العواطف والقواصف في كلمة القائد
السياسية || هاشم أحمد شرف الدين*
تابعنا اليوم كلمةً مؤثرة، فاض خلالها قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، من قلبه، وكشفَ عن شعورٍ عميق من عواطف السخط والإحباط والفخر والإعجاب والإرادة والصمود، مجسداً الروح الحقيقية للإنسانية والمقاومة، بالتزامه الثابت بالقضية الفلسطينية وتضامنه الذي لا يتزعزع مع الفلسطينيين المظلومين.
كانت كلمته مليئةً بالكرب والأسى وهو يرثي محنة الشعب الفلسطيني ويدين العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، الذي أدّى إلى إزهاق عددٍ لا يحصى من الأرواح البريئة وتشريد الأسر.
لقد كان تدفقه العاطفي انعكاساً لإحساسه العميق بالعدالة والتزامه الثابت بالقضية الفلسطينية، في عالمٍ يغض فيه أغلب قادة العرب والمسلمين الطرفَ عن معاناة الفلسطينيين.
ولكن إلى جانب حزنه، أعرب السيد القائد عن إعجابه العميق بصمود وشجاعة الشعب الفلسطيني أمام العدو الإسرائيلي المتفوق عدّةً وعتادا، فقد واصلوا الجهاد والمقاومة، رافضين الاستسلام.
لقد وصف صمود المجاهدين في غزة بأنه [ آية من آيات الله ] ودليل على إيمانهم ووعيهم وثباتهم وإنسانيتهم.
إن هذا الإعجاب ليس مجرد شعور؛ إنه شهادة على التضامن الثابت بين الشعبين اليمني والفلسطيني.
من جانب آخر، كانت الكلمة مليئةً بالسخط والإحباط، حيث أدان السيد القائد أولئك الذين تركوا الفلسطينيين لمصيرهم. لقد وجّه انتقاداتٍ لاذعةً للأنظمة العربية والإسلامية التي فشلت في دعم الشعب الفلسطيني.
قال مستنكراً " إن جريمة القرن ومظلمة العصر تحدث بين العرب ووسط العالم الإسلامي وتستمر لـ251 يوماً!" ليبدّد حجج العرب والمسلمين في تخاذلهم مع مأساة مسلمي شعب البوسنة والهرسك التي حدثت قبل عقود، بمبرر البعد الجغرافي وصعوبة الإمداد، فما المبرر اليوم والشعب الفلسطيني يعيش في محيط عربي وإسلامي يمكنه أن يدعم ويساند؟!
"تقصير واضح" يقول السيد الذي يمضي ليعبّر عن ألمه قائلا: "من المؤسف جداً أنه مع كل ما يحدث تتجه أنظمة عربية لتشارك في مناورات تحت الإشراف الأمريكي مع العدو الإسرائيلي"! ويسأل بمرارة: "لماذا هذا التواطؤ والتعاون مع العدو الإسرائيلي والتخاذل الكبير من أكثر الأنظمة والحكومات!؟"
وبحرقةٍ يؤكد أنه "من العار أن يتحرك البعض بالدافع الإنساني في أمريكا و أوروبا و أستراليا ثم لا يرقى مستوى موقف الدول العربية إلى إتاحة التحرك الشعبي!".
ثم يعبّر السيد عن استيائه من بقاء أكثر الشعوب عند حد التعاطف القلبي دون تحركٍ عملي فاعل حتى بخطوات بسيطة متاحة!".
إن هذا الغضب الذي أبداه القائد ليس مجرد شعور؛ إنها دعوة للعمل، وتذكير بأن القضية الفلسطينية ليست مصدر قلق بعيد، ولكنها قضية ملحة تتطلب اهتماما وعملا فوريا.
وفي إطار نوايا اليمن الطيبة تجاه محيطه العربي، حرص السيد القائد على تكرار نصحه للنظام السعودي بألّا يتورط ضد بلدنا بضغطٍ أمريكي لخدمة إسرائيل؛ لأنه ببساطة سيعرّض مصالحه للخطر.
وبنبرةٍ حريصة على الإخاء العربي توجّه إلى السعوديين بالتنبيه والسؤال: "ما الذي يدفعكم ليكون همكم هو التودد إلى إسرائيل لتتحول مأساة غزة إلى صفقة تطبيع ثم اتجاهٍ عدائي ضد الشعب اليمني؟ إن التودد لإسرائيل ليس في مصلحتكم ولا مصلحة شعبكم، بل تضر بكم وتسيء إليكم وتخزيكم وتنفع العدو الإسرائيلي".
وفي ثنايا تعليقه على الانتصار الأمني اليمني، المتمثل في كشف أكبر شبكة جاسوسية أمريكية إسرائيلية، أبدى السيد القائد غضبه ودهشته من مساعي الأمريكي نحو إهلاك الناس والإضرار بهم وإفشالهم وإلحاق السوء بهم إلى أبعد مدى، مؤكداً أن الأمريكي يحمل التوجه العدائي الإجرامي الظالم، الذي يستهدف الشعوب في اقتصادها وزراعتها وتعليمها وصحتها وفي كل المجالات.
وبنبرةِ تحذيرٍ وحرص أكد السيد القائد: "من المهم لشعبنا ولكل شعوب أمتنا العربية والإسلامية وللجميع أن يستفيدوا مما يتم كشفه من حقائق عمّا فعلته شبكة التجسس من أنشطة تخريبية لإلحاق الضرر بشعبنا في كل مجال".
كما جاءت كلمة السيد القائد مشبعةً بالحب والتقدير لشعبه اليمني الذي يتحمّل معاناةً ومشقة لا يمكن تصورها منذ عشر سنوات، جرّاء العدوان والحصار الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي الصهيوني، فعلى الرغم من ذلك، إلا أنه يواصل الدفاع عن شعب فلسطين.
توجه إلى شعبه بالتحية قائلا: "أحييك يا شعبنا العزيز على هذا التحرك المشرف الذي قدّم نموذجا لكل العالم، بشجاعة وجرأة وثبات ودون كلل أو ملل أو فتور".
وبكلماتٍ رقيقة أكد السيد القائد أن "شعبنا العزيز يسمع بمشاعر ووجدان ويرى بعين المسؤولية والضمير والإيمان، ولذلك يتحرك لمشاطرة الشعب الفلسطيني الألم والأمل".
إن هذا الحبَ والتقدير ليسا للاستهلاك، بل شهادة على الرابطة العميقة القائمة بين القائد وشعبه.
أقول في الختام، لقد كانت كلمة السيد القائد تعبيراً قوياً عن الإنسانية والتعاطف والتضامن. وبينما نتأمل المشاعر الصادقة التي احتوتها كعواطف وقواصف، نتذكّر أن القيادة الحقيقية هي تلك التي تقف مع المظلومين، تناضل من أجل العدالة والحرية، في عالمٍ يبدو في كثير من الأحيان أنه ضلّ طريقه بفقدان إنسانيته.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع