إلى جيش وما يسمى شعب وما يسمى حكومات ووكالات أمنية هدفها حماية العروش وحراسة نوم الشعوب وتخلفها عن ركب الحضارة، لدينا زيوت سوداء مكررة وأشباه موصلات متفحمة وبعض أقراص الروليت الأمريكية وكل هذه تحاول إغشاء الزيتون وإزالة أرض الأنبياء من ضمير العربي واستبدال النور في المشكاة ببعض الدولارات الرخيصة، لكن أرض فلسطين لا تزال تتقد بالنور حتى من تحت رماد غزة وألوف الشهداء، تحرر الشعوب لا تقف في طريقه الـ أف 35 المهولة ولا البوارج ولا كل الدبابات المتطورة والقذائف التي تشطر الإنسان إلى نصفين، تحرر الشعوب هو قذيفة خارقة للزمان والمكان ولا تقف في وجهها كل أساطيلكم ولا اليانكي ولا المارينز ولا قوات النخبة العبرية التي كسرت المقاومة الفلسطينية هيبتها وفسختها إلى نصفين فوق حطام المجنزرات العبرية.

شعب فلسطين يا سادة العرب يفخر بكم ويرفع هامته بتضحياتكم وبطولاتكم والإقدام، شعب غزة يا أهل اليمن يهديكم السلام ويرفع لكم تحية القسام، شعوب العرب يا أبطال العرب تفخر بكم وتباهي الغمام، موعدنا معكم النصر والفتح العظيم في يوم الختام.

* المصدر: رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع