السياسية - تقرير :

مرزاح العسل


على الرغم من رهانه الخاسر والضغوط التي يتلقاها من قبل أهالي المحتجزين الصهاينة بالإضافة للضغوط الدولية.. يعتبر رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو رفح ورقته الأخيرة لاستمرار الحرب على قطاع غزة بما يضمن بقاءه في الحكم.

ويأتي هذا التصعيد في ظل ظروف إنسانية ومعيشية متدهورة أصلاً، لا يمكّن للعقل البشري تصوّرها، بفعل حرب الإبادة الصهيونية المستمرة منذ أكثر من نصف عام، يفاقمها الحصار المطبق على القطاع وفقدان مقومّات الحياة الأساسية، مما يعمق الأزمة ويعقد فرص التوصل إلى هدنة أو صفقة توقف إطلاق النار.

فمنذ أكثر من شهرين، بدأ نتنياهو يُلوّح باجتياح رفح، وأعلن أن القرار اتُخذ وجيشه ينتظر الضوء الأخضر للبدء بالعملية العسكرية في المدينة التي نزح إليها أكثر من مليون و500 ألف فلسطيني.


ويرى مُحللون سياسيون وخبراء عسكريون أن نتنياهو يُعدّ رفح ورقته الأخيرة لاستمرار الحرب على قطاع غزة بما يضمن بقاءه في الحكم.. مشيرين إلى أنه يسعى منذ بداية الحرب للسيطرة على محور فيلادلفيا (محور صلاح الدين) ومعبر رفح؛ ليفرض هيمنته على هذين الموقعين في المدينة الحدودية.

ويقول المحللون: إن مدينة رفح بالنسبة لنتنياهو تُعتبر ورقة ضغط على حركة "حماس" لإبرام صفقة للإفراج عن المحتجزين لديها؛ إذ أن تحريرهم بالقوة العسكرية ليس بالأمر اليسير المضمون نجاحه.. مؤكدين أنه يسعى كذلك في تكتيك العملية برفح لإنشاء منطقة عازلة شرق وجنوب المدينة قرب المناطق الحدودية، ودفع المواطنين للمناطق الغربية وتحديداً المواصي.

وفي هذا السياق قال اللواء العسكري المتقاعد والخبير المصري سمير فرج يرى، في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي: إن الكيان الصهيوني يحاول إبعاد المواطنين والنازحين من وسط رفح، وعمل منطقة عازلة شرق وجنوب المدينة جهة الحدود؛ كونها تعتقد بوجود أنفاق في هذه المناطق.

ولفت إلى الضغوط التي يواجهها نتنياهو من قبل أهالي المحتجزين الصهاينة والذين يخرجون في مظاهرات مطالبين بالحرية لأبنائهم، قائلاً: "إنه يضغط بدوره على حركة "حماس" من خلال ورقة رفح، ويريد كسب الوقت ورفع عدد الرهائن المفرج عنهم في أي صفقة مقبلة، وفي الوقت نفسه يقلل الضغط عن نفسه".


وتابع قائلاً: "نتنياهو يُدرك أن تحرير الرهائن بالقوة لن ينجح، كما أن دخول رفح كارثة ومجزرة بحق مليون ونصف مليون نازح داخل مساحة ثمان كيلومترات.. ولو دخل الجيش الصهيوني رفح فلن يحصل على رهينة على قيد الحياة".

أما المحلل السياسي الأردني حمادة فراعنة فيؤكد أن لدى نتنياهو أهدافاً رئيسية لاجتياح رفح؛ أهمها تصفية قيادات "حماس" الذين يعتقد أنهم في رفح بعد أن اجتاح غالبية مساحة قطاع غزة ولم يجد قيادات ولا رهائن.

ويقول فراعنة: "نتنياهو يراهن على أن الأسرى الصهاينة موجودون بمنطقة رفح، بالتالي يريد إطلاق سراحهم من دون صفقة تبادل".. مضيفاً: "رغم وعود نتنياهو المتكررة للمصريين بعدم وصول العملية العسكرية للحدود، فمن الممكن ألا يلتزم بذلك، وأن يحاول السيطرة على منطقة معبر رفح أيضاً وترحيل الفلسطينيين لسيناء".

وبحسب آخر تحديث حول التوزيع الجغرافي للنازحين، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة: "إن 700 ألف نسمة يوجدون في محافظتي غزة والشمال، و450 ألف نازح في المحافظة الوسطى، بينما يوجد 50 ألف نازح في خان يونس، ومليون و200 ألف نازح في محافظة رفح جنوب قطاع غزة".

