لا كرامةَ لمصر وشعبها بعد اليوم
السياسية || محمد محسن الجوهري*
سيادة مصر من سيادة غزة، وهذا أمرٌ بدهي، لا يحتاج إلى إثباتٍ أو تفنيد، مثله مثل عمالة الحكومة المصرية للصهاينة، والتي أثبتت خنوعها لإسرائيل في مناسبات كثيرة، ولو على حساب كرامة الشعب المصري ومصالحه، ففرعون النيل الجديد لا يأبه للقيم والمبادئ إلا بمقدار ما يحفظ شبقه للسلطة.
السؤال هنا: لماذا يبقى الشعبُ المصري صامتاً حتى اللحظة، وهل له مصلحة في ذلك؟
الحديث عن أنَّ السكوت والخنوع يحفظ مصلحة مصر السيادية غير صحيح، فقد ضربت "إسرائيل" السيادة المصرية في أكثر من مقتل، ونفذت عمليات عسكرية داخل الأراضي المصرية، بما فيها قصف معبر رفح، والاعتداء على عماله المصريين، في أكثر من موقف حتى قبل أحداث غزة الراهنة.
وإذا قلنا إن الشعب المصري يعيش حالة من الرفاهية، ويسعى للحفاظ عليها، فهذا أيضاً غير صحيح، فمصر واقتصادها يمضيان للهاوية، وما تعويم العملة إلا حلقة أخرى تثبت انهيار الاقتصاد المصري، وقد سبق ذلك انهيارات متتابعة للقطاعات كافة، كالزراعة والصناعة، وبات الشعب المصري عالة على المساعدات الغربية والخليجية، رغم ما يملكه من مقومات زراعية تؤهله للاكتفاء الذاتي، الذي عرفته البلاد في زمنٍ ليس بالبعيد.
فمصر بلد النيل والأراضي الزراعية الواسعة، وتستطيع الحكومة أن تستثمر ذلك للنهوض باقتصادها، بدلاً من التسول الذي يمارسه حكامها، كما تستطيع أن تكون بلداً صناعياً يغذي كل أسواق أفريقيا، وعلى الطريقة الصينية في توظيف الكثافة السكانية في قطاع التصنيع، حيث أن مصر أيضاً تملك حاجتها من المواد الخام اللازمة لذلك.
وبالنظر إلى الجوانب الأخرى، سنجد أن مصلحة مصر هي في الثورة على الوضع القائم، فلا كرامة ولا حرية رأي ولا غير ذلك مما يبرر هذا الخنوع الشعبي الذي بلغ حداً غير مسبوق في التاريخ المعاصر لأرض الكنانة.
لقد خرج المصريون في ثورتين عارمتين من قبل، وحان الوقت لتكرار ذلك الإنجاز العظيم، لا سيما ومبررات اليوم هي الأهم والأكبر في التاريخ، فأهل غزة يُذبحون ليل نهار منذ أشهر، ولا حجة للمصريين في الإعراض عن ذلك، إلا إذا كانت الثورات السابقة مدعومة من الخارج، كما يزعم البعض.
ولا ننسى أن البلاد المصرية هي المعقل الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين، وفيها القاعدة الشعبية الأكبر لذلك التنظيم، ويتعرضون في نفس الوقت لاضطهاد وقمع رهيب، يشهد بذلك القريب والبعيد.
وبما أن الإخوان يملكون أجنحة مسلحة، وقد شاهدنا كيف فجروا الوضع عسكرياً في سورية، وكذلك في بلدان أخرى كاليمن وليبيا، وغيرها من البلاد العربية، فلا عذر لهم في السكوت عن الوضع في مصر، وبإمكانهم أن يغيروا النظام بالاحتجاجات السلمية كما فعلوا في 25 يناير 2011، أو بالعمل العسكري الذي تبنوه ضد أنظمة أخرى، كما هو الحال عندنا في اليمن، حيث تمتلك جماعة الإخوان القوة العسكرية، وتفرط في استخدامها، مع أن أي انتصار تحققه هنا لا قيمةَ له إذا بقيت مصر (معقلهم الرئيسي) خارج سيطرتهم، وقد رأينا كيف انهار تنظيمهم في كامل البلاد العربية بعد سقوطهم في مصر عام 2013.
ولهم اليوم الحجة البالغة أمام الشعب المصري في حال ثاروا على نظام السيسي، الذي فقد شرعيته الأخلاقية أمام الأمة وأمام شعبه، وربما ينحاز الجيش المصري للإخوان لو أنهم قرروا الثورة في هذا التوقيت بالذات.
ولا أهميةَ لأي تحرك إخواني في المستقبل إذا أعرضوا اليوم عن نصرة غزة، فهذا هو الوقت الأنسب لذلك، مالم فلن يستقم للإخوان قائمة في مصر بعد اليوم، وكذلك في البلاد العربية كافة، وسيبقى تنظيمهم مجرد عصابات مأجورة تعمل فقط مع من يدفع أكثر، كما هو حالها اليوم في اليمن.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب