السياسية || محمد محسن الجوهري*

أحداث 7 أكتوبر المجيد وضعت مصداقية العالم على المِحك، فتكشفت حقائق الكثير من الأنظمة وبدت خلاف ما كانت تروج له قبل ذلك، فيما ثبتت من جهةٍ أخرى مصداقية أطراف وشعوب كانت مغمورة قبل طوفان الأقصى.

وبات العالم مجمعاً على أن وجهه قد تغير، وأنه بحاجة إلى نظامٍ جديد يواكب الثورة الفلسطينية ضد الصلف الصهيوني، والتي أصبحت عنواناً لحرية الشعوب، ومحطة لفرز الأنظمة الشريفة من غيرها، وبناءً على ذلك، فإن عصر الهيمنة الأمريكية على العالم قد بدأ في الانحسار، وأن هيبتها تتلاشى مع كل يوم تستمر فيه جرائم الصهاينة بحق المدنيين في قطاع غزة والضفة الغريبة.

وما انسحاب بوارجها العسكرية من البحر الأحمر، على وقع الضربات اليمانية، إلا بداية الهزيمة العسكرية، ومؤشر على أن مستقبل أمريكا كقوة عظمى لم يعد ممكناً بعد اليوم، وها هي شعوب العالم تتعاقب على رفض وصايتها، بدايةً من غرب أفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية.

ومن غير المنطقي، بل وغير الأخلاقي، أن تبقى الأنظمة العربية وحدها تحت تلك الوصاية، وقد كُشِف عن ساقي واشنطن، وأدرك البعيد والقريب أن هيبتها تنحصر فقط على هيمنتها الإعلامية، والتي تتم بأموال العرب وجهودهم.

كما أن على تلك الأنظمة أن تواكب تطلعات شعوبها للحرية، والتي تبدأ أولاً برفض الوصاية الغربية والتحرك العملي لتحرير فلسطين من دنس اليهود، مالم فإن الأنظمة ستخسر مستقبلها السياسي وتسقط بثورات داخلية بسبب عمالتها المفرطة لليهود في واشنطن وتل أبيب.

ومن الواضح أن كل ما تروجه أمريكا عن نفسها قد تبدد بالفعل، ليس فقط على الصعيد العسكري الذي سقط بالضربة القاضية اليمنية، بل وحتى ما تروجه عن نفسها كمنارة للحقوق والحريات، وأنها راعية السلام والإنسانية في العالم، مع استمرار المظاهرات الطلابية بطول البلاد وعرضها، والتي كشفت بأن أغلبية الشعب الأمريكي ترفض العبودية للوبي الصهيوني اليهودي، وتأبى أن تدفع أموالها لدعم الإبادة الجماعية في غزة.

ولو لم يكن لأحداث غزة إلا هذه لكفت، فخسارة اللوبي الصهيوني في أمريكا، أو خسارة أمريكا لهيبتها في العالم، يكفيان، بشكلٍ أو بآخر، أن يتخلى الغرب عن إسرائيل، وبالتالي تقف الأخيرة بمفردها في مواجهة العالم الإسلامي، ولن يدوم عند ذلك صمودها في مواجهتهم، فالصهاينة يدركون أنهم لاشيء بمجرد أن ترفع أمريكا يدها عنهم، وسيخسرون في أول مواجهة متكافئة عسكريا مع العرب.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب