محمد جرادات*



أشعلت المقاومة الإسلامية جبهة الجولان. وقد استهلتها بالرد على اغتيال المهندس ميثم العطار بقصف مركز الاستطلاع الفني والإلكتروني في جبل حرمون السوري المحتل في أعمق هجوم منذ الثامن أكتوبر، ليعقبه الهدهد 2 في أحدث كشف عن عمليات المسح الشاملة والدقيقة والمستحدثة لكل تموضعات "الجيش الإسرائيلي" بكل تشكيلاته في الجولان، وما أعقبه من قصف لقيادة فرقة الجولان في قاعدة نفح بـ40 صاروخ كاتيوشا، وهو ما أدى إلى اعتراف المحتل بمقتل اثنين من المستوطنين.

غضب حزب الله أوقد نار حرمون الراكدة بعد نصف ساعة من زيارة وزير الحرب يوآف غالانت للمنطقة، ليس ليقتل اثنين من المستوطنين، والمحتل عادة يتكتّم على خسائره البشرية، وبخاصة في الجبهة الشمالية، ولكنه حزام النار الممتد بعمق متدحرج في قلب الشمال.

وقد تجاوز الأيام الماضية بخطوات متسارعة، ولكنها ثابتة في صلابة الزحف دون خطوة ما قبل الثامن من أكتوبر أو قبل اغتيال القائد العاروري والحاج جواد، إذ دخلت قاعدة ميرون الجوية التجسسية حزام النار، أو قبل اغتيال القائد أبو طالب، ثم القائد أبو نعمة. وقد صار استهداف تخوم صفد ونهاريا وعكا وطبريا والناصرة أمراً معتاداً ببركة الدماء الطاهرة على طريق القدس.

حزام نار حزب الله بدأ يتشكل في عمق الكيان منذ الثامن من أكتوبر من مسافة 4 كم ليمتد بثبات عبر 35 كم على امتداد تسعة أشهر من عمليات إسناد غزة، في عناد لبناني أصيل بربط قرار المواجهة وفق ما تعلنه قيادة المقاومة الفلسطينية حصراً.

إنه زمن الطوفان ووحدة الجبهات، سيل من شهداء حزب الله في صياغة أعجب استراتيجية قتالية، يعانق رعاف غزة والضفة والأسرى بالجملة والمفرق (وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم، ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم).

تكامل حزام النار الممتد في قلب الكيان تباعاً ليعانق جبلي ميرون في الجرمق وحرمون في الجولان يعكس مشهدية التفاعلات الإقليمية على صفيح غزة الملتهب، فما عاد ارتهان منظومة التطبيع في القاهرة وعمان، عبر دورهما الوظيفي في حراسة أمن الكيان، هو المشكّل الوحيد لخريطة دول الطوق، وقد حفر حزب الله عميقاً في سفوح الجبال مرابض جديدة لرؤية العين المبصرة تطل عبر أسراب من الصافات صفاً، وما اعتلى الجبال الشاهدة في سلسلة النار من جبل عامل اللبناني حتى حرمون السوري مروراً بالجرمق الفلسطيني، وقد بلغ الطوفان أوج هديره في أعالي القمم، وما زال نتنياهو يكابر أنه سيأوي إلى جبل يعصمه من الماء، حيث لا عاصم من أمر الله إلا من رحم.

وصل القصف جبل حرمون على ارتفاع 2814 كم، ليطل الهدهد 2 بعينه الثاقبة، فيتبعه قصف مكثف وواسع وسقوط قتلى من المستوطنين، وكل ذلك في محيط زمن يوم واحد من الساعات، وكله مقصود في قضم مساحات جديدة لتزحف نحوها النيران، في رمزية اشتعال حرائق الغابات الـ710 على امتداد الشمال قرابة 180 ألف دونم، ولكنها 6800 من الصواريخ والمسيرات الانقضاضية عمّدت قواعد الكيان العسكرية ومقاره القيادية بنار الغضب، وإن لم يعترف الكيان بقتلاه في هذه المقار حتى الآن، وكل ما يتسرب عما مجموعه 28 قتيلاً و180 جريحاً، يأتي حول من يسقط في بعض الشوارع أو البيوت على اعتبار أن ما يقع داخل هذه المقار أسرار أمنية يمنع نشرها بشكل حاسم.

دخل الجولان معادلة الاشتباك بقوة مع أنه تعرّض للقصف مراراً في السابق عبر تغيير قواعد الاشتباك بهذه الكثافة، وهو يأتي مباشرة بعد تقييم صدر عن المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية"، وفق ما جاء في صفحة هليل بيتون روزين، من أن إيران ستعمل على فتح جبهة على الحدود السورية قريباً.

لذا، تقرر أن يبدأ لواء الجبال في "جيش" الاحتلال عمله، وعينه على سوريا وعلى لبنان بطبيعة الحال، وبخاصة في قطاعي جبلي دوف وحرمون في الوقت نفسه، ليأتي هذا التغيير الدراماتيكي في مسار جبهة الجولان بعكس التقدير الأمني "الإسرائيلي"، عندما تم إشعالها بنار حزب الله من لبنان، فيما الجبهة السورية ما زالت على حالها وفق توقيتها غير المعلن حتى الآن.

سخرت صحف الاحتلال وهي تستحضر تهديدات غالانت بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وتنشر صورة لقاعدة ميرون الجوية، وقد عنونت: ميرون في أوج العصر الحجري، إذ ظهرت القاعدة وقد تحولت بالفعل إلى ما يشبه العصر الحجري، على الرغم من اعتبارها منطقة يهودية مقدسة لما يزعم عن وفاة الراب شمعون بار فيها منذ سنة 160م، فتقام فيها احتفالات سنوية حاشدة للمستوطنين. وقد أدى ضخامة الحشد في نهاية نيسان 2021 إلى مقتل عشرات المستوطنين، عندما انهار بهم جسر يوصل أطراف الجبل ببعضها بعضاً، ولكن الآن اعتاد حزب الله قصفها منذ السادس من كانون الأول بما تجاوز قصفها 50 مرة بمئات الصواريخ، وكان ضرب هذه القاعدة، بحسب السيد حسن نصر الله، ضرباً من الطموح، فيما يتم الآن ضربها متى أراد قادة الميدان.

ينتظر حرمون وقواعد جبل الشيخ الاستراتيجية في كامل هضبة الجولان المصير ذاته الذي آلت إليه قاعدة ميرون في أعالي الجرمق، وقد صار معتاداً، وهو ما يجعل قواعد الهضبة عرضة للاستباحة في وقت ما، والأهم أن ضربها وإرهاقها وتشتيت قدرتها على أداء وظائفها التجسسية والدفاعية هو شرط حاسم في أي اقتحام لبناني محتمل للجليل، وهو ما يدفع المحتل إلى إرهاق ثلث جيشه تحسباً لاحتمال وقوعه، وبخاصة مع تصاعد تهديدات قادة الاحتلال ونية المقاومة الاستباقية، ويقولون: متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً.

* المصدر: موقع الميادين نت
* المقال يعبر عن رأي الكاتب