في ظل كارثة أكبر ونكبة ثانية بغزة.. الفلسطينيون يحيون الذكرى الـ76 للنكبة
السياسية - تقرير : مرزاح العسل
في ظل الكارثة الكُبرى والإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني في قطاع غزة منذ أكثر من 220 يوماً.. يحيي الفلسطينيون يوم غدٍ الأربعاء، في مختلف أماكن تواجدهم الذكرى الأليمة الـ76 للنكبة والتي ترسخت في وجدانهم وضمائرهم، أمام عالم صمت خلال النكبة الأولى وتواطئ خلال نكبة ثانية تجري حالياً على الأرض.
وتأتي ذكرى النكبة هذا العام، بالتزامن مع استمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة وتصعيدها، وسط تصاعد الحراك العالمي المؤيد للحق الفلسطيني والمندد بجرائم الإبادة، والذي من المتوقع أن تشهد فعاليات إحياء الذكرى هذا العام مشاركات واسعة، إضافة إلى حملات تضييق ممنهجة من قبل السلطات.
وتعتبر ذكرى النكبة واحدة من أكثر الفصول ألماً في تاريخ فلسطين والمنطقة، حيث لا تزال حاضرة في ذاكرة الناجين من النكبة، ويتذكر البعض بيوتهم وأراضيهم التي فقدوها، والكثير منهم لم تتكحل أعينهم برؤية وطنهم مرة أخرى قبل أن يغادروا هذا العالم.
فمن قبل النكبة والعدو الصهيوني يسعى جاهداً لطمس الحقائق وإعادة كتابة التاريخ، في محاولة لتحويل الأراضي الفلسطينية ومقدساتها إلى شيء آخر، لا يعكس هويتها الحقيقية وروحها التاريخية.. وعلى الرغم من ذلك، وحتى في هذه الأوقات العصيبة، تظل ذاكرة الشعب الفلسطيني تقاوم محو الهوية والتاريخ.
كما تأتي الذكرى لهذا العام بينما جُرح غزة الغائر ما زال ينزف، ومع كل يوم جديد، تتسع دائرة الجراح لتنهش أجساد الفلسطينيين وذاكرتهم، وتتغلغل في شرايين وجودهم، وتوقظ الألم من عميق فيهم، وتذكرهم بحجم المأساة التي يعيشونها.
ومرت أكثر من سبعة عقود، وما تزال قصص التهجير تثير آلام الذاكرة لدى من عاشوا النكبة الأولى، وتلقي بظلالها المؤلمة على من يواجهون اليوم شبح نكبة جديدة، حيث تعتبر الروابط بين الماضي والحاضر متشابكة وعميقة.
وشهدت النكبة الأولى جرائم مروّعة بفعل العصابات الصهيونية المسلحة، التي ارتكبت مجازر واسعة النطاق ونفذت تهجيراً قسرياً لأكثر من 800 ألف فلسطيني، فضلاً عن هدم أكثر من 500 قرية، والمدن الفلسطينية الكبرى تم تدميرها، والأسماء الجغرافية العربية مُحيت واستُبدلت بأسماء صهيونية في مسعى لإعادة كتابة الجغرافيا والتاريخ، مما حول أصحاب الأرض الأصليين إلى لاجئين مبعثرين في شتى بقاع العالم.
واليوم، يواصل العدو الصهيوني من خلال ممارساته الفاشية، ارتكاب جرائمه، بينما يواصل الشعب الفلسطيني مقاومته وصموده، بجانب رحلته الشاقة والمؤلمة من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، بالمشي على الأقدام أو عبر عربات تجرها الدواب، في محاولة للهروب من القصف الوحشي.
وتعُيد تلك المشاهد إلى الذاكرة صور النكبة في عام 1948، تلك الذكريات التي ظلت عصية على النسيان، مكشوفة لكل من ينظر، تظهر زيف هذا الكيان الاستعماري العنصري والدعم الذي يتلقاه من مدعي التحضر، يمارس الإبادة بكافة أشكالها وأنواعها التي لم تتوقف منذ احتلاله للأرض وحتى اليوم في قطاع غزة، بل تعدّت كل الحدود والنُظم الأخلاقية والإنسانية للبشرية جمعاء.
وتُحيي الذكرى والحرب في غزة، بتفاصيلها المؤلمة والدقيقة، معاناة شعب كان يملك كل شيء ذات يوم، ولكنه في لمح البصر، ودون أن يستوعب الصدمة بكاملها، وجد نفسه قد فقد كل شيء.
وتتكرر المعاناة الفلسطينية بصورة تتخطى حدود الزمان والمكان، لتربط بين الماضي والحاضر في سلسلة من الأحداث التي تتوالى دون انقطاع، وتشهد على تجدد الألم في كل مرة يُفترض فيها أن الزمن قد يوفر شفاءً، إلا أن الجروح تظل مفتوحة، تُذكر بالفقد والظلم الذي لا ينتهي لهذا الشعب الذي خذله الجميع.
وحالياً يخشى الكثير من الفلسطينيين تكرار تاريخهم المؤلم على مدى أكثر كارثية، ففي مختلف أنحاء غزة، كان الفلسطينيون في الأيام الماضية يتكدسون داخل السيارات وفوق عربات الكارو أو سيراً على الأقدام نحو مخيمات مزدحمة بالفعل مع توسيع العدو الصهيوني هجومه العسكري.
كما يحيي العرب الذكرى الـ76 للنكبة الفلسطينية لأنها تذكرهم بالهزيمة الأولى في حروبهم أمام العدو الصهيوني، مما أدى إلى فقدانهم الأراضي جزءا واسعا من الأرض الفلسطينية لصالح المحتل.
والنكبة هي الحرب العربية الصهيوني عام 1948 واختصارا حرب 1948، وهي أولى الحروب العربية الصهيوني، حدثت عقب إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان قيام كيان العدو الصهيوني.
ونشبت الحرب على أرض فلسطين، حيث شارك بها كل من الأردن ومصر والعراق وسوريا ولبنان والسعودية ضد المليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين والتي تشكّلت من البلماخ والإرجون والهاجاناه والشتيرن والمتطوعين اليهود من خارج حدود الانتداب البريطاني على فلسطين.
وكانت بريطانيا، قد أعلنت إنهاء انتدابها على فلسطين وغادرت تبعا لذلك قواتها من منطقة الإنتداب، وأصدرت الأمم المتحدة قرارا بتقسيم فلسطين لدولتين يهودية وعربية الأمر الذي عارضته الدول العربية وشنّت هجوماً عسكرياً لطرد المليشيات الصهيونية من فلسطين في مايو 1948 واستمر حتى مارس 1949.
وبحسب ما رصدته وسائل إعلام فلسطينية، فقد استمرت حرب النكبة وعملياتها العسكرية من 15 مايو 1948م– العاشر من مارس 1949م، أي ما يعادل (تسعة أشهر وثلاثة أسابيع ويومين).
وفي الوقت الذي يحيي به العالم العربي هذه الذكرى الأليمة تختلط المشاعر وتشتبك فيما يتعلق بأفعال الصهاينة على أرض فلسطين، تزامنا مع دخول العدوان الصهيوني الأمريكي على قطاع غزة يومه الـ220 واقتراب هذا العدوان من اتمام الثمانية شهور، ما يجعله عدوانا أقرب إلى نكبة ثانية.
ويشبه العدوان الحالي لغزة ومعاودة العدو الصهيوني محاولة احتلال القطاع بالنكبة الأولى التي فقدها بها العرب والفلسطينيون أرضهم لصالح العصابات المتطرفة، وها هم اليوم يفقدون رويداً رويداً أرضهم في غزة، بعد أن فقدوا آلاف الأرواح، وقبل ذلك تعاضد الأمة وتماسكها نحو قضاياها.
وبالمقارنة بين حرب النكبة عام 1948 والعدوان الحالي على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر الماضي فإن ما يزيد عن مليون فلسطيني شُرّدوا عام 1948 من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية آنذاك، وسيطر العدو الصهيوني وقتها على 774 قرية ومدينة فلسطينية، 531 منها دُمّرت بالكامل، وأُخضعت القرى والمدن المتبقية إلى كيان الاحتلال وقوانينه.
وأسفرت "عملية التطهير" آنذاك عن ارتباك العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحقّ الفلسطينيين، أدّت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني".
في المقابل أسفر العدوان الصهيوني الأمريكي على قطاع غزة لغاية اليوم عن استشهاد أكثر من 35 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 78,755 ألفا.
كما أدى العدوان الجاري إلى تدمير البنى التحتية بشكل كامل في قطاع غزة، وتهجير أكثر من مليون و700 ألف فلسطيني من مناطق سكنهم، وإجبارهم على النزوح إلى مناطق أخرى.
فيما استطاعت المقاومة الفلسطينية تحييد أكثر من 619 جندياً وضابطاً من جيش العدو الصهيوني منذ السابع من أكتوبر، منهم 271 منذ بدء العملية البرية في الـ27 من أكتوبر الماضي.
واعترف العدو الصهيوني بمصرع أكثر من ألف مستوطن خلال إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في السابع من اكتوبر الماضي، واستطاعت المقاومة آنذاك تدمير المنظومة الأمنية الصهيونية والدخول إلى مناطق شاسعة من الأراضي المحتلة والمستوطنات المتواجدة في مناطق غلاف غزة.
ويُقدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أنه إذا انتهت الحرب اليوم، فقد يستغرق الأمر من غزة 70 عاماً لاستعادة مستويات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022.
فيما أفاد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، مؤخراً بأنّ عدد الفلسطينيين في الوطن والشتات تضاعف نحو عشر مرّات منذ نكبة عام 1948.
وأوضح الجهاز، في بيان له أنّ "على الرغم من تهجير نحو مليون فلسطيني في عام 1948 وأكثر من 200 ألف فلسطيني بعد حرب يونيو 1967، بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم 14.63 مليون نسمة في نهاية عام 2023".
وقالت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، في بيان لها، الإثنين: إن "الذكرى الـ76 لبدء نكبة الشعب الفلسطيني، تحل في ظل نكبة أخرى تقوم بها "إسرائيل"، وهي تنفذها بدعم أمريكي وغربي ضد شعبنا عموما، وبفظاعة رهيبة في قطاع غزة تحديدا".
وأضافت: "إن النكبة بدأت في العام 1948 ولم تنته، لذا فإننا نحيي ذكرى النكبة التي لم تتوقف يوما، وهي مستمرة حتى الآن.. وتحل هذا العام في ظل حرب رهيبة مرّ عليها أكثر من سبعة أشهر، جاهر قادة "إسرائيل" منذ بدايتها، بارتكاب نكبة ثانية، حظيت بإجماع صهيوني".