وحذر الثوابتة من اجتياح رفح، ووصف هذا بأنه سيكون "ضرباً من الجنون، وتجاوزاً لكل الخطوط الحمراء، وعلامة تاريخية فارقة من حيث الاعتداءات المتواصلة"، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي.

وحمَّل الثوابتة الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي وجيش العدو الصهيوني المسؤولية الكاملة عن أي "كارثة" أو "مجزرة" قد تحدث في رفح، كما طالب مجلس الأمن الدولي بتحمُّل مسؤولياته ووقف أي جريمة قد يرتكبها العدو الصهيوني من خلال اجتياح رفح.

وكان عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" والقائم بأعمال رئيس الحركة في الضفة الغربية زاهر جبارين، قد حذر من تداعيات أي عملية عسكرية في رفح.. قائلاً: إن الولايات المتحدة ستكون "شريكاً كاملاً في مجزرة رفح؛ لأنها عطلت قرارات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، وأعلنت أن قرار مجلس الأمن الأخير غير ملزم، وهذا أعطى العدو مزيداً من الحرية في استمرار جرائمه وقتله".

وأضاف: "ملف أسرى العدو لن يكون بعيداً عن تداعيات المذبحة التي سيقوم بها في رفح، وتداعيات عملية رفح السياسية والإنسانية ستكون أكبر من ملف الأسرى والتبادل، وسيتحول ملف الأسرى لقضية هامشية وثانوية".

وتابع قائلاً: إن الكيان الصهيوني سيعلن إذا حدث ذلك الاجتياح الاحتلال الكامل لقطاع غزة.. محذراً من "التداعيات السياسية لذلك على اتفاق الحرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى العلاقة مع مصر، وعلى مجمل المنظومة الرسمية العربية، ستكون كبيرة".

وفيما يتعلق بالصعيد الإنساني في حال تم اجتياح رفح، شدد جبارين بالقول: إننا "سنكون أمام مشهد دموي لا يقل عن المشاهد الدموية التي قام بعد العدو في الحرب الحالية".

وتُعد رفح، آخر ملاذ للنازحين في قطاع غزة المحاصر، فمنذ بداية العملية البرية التي شنتها قوات العدو الصهيوني على قطاع غزة في الـ27 من أكتوبر الماضي، يُطلب من المواطنين التوجه من شمال القطاع ووسطه إلى الجنوب، بادعاء أنها "مناطق آمنة".

واليوم، تتسع رفح على ضيق مساحتها المقدرة بنحو 65 كيلومترا مربعا، لأكثر من 1.5 مليون فلسطيني، يواجهون ظروفا مزرية داخل آلاف الخيام المنتشرة في جميع أنحاء المدينة، في وقت تتحرّك آليات العدو جنوباً آتية من الشمال الساحلي.

ويُشار إلى أن الآلاف نزحوا إلى رفح عدة مرّات على مدى العدوان الصهيوني الأمريكي منذ السابع من أكتوبر الماضي، وهم يعودون حاليا إلى الشمال بعدما طلبت قوات العدو منهم إخلاء الجزء الشرقي من المدينة.

ويواصل العدو الصهيوني عدوانه براً وبحراً وجواً على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، والذي أسفر عن استشهاد ما يقارب الـ35 ألف شهيد، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من 78514 آخرين، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.

وأثار تحرك العدو الصهيوني العسكري في رفح، بعد إعلان حركة حماس الموافقة على الصفقة، استغراب المراقبين في الكيان الغاصب، مؤكدين أن عملية رفح هي "خطوة للضغط" على الحركة الفلسطينية لإتمام صفقة التبادل، لكن ليس بشروط "حماس".

واعتبر المراقبون الصهاينة أن "النجاح هنا هو أن يؤدي التهديد العسكري في رفح إلى النتيجة المرجوة وهي تحرير الرهائن والإضرار بحركة حماس".

الجدير ذكره أنه في الوقت الذي أوشك العالم أن ينسى القضية الفلسطينية، وأرادت قوى الاستكبار أن تطوي صفحة الشعب الفلسطيني للأبد، أطلقت حركة حماس عملية طوفان الأقصى لتهزّ العالم، ولتكسر شوكة العدو الصهيوني، وما لبثت أن لفتت الأنظار، وجذبت الأنصار، وحرّكت العالم وقوى المقاومة من حولها، وعلى مدى أكثر من سبعة أشهر منذ بدء العدوان على غزة، كرّست المقاومة في لبنان واليمن والعراق مفهوم "جبهة الإسناد" لجبهة رئيسية في القطاع الصامد.