المسيرات الشعبية تُحبط مؤامرات "التطبيع" على غزة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
في 12 يوليو 2006، نفذ حزب الله اللبناني، إحدى أهم العمليات البطولية في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، تمثلت في خطف جنديين إسرائيليين بعملية عسكرية خاطفة على الحدود، رداً على رفض الصهاينة الإفراج عن مخطوفين لبنانيين، مضى على خطف بعضهم نحو ثلاثة عقود، وبعد فشل استمر لسنوات من المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين.
ومع أن العملية لاقت ترحيباً واسعاً في الشارع العربي، إلا أن الموقف الرسمي بادر إلى استهجانها، بعد أن اعتبرت الرياض، على لسان وزير خارجيتها آنذاك سعود الفيصل، بأن ما جرى في لبنان: "بالمغامرات غير المسؤولة".
وأصدرت لاحقاً بياناً مشتركاً مع الجانب المصري، هاجمتا فيه ما أسمياه بقيام "عناصر لبنانية بمغامرة غير محسوبة دون الرجوع إلى السلطة الشرعية في لبنان ودون التنسيق مع الدول العربية".
وتتابعت دول التطبيع في إدانة الخطوة، وتحميل حزب الله مسؤولية أي تصعيدٍ إسرائيلي، وبالفعل استغلت "إسرائيل" ذلك التعاطف وشنت عدواناً واسعاً على لبنان، انتهى بتدمير آلاف المنازل وقتل أكثر من 1200 مدني، وتهجير قرابة مليون مواطن.
كان الموقف الرسمي لأغلب الحكام العرب مخزياً، فيما لم يتبلور التضامن الشعبي على شكل مواقف قوية، تكشف حقيقة الشارع العربي الرافض في معظمه لخيانة الزعماء، فكان تدمير لبنان وما تلاه من مواقف داخلية تحمِّل حزب الله مسؤولية الحرب ونتائجها.
وتكرر الوضع في غزة أواخر العام 2008، عندما شنَّ الكيان الصهيوني ما أسماها بعملية (الرصاص المصبوب)، وأقدم على قتل نحو ألفي مدني، وجرح أضعافهم، بالتنسيق مع معسكر التطبيع، حيث أعلنت وزير خارجية الكيان آنذاك (تسيبي ليفني) من القاهرة أن «إسرائيل لن تسمح بعد الآن باستمرار سيطرة حماس على غزة وستغير الوضع».
ومرة أخرى غاب الدعم الشعبي ليظهر موقف الشارع العربي وكأنه امتدادٌ للخيانة الرسمية، وأن العرب يرفضون التحرك الجهادي وحركات المقاومة، ويميلون إلى سياسة الخنوع والتطبيع.
وقد تسبب ذلك الموقف المخزي للشارع والساسة في تكرار العدوان على غزة على مدار السنوات اللاحقة، ومثل ذلك قبولاً مبدئياً بالمشروع السعودي الساعي إلى تصفية القضية الفلسطينية، تحت مسمى (صفقة القرن).
وفي كل عدوان على غزة، اضطرت المقاومة إلى تقديم تنازلات كبيرة لصالح الكيان الصهيوني مقابل وقف إطلاق النار، بسبب الضغط الرسمي والإعلامي الذي يحمَّل المجاهد الفلسطيني مسؤولية الجرائم الصهيونية، وسعى إلى خنق المقاومة بذريعة الورقة الإنسانية.
وكان ذلك السيناريو أقرب إلى الحدوث بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي، فالموقف الرسمي لأغلب العرب يقف في خندق الكيان الصهيوني، ويطالب حماس بالخضوع لرغبة "إسرائيل"، والتي ما كانت لتنتهي إلا بتهجير كل سكان القطاع إلى خارج فلسطين.
إلا أن المواقف الشعبية، أحرجت التوجه الرسمي لدول التطبيع، وأعلنت منذ اليوم الأول للطوفان بأن الشارع العربي يقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ويرفض تحميلها مسؤولية الجرائم الصهيونية، ويطالب بإسناد غزة بالمال والسلاح والإسناد العسكري.
وكان لنا في اليمن شرف السبق في كل ذلك، فكان في يوم السابع من أكتوبر نفسه، انطلاق أول مسيرة يمنية مؤيدة لحماس وسائر المجاهدين في غزة، لتتوالى بعدها المسيرات الأسبوعية حتى اليوم، وشكلت عامل إسناد قوي حتى للعمليات العسكرية التي نفذتها القوات اليمنية، والتي جاءت بطلبٍ من الشعب اليمني نفسه.
وأثبت اليمنيون -من خلال مسيراتهم المستمرة – أن الدعم اليمني لغزة ليس مؤقتاً أو لحظياً، بل هو مسار دائم حتى تحقيق النصر، ويلازمه تحركٌ عملي تمثل في مقاطعة المنتجات الأمريكية الداعمة للكيان وتفعيل ورقة البحر، والتي ظلت خاملة خلال حقبة الأنظمة البائدة، رغم أهميتها ودورها الفعال في التنكيل بالعدو الإسرائيلي.
كما وضعت تلك المسيرات الأنظمة العربية المطبعة في حرج أبدي، بعد أن أفشلت الرهان الإسرائيلي على نبذ حركات المقاومة، وأعلنت للعالم أن الخيار الشعبي سيبقى دائماً في صف الحق والمظلومية الفلسطينية، وأن التطبيع ليس إلا ميولاً شاذاً، ولا مكان له في نفوس الأحرار من أبناء الأمة.
وعلى هذا الدرب تتحرك الجماهير اليمنية من زخم إلى آخر، ومن مرحلة إلى أخرى أكبر، حتى بلغ الأمر استهداف العدو الصهيوني في أكثر من مقتل، وبات زوال الكيان مسألة وقت، وعاد العالم لمناقشة مستقبل "إسرائيل" المؤقت، بعد أن كانت تصنف نفسها كأمر واقع، يوم كان الرهان على أشباه الرجال الأشد كفراً ونفاقاً.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب