اليمن يجمع الأحمر بالأبيض.. عواقب الاستهانة الأميركية بالدماء
اسماعيل المحاقري
مع مرور سبعة أشهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، يثبت اليمن- بفضل الله تعالى- أنه حلقة قوية ومتماسكة وإضافة نوعية إلى محور الجهاد والمقاومة على الصعيد العسكري والشعبي المساند بفاعلية كل مراحل التصعيد في المعركة البحرية الداعمة للشعب الفلسطيني المظلوم.
قبل أحداث غزّة ومن خلال تجربة حرب السنوات التسع، ساد اعتقاد أن دول العدوان بمنفذيه الإقليميين وداعميه الدوليين يتفوقون على اليمن جويًا بأحدث ما يمتلكونه من الطائرات الحربية الأميركية والبريطانية، وكذلك التفوق البحري نتيجة الحصار المطبق والمفروض على ميناء الحديدة شريان الحياة لثلثي سكان اليمن.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، تغير الأمر وتبدد الاعتقاد، وحدث انقلاب رأسي في موازين القوى الإقليمية.
القوات المسلحة، بادئ ذي بدء، تهدّد بفرض حظر بحري على السفن الإسرائيلية، وأميركا والغرب مع دول التطبيع والخيانة يسخرون، ويتعاملون بمنطق القوّة والاستكبار. وتحت ضغط العمليات البحرية المؤثرة أُعلن عن تشكيل تحالف سُمّي "حارس الازدهار" لحماية الملاحة الصهيونية لينتقل اليمن إلى مرحلة ثانية من التصعيد لتشمل استهداف السفن الأميركية والبريطانية لاعتداءاتهما على اليمن ومشاركتهما في جرائم حرب الإبادة الجماعية في غزّة.
عناد أميركا ووحشية العدوّ الصهيوني مع تأثير عمليات البحرين الأحمر والعربي وباب المندب لناحية تعطل ميناء إيلات فرض على اليمن الانتقال إلى مرحلة ثالثة من التصعيد، وهي استهداف سفن الاعداء في المحيط الهندي.
رأى السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي البحر الأحمر بجانبه بركة صغيرة، وهو هنا لم يلقِ على مسامعنا درسًا من دروس الجغرافيا وإنما يلفت إلى أن قدرات اليمن- بفضل الله- من صواريخ وطائرات أحاطت بكلّ البحر الأحمر وأصبح ضرب أي هدف فيه أسهل من شرب الماء، ومسألة التأثير الأكبر كانت تتعلق بتقوية العمليات في المحيط الهندي قبل سماعنا المفاجأة الأكبر.
الإعلان عن استهداف السفن المتجهة إلى موانىء فلسطين المحتلة في البحر المتوسط كان مفاجئًا لكل المراقبين والمتابعين، وحتّى لأميركا نفسها.. أي جرأة هذه، وما الذي يستند إليه البلد المحاصر ليقتحم هذا المسار المليء بالمخاطر والتهديدات؟ وهل فعلًا وصلت دائرة التصنيع العسكري إلى إنتاج الصواريخ الفرط صوتية، وكم هو مخزون القوّة الصاروخية اليمنية من هذه الصواريخ حتّى تتحدى أميركا؟ والميدان هنا كفيل بالإجابة.. وأميركا عليها أن تحسب حساب دخول حزب الله بكلّ قوته في هذا الميدان، وكذلك إيران إذا كانت عاجزة عن تقويض القدرات اليمنية.
في معركة طوفان الأقصى وما بعدها لم يعد الانتصار لفلسطين وقضيتها العادلة مقتصرًا على البيانات وجمع التبرعات أو تهريب الأسلحة، والبحث عن وسائل لفعل ذلك.. فالصواريخ والطائرات المسيّرة ستصل أهدافها في الأراضي المحتلة تحت مرأى ومسمع "الدفاعات" الإسرائيلية والأميركية وحتّى دفاعات الدول المطبعة، وحصار غزّة سيقابل بحصار يتعمق كلّ يوم على الموانىء المحتلة ومنع الملاحة من المحيط الهندي وحتّى البحر الأبيض المتوسط.
على أن تهديدات واشنطن وحروبها الجانبية لم تعد تخيف أو تلوي ذراع أحد، وهذه أولى رسائل ودلالات التصعيد في البحر المتوسط.
في المتوسط؛ حيث تهيمن واشنطن بوجود أسطولها السادس، ينفتح كيان العدوّ على العالم بنسبة 90 في المئة، وفيه ثروة نفطية وغازية هائلة يستأثر بها العدوّ الإسرائيلي. ويكفي تحليق طائرة مسيّرة واحدة فوق إحدى المنشآت أو سقوط صاروخ مجنح بجانب أي سفينة ليهتزّ الاقتصاد الإسرائيلي المهزوز أصلًا، وبالتالي سترتفع التأمينات والأسعار أضعاف ما هي عليه داخل الأراضي المحتلة مع فقدان الثقة في أميركا دولةً عظمى تهيمن على البحار والممرات المائية.
بعملياته البحرية وتصعيده الجديد؛ يقدم اليمن لفصائل المقاومة أوراق ضغط تتكئ عليها إلى جانب الصمود الأسطوري في غزّة وثبات المجاهدين للوقوف بقوة في ماراثون المفاوضات. وان كان ثمة طرف يجب أن يقلق فهي الولايات المتحدة التي تعبّر علنًا عن مخاوفها من اتساع نطاق الصراع واشتعاله وجر المنطقة إلى حرب إقليمية عواقبها ستكون وخيمة على الكيان ومستوطنيه.
فشل الولايات المتحده في البحر الأحمر وانسحاب الكثير من الفرقاطات الغربية يفرض على واشنطن ممارسة الضغط على كيان العدوّ للتهدئة وعدم اجتياح رفح؛ لأن ذلك قد يضع سفن الشركات المرتبطة بموانىء الاحتلال في حقل الرماية اليمنية أيًا كانت جنسيتها أو وجهتها.
أما المكابرة والعناد؛ فلن يحققا للغرب ما يتمناه، فعمليات اليمن مرتبطة بغزّة، وهذا ما تُسلّم به واشنطن بعد سقوط دعاية تهديد التجارة العالمية، وانتصار الشعب الفلسطيني أمر حتمي لا شك فيه، وذلك وعد الهي لا يقبل الشك والتأويل.
- المصدر: موقع العهد الاخباري
- المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع