أحمد فؤاد||


في تلك اللحظات المفصلية، والتي يتداخل فيها صراع الشرق الأوسط "طوفان الأقصى" ويشتبك مع غيره من الصراعات ضدّ الشيطان الأكبر، من أوروبا إلى جنوب شرق آسيا، وفي ظل الخسارة التي منيت بها أمريكا والكيان وأنظمة التطبيع العربية في المرحلة الأولى، فإن خطابًا عربيًا يحاول أن يتلمس ولو بأطراف الحلم العربي الذي تحقق أو يكاد، يصبح ضرورة وفرضًا دينيًا وإنسانيًا ووطنيًا أيضًا.

تكاد تتوقف رحى العمليات الصهيونية الكبيرة في غزّة، أو هكذا على الأقل يقول المحللون العسكريون، فلم يعد في غزّة شيء مروع مشين لم يقم به جيش العدو، ورغم ذلك فإن الصواريخ الفلسطينية لا تزال تنطلق إلى مستوطنات غلاف غزّة، لتقول بوضوح كلمة المقاومة الفلسطينية الأخيرة، وفصل النهاية في حلم/ كابوس قيادة الكيان للمنطقة العربية برمتها، ذبحت المقاومة هذا الحلم القذر من الوريد إلى الوريد.

قبل بداية طوفان الأقصى بأيام أو ساعات معدودة، كانت السعودية تتهيأ لإعلان التطبيع الكامل مع العدوّ الصهيوني، وعلى لسان حاكمها الحقيقي وولي عهدها محمد بن سلمان، واعدًا شعبه بأن نموذج الاقتصاد الصهيوني سيكون بوابة عبور الاقتصاد السعودي – والخليجي - البدائي إلى عصر جديد من التصنيع والثروة، وكان الرئيس المصري يقول إن نتنياهو زعيم عظيم للمنطقة، ومهما كان سياق الجملة أو أسبابها، فإنها وحدها خيانة عظمى في حق المبدأ والدين والأمة.

الآن.. ماذا بعد قرار المقاومة الفلسطينية القاضي بالمواجهة المسلحة، ثمّ قرار محور المقاومة بتفعيل إستراتيجية وحدة الساحات، وفتح الجبهات نارًا ودمًا على الكيان طوال 9 أشهر إلا أيام قليلة؟ نضجت كلّ الظروف لرؤية سليمة تنطلق من مواقع الأطراف وخسائرهم وحالتهم ومواردهم، والأهم: خياراتهم المستقبلية.

صحيح أن الكيان استطاع الصمود والحفاظ على مستوى جرائمه البشعة طوال فترة القتال، وهي فترة طويلة رغم كلّ ما يشتعل داخله من تناقضات بين عصابات لا يجوز وصفها بالأحزاب كما لا يجوز وصف الكيان بالدولة، لكن هذا يلفتنا إلى أهم نقطة يجب وضعها في معادلة حساب طوفان الأقصى، وهي أن الكيان يعتمد في الأوكسجين الذي يتنفسه على الدعم الأميركي والغياب العربي، سواء بسواء، ولما تقدم أشرف وأنبل العرب إلى عمل عسكري متعدد الجبهات، فإن واحدة من قوائم استمرار الكيان قد كسرت إلى الأبد، هذا واحد صحيح قد تحقق، وهو لخص لحظة الإفلاس الصهيوني الكاملة، عسكريًا ونفسيًا وسياسيًا.

المأزق الثاني للعدوّ الصهيوني أنه إن كان يريد أن يسترد قدرته على "الردع" ويرمم صورته المتشظية، ليس أمامه سوى استرجاع هيبته التي كسرها رجال حزب الله على الجبهة الشمالية، هؤلاء الأبطال كانوا ينفذون عمليات إذلال وقهر وتحطيم إرادة وحرب معنوية طوال 9 شهور، وما أنتجوه – على الأقل - يبقى زرع بذور الشك في استمرار الكيان الصهيوني، وحتّى في ما بين المواطنين أنفسهم. مواطنو الشمال يعرفون أن جيشهم لا يستطيع إعادتهم إلى مستوطنات شمال فلسطين، ولا يستطيع أن يردع حزب الله.

في ما يخص حزب الله، فإن حلم الكيان بحرب جوية سريعة، تسبب قدرًا هائلًا من الدمار في بنية حزب الله العسكرية بطريقة المطارق الثقيلة، ثمّ تقطع خطوط المقاومة، وبعدها تتولى الدبابات الميركافا دور الساطور الذي سيشق الجبهة إلى الليطاني، هو أقرب لعبث أطفال، وضربة مثل هذه وفي ظروف أفضل للعدو، سياسيًا وعسكريًا، لم ترتد عليه إلا بالخراب، يكفي أن سلاح الجو الصهيوني الذي ادعى أنه دمر الجزء الأهم من تجهيزات الحزب في 2006، وفتح الطريق للجيش لتحقيق نصر سهل، لم يتحقق له في النهاية السيطرة على القرى الحدودية المحاذية لفلسطين المحتلة على المسافة صفر، عيتا الشعب على سبيل المثال لا الحصر.

ليس الحزب طرفًا تستطيع كسره بحرب عسكرية، مهما كانت أدواتها أو جبروت سلاحها، الحزب أسس جماعة مقاومة كالبنيان المرصوص، وكان يؤسس من البداية تيار مقاومة جهادياً، فبيئة مقاومة جهادية، ثمّ درعًا جهاديًّا ثوريًّا لهذه البيئة الروحية الخالصة، كان يؤطر ذلك النور الإلهي الذي فاض وسطع على بقعة شريفة من الأرض العربية، فزادها رفعة وسموًا، وقبل كلّ شيء، رسخ حزب الله لنظرية إستراتيجية مبتكرة وجديدة تمامًا للمقاومة وهي "المفاجآت"، وهي التي تقض مضجع العدوّ اليوم. من كان يعرف فعلًا قبل طوفان الأقصى أن الحزب يمتلك هذه الترسانة المخيفة من الصواريخ، الثقيل منها والخفيف، والمسيرات والقذائف الموجهة والطائرات وإمكانيات التجسس المتطورة والإعاقة الإلكترونية، ربما بأكثر مما لدى جيوش الشرق الأوسط مجتمعة؟ وما الذي قد يفاجئ به رجال الله في الميدان جيش القش الصهيوني المهزوم في غزّة!

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب